إن الدارس للاحتلال الفرنسي للجزائر و ما ترتب عنه من نتائج و بالخصوص ردود الفعل الجزائرية يخلص على حقيقة هامة و هي سمة الاستماتة التي أبداها سكان الجزائر العاصمة وما جاورها من قرى و مداشر إلى مشاركة باقي المناطق الأخرى من الوطن باختلاف الزمان و المكان ضد المحتل الفرنسي الدخيل منذ جويلية 1830الى جويلية 1962، و أن الشعب الجزائري لم ييأس و لم يمل من رفضه للتواجد الفرنسي مستعملا الوسائل العديدة و الإمكانات المتاحة بحسب الظرف الزمني لمقاومة الاحتلال .
ولعل من خصائص الرفض الجزائري للاحتلال الفرنسي هو قدرة الجزائريين على الاستفادة من تجارب الماضي و تراكمات الأجيال ، و قد تجسد ذلك في فترة المقاومة الشعبية الممتدة ما بين 1830و 1871 برغم وجود بعض المحاولات السياسية التي ظلت محتشمة ولم ترقى إلى الحصول على المطالب التي رفعها الشعب الجزائري وقتها و الممثلة في رفض الوجود الفرنسي في الجزائر ، هذا في حين امتازت الفترة ما بين 1871 و 1926 بوجود إرهاصات مهمة برزت في التحول إلى العمل السياسي المنظم الذي تجسد فيما بعد في بروز الخريطة السياسية الوطنية المنظمة بكل أطيافها ، و التي عاد لها الفضل الكبير في تنظيم المجتمع الجزائري و السير به نحو المطالب الوطنية بعد أن تبلور المطلب الاستقلالي بعد ميلاد نجم شمال إفريقيا سنة 1926 بباريس
أ-دور حضر الجزائر:
أ-1/مفهوم حضر الجزائر :
يقصد بالحضر الشريحة الجزائرية التي كانت تملك من الثروة و الجاه و تمثل أعيان الجزائر العاصمة و مهاجري الأندلس ، ولكنها تحتل المرتبة الثالثة سياسيا بعد فئة الأتراك و الكراغلة خلال الفترة العثمانية في الجزائر مع العلم أن هذه الشريحة لم تطمح إلى تولي المناصب السياسية بقدر ما كانت تمثل فئة التجار و الزراع في سهول منطقة متيجة ، مع وجود بعض الاستثناءات للحضر الذين تولوا السلطة مثل عائلة حمدان خوجة التي كانت قريبة من دار السلطان بل كانت تعمل مع طاقم الداي حسين و هو آخر الدايات الذين حكموا الجزائر .
أ-2/ دوافع اهتمام فرنسا بفئة الحضر :
لقد نسقت الإدارة الاستعمارية جل جهودها مع هذه الشريحة من المجتمع الجزائري منذ تواجدها في القصبة بغية تكسير بنية المجتمع و الاعتماد على عامل التفرقة و تجزئة المجزأ ، وذلك بعد أن شعرت بأن طبقة الحضر من الداعين لعودة الحكم الإسلامي و الحفاظ على قيمه ، هذا فضلا على نقمة هذه الشريحة على الأتراك ، و لذلك فلا غرابة من أن نجد أن الإدارة الفرنسية قد أبعدت العنصر التركي و عوضته بالحضر و منحت لهم بعض المناصب و تولوا الإدارة و وصلوا إلى المناصب الهامة وقتئذ و من أمثلة ذلك تولي أحمد بوضربة أمين السكة المجلس البلدي بالعاصمة ، و باي التيطري لمصطفى بن عمر .
و كان الغرض من كل ذلك هو تهدئة المقاومة الجزائرية و ربح الوقت لفرنسا من أجل ترتيب شؤونها في الجزائر مع بداية الاحتلال ،و كل ذلك ما كشفت عنه الأحداث لاحقا بعد تجريد الحضر من ممتلكاتهم و أرزاقهم ، بل عملت فرنسا على تأميم أراضيهم التي تعرضت للاعتداء و النهب من قبل الجيش و قواده ،برغم ما تضمنته معاهدة الاستسلام من بنود و التي أبرمت بين الداي و القائد الفرنسي في 5 جويلية و التي تنص على احترام ممتلكات الجزائريين .
أ-3/موقف الحضر من سياسة الاحتلال:
لم يكن الحضر من جماعة المرابطين الذين أعلنوا الجهاد ضد فرنسا كما فعلا الشيخ محي الدين وابنه الأمير عبد القادر ، و لم يكونوا زعماء قبائل كما فعل بن زعمون في منطقة متيجة ، و لم يكونوا من بقايا الإدارة العثمانية كما فعل باي التيطري بومزراق و أحمد باي في بايلك قسنطينة ، بل كانوا طبقة متميزة ثرية بالأمس و فقيرة بعد ما جردت من كل أموالها و أرزاقها فيما بعد أي بعد الفترة الأولى من بداية الاحتلال .
