لازالت عدة مناطق بريف ولاية تلمسان، تعاني وضعية لا تتماشى والبرامج الموجهة للخروج بها من دائرة التخلف؛ حيث لاحظت ”المساء” في خرجات ميدانية إلى عدد من المناطق ببلديات الولاية وكانت في مقدمتها بلدية البويهي الحدودية التابعة إقليميا لدائرة سيدي الجيلالي جنوب الولاية، مظاهر البؤس واضحة للعيان؛ بدءا بالفقر، وصولا إلى ارتفاع نسبة البطالة في غياب أهم الضروريات.
تبدو الأوضاع المعيشية المتواضعة للسكان واضحة للعيان، ففي عمومها معاناة حقيقية في كل المجالات والقطاعات، خصوصا لدى فئة الشباب وخريجي الجامعات؛ فالبطالة وعدم توفر المرافق الضرورية والترفيهية والرياضية، جعلاهم عرضة للانحراف. ويسجَّل هذا الوضع رغم ما تزخر به المنطقة من ثروات طبيعية وطاقات بشرية أغلبها هاجرت نحو ولايات أخرى، لعلها تجد فرصة هناك تنقذها من قساوة العيش في هذه المنطقة المنسية، خاصة أن بلدية البويهي فلاحية بامتياز؛ ما يؤهلها لأن تكون قطبا زراعيا واقتصاديا نظرا لوجود العديد من الموارد الباطنية كالمعادن، بقرية العابد التابعة للبلدية، التي لا تبعد سوى ببضع كيلومترات عن مقر البلدية. وارتبط اسم هذه القرية الحدودية بمنجم الزنك والرصاص، الذي كان بمثابة اللبنة الأساسية لتكوين هذا المجمع السكاني. ونظرا لقلة اليد العاملة خاصة بعد قرار تأميم المناجم في 6 ماي 1966 ورحيل الفرنسيين عن المنجم، توافد العديد من المواطنين من جميع أنحاء الجزائر طلبا للشغل، ومنذ ذلك الوقت وعدد السكان في تزايد؛ ما جعلهم يمثلون ضعف تعداد سكان التجمعات السكانية المجاورة التابعة لمركز البلدية البويهي أو المركز في حد ذاته، وهذا بسبب قيام الوحدة المنجمية ببناء وحدات سكنية لعمالها، عبارة عن سكنات جاهزة؛ ما أهّلها في التقسيم الإداري 1984، للارتقاء بها كبلدية، غير أن ذلك لم يحدث. وعاش سكانها آنذاك فترة ذهبية في مجال التنمية بمختلف القطاعات، وفي مقدمتها التعليم والصحة وغيرهما، لكن ذلك لم يدم طويلا؛ إذ سرعان ما تلاشت هذه الأحلام بعد أن عجزت هذه الوحدة الاقتصادية عن مواصلة نشاطها الاقتصادي بسبب تعرضها للإفلاس سنة 2000، وتأثرها بالتحولات الاقتصادية على المستوى العالمي بحكم انخفاض أسعار الزنك والرصاص في الأسواق العالمية. ودخلت قرية العابد في دوامة من التهميش والتخلف في مجال التنمية. وضربت البطالة أطنابها في أوساط الشباب، وتحوّل العديد من أرباب العائلات إلى بطالين؛ ما دفع بالبعض منهم إلى النزوح إلى المدن الكبرى للولاية؛ بحثا عن عمل، في حين فضّل البعض الآخر المكوث بالقرية؛ أملا في أن يعاد تفعيل المنجم، وهو ما حدث فعلا، لكن لم تدم فرحة سكان القرية سنة 2004، عندما حدث اتفاق بين الشركة الصينية ”معادن العابد” ووزارة المناجم؛ حيث قامت بإعادة تجديد هياكله مع الحفاظ على المنشأة الكبرى كالآبار والأروقة والمغسلة، غير أنها فشلت في تطبيق البنود وعمليات الاستخراج رغم بقائها فترة فاقت 10 سنوات، وهو ما قضى على أحلام السكان مجددا.
ويبقى أمل الشباب معلقا على ما تجود به الرمال بهذه البلدية ذات الجودة العالية والصالحة، وتحويلها إلى صناعة الزجاج وحتى خدماتية، قد توفر لهم مستقبلا مناصب شغل إذا ما استُغلت في استثمار اقتصادي، مطالبين بذلك الجهات الوصية بإجراءات مستعجلة، ووضع خطة تنموية محلية مستدامة، وفتح المجال أمام مشاريع المستثمرين في الصناعة والزراعة وقطاع الخدمات والسياحة، وتدعيم الشباب، خصوصا الجامعيين، بما يتناسب وحاجيات سوق المنطقة وترويجها وطنيا ودوليا، فضلا عن إنشاء مركز خاص بإعادة تأهيل وإدماج الشباب ممن يتعاطون الممنوعات، ودمجهم في المجتمع من جديد.
