بعض مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي

من مظاهر الاحتفال بالمولد عند أهل تلمسان، الذين كانوا يوقدون الشموع والبخور في منازلهم، وكذلك في المساجد والزوايا ويتلقى طلاب المدارس المنح والهبات، التي يقدمون جزءا منها إلى أساتذتهم في هذا اليوم المبارك، وتصدى بعض فقهاء تلمسان إلى ظاهرة اشعال الشموع ليلو المولد ويوم سابعه، واعتبروها بدعة وعلى رأسهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن مرزوق الحفيد، الذي استطاع أن يبطيها في مدينة تلمسان طوال حياته ولكنها عادت من جديد، إلى أوساط المجتمع التلمساني بعد وفاته وبصورة أكثر وبكثافة أشد(197).
وهكذا يتضح أن ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بمدينة تلمسان، وفي غيرها من مدن وحواضر بلاد المغرب، لقيت منذ نشأتها رواجا كبيرا لدى المسلمين في المغرب الأوسط، على المستويين الرسمي والشعبي لحاجة الناس- فيما يبدو- إلى مثل هذه الذكرى، في وقت زاد فيه المد الصليبي على الأندلس وبلاد المغرب، وظهر فيه الغزو الثقافي الغربي- إن صح التعبير- على دار الإسلام، لاسيما منها الأعياد الدينية المسيحية، وهذا كا جعل أهل المغرب عامة وأهل تلمسان على وجه الخصوص يعظمونها ويبجلونها، ويحتفلون بها في كل مناسبة لإعادة الاعتبار، إلى رموز ديننا الحنيف وخاصة في القرنين الثامن والتاسع الهجريين الرابع عشر والخامس عشر ميلاديين(198).
ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الاحتفالات، على الشعر والأدب في مدينة تلمسان، لما تحمله من أهمية، فاستجاب لها الشعراء وحرصوا على تدوينها في أشعارهم ومدائحهم، والتباري بها في ليلة المولد وسابعه أمام مجالس السلاطين، حتى للبلاط الزياني خصوصية مميزة في الاعتناء بهذه المناسبة والاحتفال بها، بإضفاء عليه هالة من الاكبار والاجلال(199).
وقد صارت هذه الليلة فرصة لقرض الشعر ونظمه والتباري به، على نطاق واسع وقد عبر عن ذلك، الرحالة الجزائري، ابن عمار بقوله: ''وقد جرت عادة أهل بلادنا الجزائر- حرسها الله- من الفتن وحاطها من الدوائر انه إذا دخل شهر ربيع الأول، انبرى من أدبائها وشعرائها من إليه الإشارة وعليه المعول إلى نظم القصائد والمديحيات والموشحات النبوية، تعظيما لهذا الموسم، الذي شرف به الإسلام، احتفالا بمولده عليه، الصلاة والسلام''(200).