الجزائر

بعد سقوط قصر قرطاج ستسقط قصور أخرى



من كان يتصور قبل شهر واحد أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي سيترك السلطة هاربا من غضب الشعب؟ هذا الشعب الذي توصل بفضل وعيه ورغبته الملحة في الديمقراطية والحرية إلى إسقاط نظام جرده من جميع حقوقه المشروعة.
أمام إرادة الشعب التونسي ووعيه وتضحياته قصد الانتقال من الاستبداد إلى الحرية والديمقراطية، لا بد من إبداء تعاطفنا وتضامننا الفعال وتقديرنا لهذه الانتفاضة بل هذه الثورة التي ستكون خصبة لا محالة وستنجب ثورات أخرى لطرد جميع الطغاة والمستبدين لتعيش الشعوب في الحرية والديمقراطية ودولة القانون.
وفي بلادنا، من كان يعتقد قبل 5 أكتوبر 1988 بشهر واحد أن الجزائر ستنتقل بفضل الشارع وتضحيات الشباب من الأحادية إلى التعددية، وأن تعيش مرحلة من الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والإعلامية؟
ولكن، في الجزائر استرجعت السلطة ما ضاع منها، لأننا اكتفينا منذ البداية ببعض مظاهر الديمقراطية، ولم نطالب بتغيير النظام المتسبب في قتل أكثـر من 500 شاب، وتعذيب مئات المواطنين قصد البقاء في السلطة من أجل السلطة، والذي قتل بعد ذلك 123 شاب في منطقة القبائل في إطار صراع جماعات السلطة لتحقيق التوازنات الكبرى بينها.
ماذا بقي من انتفاضات 5 أكتوبر 1988 بعد أكثـر من 20 سنة من هذه الأحداث؟
لقد سحبت السلطة جميع الحريات والحقوق، وتركت الشعب يعيش تحت قانون الطوارئ منذ 19 سنة، وما نجم عن ذلك من قمع الحريات العامة الفردية والجماعية ومنع المسيرات والاجتماعات السلمية ورفض اعتماد الأحزاب والجرائد وغلق وسائل الإعلام الثقيلة وإضعاف المعارضة الديمقراطية عن طريق الاضطهاد أو الرشوة. وقد نجم عن هذه السياسة إخضاع جميع السلطات للسلطة التنفيذية، وجعل هذه الأخيرة في قبضة مجموعة محدودة من الأشخاص، وانتشار الفساد إلى حد تهديد أركان الدولة. واستمر النظام الأحادي المستبد في شكل تعددي.
ورغم كل ذلك، فإن قيادات الأحزاب لم تستخلص دروسا وتعتني بالأهم ليكون لها وزن تجاه السلطة المستبدة ومصداقية عند الرأي العام.
فها هي أصوات منفردة تريد المتاجرة في الزيت والسكر قصد الظهور من أجل الظهور، رغم أن هذه السياسة أثبتت فشلها وفقدان المصداقية عند الشعب.
فهذا يطالب برفع حالة الطوارئ واعتماد الأحزاب ولم يفعل ذلك عندما كان في السلطة. وذاك ينادي بتوحيد الصفوف وقد قضى عشرين سنة في تشتيت المناضلين. والآخر يندد بالفساد والرشوة ولا يعلم أحد مصدر ثـروته. وآخرون ينددون بالرئيس بعدما خدموه كالعبيد... والقائمة طويلة. فكيف يمكن والحالة هذه أن يكون لهؤلاء وأولئك وزن ومصداقية؟
وإذا عدنا إلى ثورة الياسمين في تونس، نجد أن المعارضة التونسية لا تقيم في قصور بن علي، ولم تشاركه في القمع، ولم تتقاسم معه الغنائم، ولم تقل إن نظامه نموذج في العصرنة، ولا تنتظر الوصول إلى البرلمان عن طريق -الكوطات- ولا إلى الرئاسة على متن دبابة. وبكلمة واحدة في تونس السلطة سلطة والمعارضة معارضة.
كل من تتبع الأحداث في الجزائر، وخاصة منذ جانفي 1992 يرى ما آلت إليه السياسة في السلطة والمعارضة. فالسياسة التي كانت تعني خدمة الصالح العام ولو من زاوية معينة، صارت مرادفا للثـروة والبزنسة حتى صار بإمكاننا حصر ما يجمع بين قيادات أحزاب الائتلاف والمعارضة ولا نجد ما يفرق بينها. ولا أعتقد أنه يوجد سياسيون خارج الجزائر يسبون السلطة في كل صباح على ظهر الجرائد قصد ترضية الشعب ويجتمعون في الليل مع أقطابها قصد الحصول على رضاهم وما ينتج عنه من كرم.
ستحدث تغييرات في الجزائر لا محالة، وسترجع السلطة للشعب السيد ليفوضها بكل حرية لمن يشاء. ولكن هذا التغيير نحو الديمقراطية واحترام الحريات والحقوق لن يأتي من السلطة القائمة ولا من القيادات الحالية للأحزاب نظرا لتواطئها مع القمع أو الأصولية، بل سيأتي التغيير من داخل الشعب الذي تتوفر فيه طاقات وكفاءات غير معروفة لحد الآن، وستبرز من أوساطه قيادات لم تتواطأ مع السلطة ولم تخدم الاستبداد في عهد الأحادية ولا في عهد التعددية الشكلية.
إن الشعب الجزائري الذي ظهرت في أوساطه طاقات شابة ومخلصة ضحت من أجل الاستقلال، قادر على أن يبرز في أوساطه مرة أخرى طاقات تتولى العمل السلمي الذي سيؤدي لا محالة إلى القضاء على السيطرة والاستبداد.
إن لم تستخلص السلطة وقيادات الأحزاب دروسا من الأحداث المتعاقبة، وإن لم يتم التفكير بكل جدية من طرف السلطة الفعلية في مبادرات سياسية عاجلة ترمي إلى إعادة الكلمة للشعب فستكون الكلمة الأخيرة للشارع. وقد تتمثل أول مبادرة في فتح نقاش عام وحر حول جميع القضايا الوطنية يشارك فيه كل من يلتزم بالعمل السلمي دون إقصاء.
 وعلى كل مسؤول أن يتذكر دائما أن جدار برلين الذي لم تستطع أمريكا هدمه قد تم إسقاطه من طرف الشعب الألماني مما أدى إلى سقوط كل الأنظمة الديكتاتورية في أوروبا. واليوم، وبعد سقوط قصر قرطاج ستسقط قصور أخرى لا محالة.
فعلينا جميعا أن نعمل من أجل الانتقال السلمي إلى الديمقراطية ودولة القانون التي يتساوى فيها كل المواطنين بغض النظر عن أفكارهم ومعتقداتهم، وأن تكون العبرة بالمواطنة وليس بمكان الميلاد لنعيش في جزائر واحدة متعددة وفي تسامح وأخوة والاحترام المتبادل رغم اختلافنا.
رغم خطورة المهام، فأنا متفائل لأن الشباب الجزائري في مستوى التحديات. وعلينا أن نشرع في العمل الجاد قل أن تكون الكلمة الأخيرة للشارع.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)