الجزائر

بصمات سفر المتاعب



في 21 أكتوبر من سنة 1981 سافرت إلى إيطاليا. كان أول سفر لي إلى بلاد ليوناردو دافينشي. أجمل شيء صادفته لأول وهلة أن الإيطاليين سمّوا مطار روما باسم هذا الرسّام العظيم الذي ما زال لليوم يحير علماء الرسم والصورة. غير أن سفري في هذا الخريف الجاف، الشحيح بأمطاره، الحار بشمسه التي كانت تتحدى البشر. سفري لم يكن سهلا ولا مريحا، فقد كانت الألوية الحمراء قد فجّرت قطار روما ـ بولونيا، وكنت أنا متوجها إلى هذه المدينة الأخيرة حيث يقام كل سنة معرض عالمي لكتاب الطفل. في مطار روما حيث نزلت كان جنود "الكارابينيي" يقفون بأسلحتهم الرشاشة المرعبة في كل زاوية وعيونهم الزرقاء أو المعسلية تفلي كل موقع قدم. جو من الخوف الهيتشكوكي كان يخيم على البارات والمقاهي والمطاعم الصغيرة التي تملأ صالات المطار الدافنتشي (من اسم دافنتشي الرسام). كان المسافرون الماشون أو الجالسون صامتين أو يتكلمون بهمس يبعث القشعريرة في النفوس. سعيت للحصول على تذكرة قطار بولونيا من المطار، لكن موظف التذاكر ذكرني بأن القطارات متوقفة بسبب تفجير القطار السريع روما ـ بولونيا بالأمس. لم تبق لي إلا الحافلات أنا القليل النقود. خرجت من مطار دافنتشي بسرعة، فاستقلت إحدى الحافلات المتوجهة إلى محطة النقل البري، لم يكن ذلك سهلا، فأنا لا أتكلم الإيطالية ولا أفهم منها سوى كلمة أتشو بالإشارة وبعض الكلمات الفرنسية والإنجليزية. عرفت حافلات بولونيا، اشتريت تذكرة من المكاتب الحزينة حزن الجوّ المدجج بأسلحة "الكارابينيي" ههنا في محطة الحافلات الضخمة بالعاصمة الإيطالية. في الطريق بين روما وبولونيا رأيت الراحة والرحمة في خضرة الغابات الجميلة التي تغطي عديد الروابي والجبال الناتئة هنا وهناك على جانب طريق يقال إن حنبعل العظيم مر به حين هاجم في القرن الثالث قبل الميلاد عاصمة أعتى استعمار عرفه حوض البحر المتوسط ألا وهو الاستعمار الروماني الرهيب. بعد قرابة الثلاث ساعات دخلت حافلتي بولونيا، المدينة الجميلة التي فرشت ببساطها بين جبلين صغيرين لكنهما كثيفا الغابات والأحراش. بقيت في بولونيا الأسطورية (كانت ثالث مدينة في عهد الرومان) أربعة أيام، ورغم أن معرض كتاب الطفل كان رائعا بألوان كتبه الزاهية ونواديه العاجّة بالمحاضرين والناشرين والقراء والأطفال والفتيات (بالخصوص) اللواتي فاجأني حضورهن الكبير، رغم ذلك، كان جو المعرض مكهربا وثقيل الوقع كأحذية الكاربينيي وأسلحتهم المتلألئة تحت أضواء النيون وسط الأجنة أو خارجها تحت شمس هذا الأكتوبر الحزين. 1) الألوية الحمراء قتلت بعد 03 شهور الوزير الأول الإيطالي. يكتبها: جيلالي خلاص


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)