الجزائر

بن علي يفر من تونس.. بيبي دوك يعود إلى هايتي



 في الأسبوع نفسه الذي فرّ فيه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي من تونس، عاد ديكتاتور هايتي جان كلود دوفالييه، المعروف بـ''بيبي دوك'' إلى بلده، وصرح للصحافة ''عدت لمساعدة شعب هايتي''.
كان في استقبال دوفالييه عدد كبير من المواطنين الذين هتفوا له، بينما أعرب هو عن سعادته، وقال إنه انتظر طويلاً من أجل هذه اللحظة، وإنه يعلم أن أبناء وطنه يعانون، لذلك فقد عاد ليُظهر تضامنه وإصراره على المشاركة فيما أسماه بـ''الميلاد الجديد للبلاد''.
ومثل دوفالييه، غادر بن علي السلطة إثر ثورة شعبية، بعد أن لفظه الشعب التونسي جراء ثلاث وعشرين سنة من التسلط والحكم الجائر.
ابتعد بيبي دوك عن السلطة مدة أربعة وعشرين عاما، بعد أن لفظه الهايتيون الذين قاموا بثورة شعبية سنة 1986، طالبوا من خلالها برحيله. لكن عجز الطاقم السياسي الجديد عن تحقيق التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، جعله يعود إلى هايتي معززا مكرما، واستقبله الشعب الهايتي بحفاوة. ويبدو أنه تحول، طيلة سنوات منفاه الفرنسي بقصور فخمة في ''كوت دازور''، من ديكتاتور إلى منقذ، قادر على تخليص هايتي من المأزق الذي وقعت فيه.
ويحمل الكثير من الهايتيين ذكريات سيئة للديكتاتور الذي حكم البلاد بين 1971 و1986 عندما كان لا يتخطى العشرينيات من عمره، ما جعلهم يُلقبّونه وقتها بلقب ''الطبيب الطفل''، اقتداء بوالده الرئيس الأسبق فرانسوا دوفالييه الذي كان يحمل لقب ''الطبيب الأب''، حيث شهد عهده الكثير من الفساد والوحشية مع المواطنين.
بعد مورو سنوات طويلة، فعل الحنين فعله، وجعل التاريخ يسير وفق مسار غير طبيعي. أصبح الشعب الهايتي ينظر إلى زمن بيبي دوك، مقارنة بالوضع الراهن، وهو جحيم معلن، كأنه الجنة الواجب استعادتها والعودة إليها، حتى وإن كانت ديكتاتورية قمعية لا ترحم. 
وجرى لهايتي ما جرى للعراق، حيث ازدهرت في عهد الديكتاتور، وانهارت في العهد الديمقراطي.
وتقدم لنا التجربة الهايتية هذه القراءة للتاريخ... وهي أن الإخفاق الديمقراطي يعيد الديكتاتورية من بابها الواسع. 
الإخفاق الراهن، يصنع الحنين، وينسي الشعوب مآسي الأمس بسرعة، حتى وإن كانت قاسية وفظيعة. وكم من شعب قضى على ديكتاتور، لكنه سرعان ما شعر بالحنين لحكمه. والديكتاتور هو من يمهّد لهذا الحنين، فمن ميزاته أنه يفرض صورته ونرجسيته على الناس بشكل يوحي بأنه الأب الروحي، صاحب الخلاص الوحيد.
ويبالغ الديكتاتور في الأنانية، فيسخر كل شيء لتضخيم ذاته. ويفرض سيكولوجيا الولاء الروحي، وذوبان شخصية الرعية في شخصية الحاكم. كما يصنع لنفسه هالة تقوم على العجز عن الولاء الدائم للأشخاص أو المجموعات أو القيم الاجتماعية أو الدينية إلا بقدر ما تحقق له من مصالح ذاتية مرحلية، ثم سرعان ما ينبذ هذا الولاء أو يدوسه بقدميه. عاد بيبي دوك، وقد اعترف بأخطائه، في رسالة موجهة إلى الشعب الهايتي سنة 2007 وطلب الغفران للأخطاء التي ارتكبت في عهده.  لا نريد أن يحدث لتونس ما يحدث، حاليا، لهايتي. فالنجاح الديمقراطي هو الوحيد الذي يقضي على براثن الديكتاتورية ومخلفاتها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)