و قد عبرت هذه الفئة في الكثير من الأحيان عن تذمرها و استنكارها من سياسة الإدارة الاستعمارية المنتهجة في حقها ، و ذلك عن طريق الشكوى و تقديم العرائض ة البعث باللوائح و كذا الاتصالات المباشرة و غير المباشرة بالسلطة الفرنسية سواء في الجزائر أو في باريس و من أمثلة ذلك الإسهامات التي قام بها حمدان بن أمين السكة في الكثير من لقاءاته بالفرنسيين بسبب كثرة التهم الموجهة إليه على أنه من دعاة عودة الحكم الإسلامي في الجزائر بحسب ما أشار إليه الدكتور أبو القاسم سعد الله .
كما تذكر الكثير من المصادر التاريخية أن طبقة الحضر التي هاجرت إلى فرنسا عنوة أو طواعية كونت لنفسها فيما بعد حلقة متميزة من المعارضة و نسقت الجهود مع كل الجزائريين المنفيين مناك بغية تقوية الصف ، و من الأسماء اللمعة في ذلك التحرك السياسي الهام في مرحلة عويصة من تاريخ الجزائر بعد الاحتلال نذكر حمدان بن عثمان خوجة و بن عمر. و ظلت الكثير من هذه الوجوه محافظة على مواقفها بل متشبثة بمقوماتها الدينية و الوطنية برغم كثرة الدسائس و سياسة الإغراء و الاستمالة التي انتهجتها فرنسا مع هذه الوجوه الجزائرية الثائرة بمواقفها السياسية .
ج/ بعض الوجوه البارزة في طبقة الحضر
ج-2/أحمد بوضربة :
يعد من أعيان الجزائر العاصمة و أكبر تجارها ، كانت له علاقات وطيدة بحمدان خوجة ، كما كانت له إسهامات كبيرة في المفاوضات الجزائرية الفرنسية قبيل إبرام معاهدة 5 جويلية ، ويقال عنه أنه تفاوض لتسليم دار السلطان للفرنسيين لاقتناعه وقتها أن الوجود الفرنسي وجود مرحلي ذاهب لا محال ، و أن مجيئه إلى الجزائر بهدف تحرير الجزائريين من ريق الأتراك و الاضطهاد الذي كانوا يلاقونه في العديد من المرات على أيدي بعض من الحكام الذين كان شغلهم الشاغل لجمع الإتاوات و رفع الضرائب
لذلك كانت لبوضربة علاقة جيدة مع دوبورمون. هذا الأخير هو الذي ولاه رئاسة أول مجلس بلدي للجزائر العاصمة ويعد أيضا من مستشاريه السياسيين ، كما أولاه القائد الفرنسي كلوزيل إدارة أملاك مكة و المدينة وهي أحباس لها مكانتها في العمل الخيري للمهاجرين الجزائريين و العرب في دول المشرق العربي و خصوصا أثناء أداء فرائض ومناسك الحج و العمرة و احتياجاتهم الماسة لمثل هذه المعونة .
كما اتهمه الفرنسيون بأنه ترأس لجنة المغاربة التي كانت تعمل لصالح عودة الحكم الإسلامي في الجزائر ، وكان بوضربة سريع التأثير على الجالية الجزائرية و المغاربية في المهجر ، وكل ذلك ألق الدوق دوروفيقو الذي تولى حكم الجزائر و غير من نظرته تجاه طبقة الحضر ، بل اعتبرهم حلقة مخيفة ضد المصالح الفرنسية في الجزائر ، و أنهم يشكلون خطرا على مستقبل التواجد الفرنسي بالمنطقة و على مستقبلها وقرر التخلص منهم و نفى الكثير منهم إلى فرنسا ، مع العلم أن بوضربة كانت له نشاطات مكثفة مع اللجنة الإفريقية التي زارت الجزائر في جويلية من سنة 1833 للوقوف عند أحوال المستعمرة ولو أن هذه الزيارة كانت لصالح فرنسا لأنها كللت فيما بعد بتقديم المعلومات الكافية و الدقيقة عن الوضع في الجزائر ومن نتيجة ذلك قناعة الفرنسيين بمستقبلهم الذهبي في المستعمرة البكر ومن نتائج ذلك صدور المرسوم الملكي القاضي بإلحاق الجزائر بفرنسا سنة 1834 و الإبعاد النهائي عن مرحلة التردد التي ظلت جلية لدى ساسة فرنسا .
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/12/2011
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : بحث لصاحب المدونة
المصدر : عدة مصادر تاريخبة ومدونات