استعمل الرئيس هواري بومدين، الذي نحيي اليوم ذكرى رحيله الـ34، القوة العسكرية في انقلابين على سلطات شرعية ظاهريا في كلتا الحالتين، ارتبط الانقلاب الأول بصائفة 1962 الذي أطاح بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي كانت تتمتع بشرعية وطنية ودولية، لا سيما بعد أن أصبحت شريكا للحكومة الفرنسية في اتفاقيات إيفيان، بوابة استفتاء الشعب الجزائري في تقرير مصيره واستقلاله. وكذا انقلاب 19 جوان 1965 الذي أطاح بحليفه السابق الرئيس أحمد بن بلة الذي كان يحظى بشعبية واسعة. وقد انتخب رئيسا للجمهورية في خريف .1963 وكان يقوم بتسيير شؤون البلاد بواسطة مؤسسات دستورية وسياسية شرعية، في مقدمتها المجلس الوطني، واللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني.
طبعا لا يعتبر الانقلاب العسكري وسيلة ديمقراطية للوصول إلى الحكم، وبالتالي من السهل أن نقول عن بومدين إنه كان ''ديكتاتوريا بامتياز''. لكن من الواضح كذلك أن العقيد هواري بومدين قائد أركان جيش التحرير الوطني لم يطلب السلطة لذاتها، فقد كان له مبرره لذلك، وهو ترجمة الانطلاقة الثورية في مشروع تنمية وطنية لفائدة أغلبية الشعب الجزائري. وبناء على ذلك كان يرى في جيش الحدود، خاصة القوة المنظمة الوحيدة القادرة على حماية هذا المشروع، وضمان الاستقرار الضروري لإنجازه.
بومدين إذن عبارة عن ''ديكتاتور إيجابي'' يحمل هما وطنيا، جعل الجزائر المستقلة قوة إقليمية باقتصادها وحيوية شبابها المسلح بنور المعرفة العصرية فضلا عن إشعاعها السياسي وقوتها العسكرية.
ومهما اختلفنا في تقييم تجربة بومدين في التنمية الوطنية، فلا يمكن ألا نسجل في رصيده ما يلي: إنه نجح في إقناع أغلبية الجزائريين بمشروعه الموجه أساسا لإرساء الاستقلال الوطني، على دعائم مادية صلبة، وعدالة اجتماعية لا شلك فيها ولا جدال. وأنه أقنع مشروعه كذلك دولا عظمى مثل اليابان وألمانيا، فلم تبخل عليه بالنصح والمساعدة، لإنجاز الشق الصناعي خاصة من هذا المشروع. وليس بومدين نشازا في العالم بارتداء برنوس ''الديكتاتور الإيجابي''، فهناك العديد من أمثاله في العالم نذكر منهم ستالين، ماو تسي تونغ، فرانكو، عبد الناصر...الخ.
كان بومدين يجسد الطموح المشروع لجزائر الثورة والاستقلال. وبدأ فعلا في ترجمة هذا الطموح في مشاريع ملموسة. ويمكن القول إنه كان قدوة في التقشف وتوظيف المال العام فيما ينفع البلاد والعباد. لكنه ارتكب خطأ قاتلا لتأخره كثيرا في تأمين مشروع التنمية الوطنية، بإقامة نظام حكم ديمقراطي، يمكن أن يتجدد ويتجاوز نفسه بطريقة طبيعية.
لقد أمضى عمره - القصير - للأسف في الاتكال على مساعدين طبيعيين - في الظاهر - لكن لا علاقة لأكثـرهم بالمشروع الذي يحمله. ناهيك أن القوى التقدمية لم تكن ترى في أقرب الناس إليه غداة رحيله غير ''سادات الجزائر''.
والسؤال الجدير بالتأمل والجزائر في أوج ''ديكتاتورية الفوضى''، هو ''كيف سيكون حال البلاد لو حافظ الرئيس بن جديد على اختيار التصنيع وأكمله، أو صححه، بفتح المجال أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة منها والعمومية؟
ولعل خير ما نختم به هذه العجالة، شهادة الوزير الأخضر الإبراهيمي، الوسيط الأممي، حيث قال: ''كانت المؤشرات الاقتصادية لجزائر مطلع السبعينات من القرن الماضي، أفضل من مؤشرات كوريا الجنوبية. وكانت بالجزائر محافظة سامية للإعلام الآلي في وقت لم تكن الهند تعرف كبير شيء عن هذه التكنولوجيا الرائدة''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/12/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : محمد عباس للخبر
المصدر : Elkhabar 27/12/2012