تأسف رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح لقيام مسؤولين فرنسيين بإطلاق نداءات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تدعو الشعب الفرنسي إلى الاعتزاز والفخر بتاريخه في 08 ماي، مشيرا إلى أن ذلك يعكس عدم هضم هؤلاء فكرة "الجزائر المستقلة". واعتبر أن مستقبل العلاقة بين الجزائر وفرنسا "يجب أن يُبنى على أرضية صحيحة وصلبة خالية من التجاويف التحتية"، وعبر "مصارحة بالحقيقة لا تتقادم مع الأيام ولا تُمحى بالتصاريح الظرفية التي سرعان ما يأتي ما يعاكسها". وقال السيد بن صالح إنه بعد الاستقلال "عملت الجزائر مع فرنسا على أساس فتح صفحة جديدة في إطار التعاون الذي يعود بالفائدة على الطرفين... لكن ما نلاحظه للأسف اليوم، أن ذهنيات بعض المسؤولين السياسيين والبرلمانيين (من حسن الحظ أنهم ليسوا كثرًا)... لم تهضم فكرة الجزائر المستقلة، ولا تتحرج (إلى اليوم) من إطلاق نداءات على شبكة التواصل الاجتماعي، تدعو الشعب الفرنسي فيها إلى الاعتزاز والفخر بتاريخه بمناسبة 8 ماي! بل وجدنا من هؤلاء من تجرأ على مناشدة الفرنسيين بالاعتزاز بالدور الإيجابي للاستعمار في الجزائر!". وجاء هذا التعقيب من رئيس مجلس الأمة في خطاب ألقاه أمس خلال ندوة تاريخية نظمها المجلس تحت عنوان "جرائم الاستعمار، هل هي قابلة للتقادم؟ حالة مجازر 08 ماي 1945". وفي ذلك إشارة مباشرة إلى الرسالة التي بعث بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم 08 ماي الجاري عبر حسابه في تويتر، والتي جاء فيها: "أرغب في أن يكون الفرنسيون فخورين ببلدهم، وأن يقولوا بأن لديهم تاريخا جميلا وكبيرا".وقد أحدثت هذه التغريدة استياء كبيرا لدى الجزائريين، الذين لم يترددوا في الرد على حساب هولاند، بعبارات منها: "تحيا الجزائر"، و«المجد والخلود لشهدائنا الأبرار"، و«الله يرحم ضحايا 08 ماي 1945". وفي السياق ذاته عبر السيد بن صالح عن تفاجئه ببروز "توجهات من أنصار الفكر الاستعماري الاستعلائي الحاقد"، قال إنها "لاتزال تحن إلى اليوم لذلك الماضي الاستعماري الغابر". واعتبر أن تنظيم هذا اليوم الدراسي حول مجازر 8 ماي 1945 جاء ليعلم "أولئك الذين من وراء البحر يريدون طمس الحقيقة والتستر على ماضيهم الكئيب في الجزائر، من خلال سعيهم لتبييض صفحات سلوكاتهم المجرمة، والتي تمثلت، بوجه الخصوص، في تزييف أعمالهم النكراء ضد الشعب الجزائري، وسعيهم المتواصل لطمس الحقيقة الاستعمارية والتستر على أفعالهم، التي لاتزال إلى اليوم تصرخ بقوة في وجه الراغبين في طي صفحة الماضي عبر سعيهم لتلميع مشهده المقيت". ولم يتردد رئيس مجلس الأمة في وصف ما حدث يوم 08 ماي 1945 ب "المجزرة التي تُعد حقا واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت ضد شعبنا، بل الإنسانية قاطبة"، مضيفا أنها "جرائم إبادة جماعية حقيقية، ولن نكون مبالغين إذا وصفناها بهذه الأوصاف".