ويتطلع سكان شباب بلدية البويهي وكل المناطق الحدودية الغربية، إلى تعليق آمالهم في الرئيس المنتخب الجديد للبلاد، لوضع حد للتهميش الذي عانوه فترة فاقت 20 سنة.
الظاهرة تنتشر في معظم المدن ... البنايات غير المكتملة تشوّه الطابع العمراني
تعرف العديد من بلديات تلمسان من يوم لآخر، تزايدا مذهلا في عدد البنايات الفوضوية المنجزة بدون تراخيص رسمية من طرف السلطات العمومية، على مستوى تلمسان وشتوان ومنصورة ومغنية والحنايا والرمشي وغيرها.
يعود سبب انتشار ظاهرة البنايات الفوضوية إلى عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم والأبعاد، بإمكانها القضاء النهائي على هذه الظاهرة، التي في حال استمرارها ستشوه النسيج العمراني لهذه البلديات. وتتطلع بلدية مغنية في هذا الشأن، لتحسين نسيجها العمراني، خصوصا أنها تتوفر على جميع المؤهلات التي حددتها السلطات العليا في البلاد؛ كأن يتعلق الأمر بعدد السكان الذي تجاوز 120 ألف نسمة، أو بُعدها عن مقر الولاية حاليا، حيث تفوق المسافة بينهما 65 كلم مربع. هذه السكنات وأخرى غير المكتملة أو غير الجاهزة والأراضي الشاغـرة التي تُركت منذ سنوات عدة بدون بنائها والمخالفة للقانون وكذا المنتهية غير الموثقة بحدة، رغم التسهيلات التي تقدمها الجهة المعنية بولاية تلمسان لتسليم رخص البناء والتقيد بها، إلا أن الخروق عديدة ومختلفة، تستدعي الدراسة المعمقة لتسوية وضعيتها وإيجاد حل للأسباب التي تحول بينها وبين نتيجة الرفض من لجان الدوائر التي خوّلت لها صلاحية دراستها. وبالموازاة مع ذلك، يصعب في بعض الحالات تنفيذ عملية الهدم الفوري، وفقا للأسباب التي تلاحقها أثناء التقصي في الملف المرفوض لدوافع معيّنة، في مقدمتها الانعدام الكلي لعقود الملكية؛ سواء كانت خاصة أو عمومية لبناءات تم تشييدها؛ إذ تعمل مصالح مديرية التعمير والبناء على إيجاد حلول؛ من خلال إعادة دراسة النقاط العالقة لتقديم تقاريرها للوزارة الوصية؛ بهدف التقليص من أسباب الرفض، وعدم التوجه نحو هدم المنازل التي لا تحوز على عقود.
وحسب مديرية التعمير، فإن الوضع الراهن سيخلق أزمة سكن ولا يمكن التعويض ماديا؛ مما يستدعي التدقيق في كل حالة على حدة؛ باعتبار أن قانون الهدم تواجهه بعض العراقيل، مشيرة إلى حالات ذكرتها المادة 16 من قانون 08-15، ترفض تماما تشييد السكنات بالأماكن الأثرية والسياحية والأراضي الفلاحية والجهات الخطيرة المحاذية لشبكات الغاز والضغط العالي للكهرباء وقنوات المياه، والتي لا يمكن تسويتها. وأكدت المديرية أن النصوص الجديدة استنادا لقانون 08ـ15، تفرض على كل البنايات تسوية وضعيتها، في وقت تذهب إلى تسليط عقوبات صارمة على المخالفين، تصل إلى درجة الحبس.
ويسجَّل، من جهة أخرى، وجود سكنات هشة وقديمة بالوسط الحضري للتجمعات السكانية القديمة بالمدن الكبرى لتلمسان، والتي أصبحت هي الأخرى، تشوّه المنظر الجمالي للطابع العمراني لهذه المدن؛ إذ تحوّل الكثير من هذه المواقع إلى مفارغ عمومية ترمى بها النفايات، ومرتع لمختلف الحشرات والزواحف والحيوانات الضالة. كما وجد المنحرفون واللصوص فيها ملاذا لهم؛ إذ يقصدونها ليلا لتناول الممنوعات والتربص بالمارة بالاعتداء عليهم وسرقتهم. وتتفاقم هذه الظاهرة في الأحياء التي تنعدم فيها الإنارة العمومية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/12/2019
مضاف من طرف : tlemcen2011
صاحب المقال : ل. عبد الحليم
المصدر : el-massa.com