بالمقابل، اعترف بأن تنظيم هذه الندوة يعد وقفة رمزية، لكنها "ضرورية وهامة في حياة الأمة"، انطلاقا من كونها مناسبة لتجديد الوفاء "لأولئك الذين توجوا بتضحياتهم تاريخ هذه الأمة"، بدون أن ينسى التذكير بأن الدستور الذي بادر به رئيس الجمهورية، جاء ليكرس "احترام رموز الثورة التحريرية"، ويدعو إلى صيانة الذاكرة العامة للشعب، ويؤكد على ترقية كتابة التاريخ الوطني وترسيخه في أذهان أجيالنا القادمة. وتميزت الندوة بإلقاء محاضرتين، الأولى من طرف المؤرخ محمد ولد سي قدور القورصو تحت عنوان "مجاز 08 ماي 1945... جريمة لم يعترف بها"، والثانية من إلقاء مدير مركز الدراسات والبحوث بالمجلس الدستوري محمد بوسلطان، بعنوان: "ما مدى قابلية جرائم الاستعمار للتقادم في ظل القانون الدولي العام". الدكتور القورصو الذي ترأّس لسنوات جمعية 08 ماي 45، عاد بالمناسبة إلى التذكير ببشاعة الجرائم المرتكبة في هذا اليوم ومسؤولية السلطات الفرنسية عليها، من خلال عرضه صور من الأرشيف لأول مرة، تبين تجهيزات الجيش الفرنسي لمواجهة المتظاهرين، "وكأنه سيواجه جيشا آخر". وقال أنه لحد الآن لم يتم الاعتراف بهذه الجريمة من طرف الدولة الفرنسية، معتبرا أن الاختلاف الوحيد بين اليمين واليسار الفرنسيين هو "الشكل"، مذكرا بان الرئيسين ساركوزي وهولاند على السواء طالبا الجزائريين بالنظر إلى المستقبل، لكنه تساءل "من يتكفل إذا بالماضي؟"وقال إن الاعتراف بأن ماحدث كان مجازر، لايكفي باعتبار أن ذلك هو "مجرد ذر الرماد على العيون"، مشيرا إلى أن الأهم هو "تشخيص من قام بهذه المجازر... والأسماء موجودة في الأرشيف الفرنسي". وبالحديث عن الأرشيف فإن الدكتور القورصو عبر عن أسفه لكونه يستطيع في بضع ساعات من جمع كم هائل من الوثائق خارج البلاد، في حين أنه لايتمكن من الحصول على وثيقة واحدة من الأرشيف الجزائري، مادفعه للقول "اليوم الأرشيف مغلق بالسلاسل ببلادنا". وفي الجانب القانوني للمسألة، جاء تدخل الدكتور بوسلطان الذي أشار إلى التطور الحاصل في القانون الدولي والذي جعل من كل الجرائم قضايا "غير قابلة للتقادم"، مركزا بالخصوص على معاهدة روما ومادتها ال29 التي تضمن عدم التقادم لاسيما للقضايا التي عايشت الحرب العالمية الثانية، منبها إلى أن جرائم الإبادة تعترف بها الأمم المتحدة ولاتحتاج إلى التصديق أو المصادقة أو الانضمام إلى أي اتفاقية، وهو مادفعه للجزم بأن "جرائم 08 ماي 45 لا ولن تتقادم على أساس المبادئ التي تضمنتها القوانين الدولية".لكن السؤال الذي طرحه أغلب المتدخلين في النقاش كان "ماذا بعد القول بأن هذه الجرائم غير قابلة للتقادم؟"...تساؤل، قال الدكتور بوسلطان إنه كقانوني قدم محاضرة "تقنية" لايمكنه الاجابة عنه، وقال "السياسيون هم من يقرر الاجابة عن هذا السؤال". إلا أنه شدد على أن القانون الدولي يأخذ مساره ولو على المدى الطويل، وأنه تطور ليسمح حاليا ب«تشخيص الجرائم والعقوبات الدولية"، موضحا بأن التشخيص – أي اتهام شخص بعينه بارتكاب جرائم- يسهل تطبيق القانون. لكن في حالة مجازر 08 ماي 45 لم يعد ممكنا الذهاب نحو التشخيص، ولذا اعتبر أن الحل الوحيد هو الذهاب نحو تحميل المسؤولية للدولة الفرنسية ومؤسساتها، وفي هذه الحالة فان إصلاح الضرر سيكون عبر الاعتراف بالمسؤولية وهو "يكفي لاعادة كرامة الناس والدولة"، كما قال. وكانت الندوة مناسبة لبعض الحاضرين لتجديد مطلب إعادة إحياء مشروع قانون تجريم الاستعمار من طرف البرلمان، كما طالب البعض الآخر بجعل يوم 08 ماي عيدا وطنيا لترسيخ هذا التاريخ في أذهان الأجيال القادمة،كما حملت التدخلات تساؤلا ملحا حول أسباب عدم تفعيل الاجراءات لمقاضاة فرنسا على هذه الجرائم لحد الآن؟
تاريخ الإضافة : 11/05/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حنان حيمر
المصدر : www.el-massa.com