تسببت موجة الصقيع التي اجتاحت مدن ولاية أم البواقي وقراها ومداشرها في إحداث أزمة خانقة تتمثل في نقص قارورات الغاز وارتفاع سعر القارورة الواحدة. فموجة الصقيع والثلوج التي خلفت وراءها أجسادًا ترتعد من البرد الذي دخلها حتى العظام جعلت المجمعات والأحياء السكانية غير المزودة بغاز المدينة تشهد حالة طوارئ قصوى نتيجة انخفاض كبير في درجات الحرارة وصلت إلى ما تحت الصفر، محولة تلك المنازل إلى ثلاجات أو غرف تبريد بشرية.
أضحى اختفاء قارورات غاز البوتان من المحلات وظهورها في السوق السوداء وبيعها بأسعار مضاعفة، ظاهرة تتكرر كلما حل فصل الشتاء في بعض مدن ولاية أم البواقي وقراها، وتزداد حدة ذلك كلما كان البرد قارصا. وتتكرر مع هذا النقص الأسباب والمبرّرات التي نسمعها وتصريحات المسؤولين المعنيّين التي نقرأها في وسائل الإعلام أوعبر أمواج الأثير، وهي في مجملها غير مقنعة ويمكن تصنيفها في خانة “رُب عذر أقبح من ذنب”، حتى بات المرء يعتقد أنها أزمات مفتعلة. الجديد هذه المرة أنّ أزمة التزود بقارورات الغاز جاءت في الوقت الذي يقول فيه بعض المسؤوليين المحليين بأم البواقي إن نسبة تغطية الولاية بالغاز الطبيعي قد تعدت الـ70 بالمائة، وستبلغ في آفاق 2010 نسبة 100 بالمائة.. ولم تكن في حسبان المواطنين، حيث جعلت الكثير من الناس يعيشون في هم واحد هو البحث عن الغاز، خاصة في ظل هذه الأجواء الباردة جدًا. كلّما ذهبت إلى أي من محلات بيع قارورات الغاز، سواءً المحلات الرئيسية أو الفرعية لشركات الغاز، ترى طابوراً طويلاً من قارورات الغاز المتراصة وطابورا يقف فيه الصغير والكبير، الأطفال والشيوخ، النساء والرجال، كلهم مترقبون بكل شوق ولهفة وصول شاحنة قارورات الغاز. نزلت “الفجر” ميدانيّا وزارت بعض محلات بيع قارورات الغاز في بعض مدن الولاية وقراها، قصد رصد معاناة هؤلاء المواطنين الواقفين أثناء البرد الشديد، لتنقل همومهم ومعاناتهم لعلها تصل إلى أسماع العقلاء من مسؤولي الولاية. من حي على الصلاة.. إلى حي على الغاز يقول السعيد من عين مليلة: “خرجت بعد أداء صلاة الفجر مباشرة إلى محل بيع قارورات الغاز المتواجد في حينا لأجد العشرات من الناس شرعوا ينتظمون في طابور بدأ في الازدياد رويدًا رويدًا”، مضيفا بكل أسف ومرارة أنهم أصبحوا ينهضون باكرًا ليس بهدف إقامة صلاة الفجر ولكن للظفر بقارورة غاز أضحت عزيزة جدًا هذه الأيام. اقتربنا من مواطن آخر، علاوة.. وبمجرد أن اقتربنا منه، وعلم أننا من الصحافة، حتى قال “أنا هنا منذ الساعة الرابعة فجراً لعلي أحظى بقارورة غاز، لأنك، كما ترى، عدد الذين يريدون قارورات غاز كبير.. وصاحب المحل لا يحضر إلاَّ كميات معدودة لا تفي بالحاجة، خاصة خلال فصل الشتاء عندما يكون الجو باردًا جدًا”. ويضيف أنه ليس مهمًا لو انتظر 6 أو7 ساعات وهو في العراء والصقيع يكاد يجمده، فأهم شيء هو الظفر بقارورة غاز تدفئ عائلته مدة يومين أو ثلاثة أيام في هذا الجو شديد البرودة..!! ذهبنا إلى مكان مجاور في مرأب تجاري صغير فيه ما يقارب 20 قارورة غاز، وسألنا صاحبه هل لديه غاز؟ فقال نعم، فاستبشرنا بذلك واستفسرنا عن ثمن القارورة الواحدة، فأخبرنا أن سعرها 350 دينارا.. وهنا كانت الصدمة عنيفة، حيث يلعب ضعفاء النفوس من هؤلاء الناس لعبتهم التجارية القذرة، وهي استغلال الظروف المناخية الصعبة ليثقلوا كاهل المواطن بمصاريف إضافية هو في غنى عنها، وأمثال هؤلاء من “قناصي الفرص” لا يزالون هكذا بلا رقيب أوحسيب.
شر البلية ما يضحك.. بمدينة عين كرشة، يتكرر نفس سيناريو عين مليلة، حيث أن الجميع في رحلة بحث عن قارورة غاز تدفئه في ظل هذه الأجواء الباردة في فصل الشتاء. كنا نرى عن كثب مواطنين من مختلف الأعمار ينتظمون في طوابير طويلة أمام أحد المحلات المخصصة لبيع الغاز ولم تثنهم في ذلك برودة الطقس. وبعد ساعات طويلة من الإنتظار، جاء الغاز أخيراً ، وبدأ الطابور في التحرك شيئًا فشيئًا، وحدث أمر غريب، حيث جاءت مجموعة من الناس غير المنتظمين يريدون أن يأخذوا غازاً بالقوة دون احترام هذا الطابور الطويل، وإنما عنجهيتهم جعلتهم يأملون بالحصول على مرادهم مستغلين بذلك عدم وجود أي شخص ينظم هؤلاء الناس، مما تسبب في نزاع كبير، فاضطرّ بذلك صاحب المحل إلى إغلاقه ليتجنب المزيد من هذه المشاكل، وانفضت الجموع وهي مستاءة أيّما استياء.
حسام، طفل يبلغ من العمر 14 سنة، رأيته لمدة ثلاثة أيام متتالية ينتظر في الطابور، فسألته عن ذلك فقال، “كلما اقترب دوري أفاجأ بصاحب المحل يغلق ويعلن أنه لم يبق هناك غاز، فأعود للبيت متحسراً وأقول خيرها في غيرها !!. واستمر الحال على ما هو عليه لعدة أيام متتابعة، ورغم ذلك أنا مستعد للعودة غدًا وبعد غد، وكل يوم لأجل الظفر بقارورة غاز”.
العودة إلى الحطب.. فضيلة يقول عمي الزوبير “الكثير من وسائل الإعلام تطرقت إلى موضوع أزمة غاز البوتان في دول أخرى، ونحن هنا في ولاية أم البواقي، وممكن حتى في جميع ولايات الوطن، نعاني من أزمة قارورات الغاز منذ سنوات، ولا أحد من تلك الوسائل الإعلامية تطرقت إليها.. أوَ ليس غريبًا أن يصل ثمن قارورة غاز البوتان الواحدة إلى 500 دينار جزائري ونحن في بلد الغاز، بل إن غاز وطننا ينعم به الأجانب..!”.
أما الحاج لعلى فيقول”بدأنا نستخدم الحطب وذلك لتجهيز المواد التي تستهلك قدراً كبيراً من الغاز مثل إعداد الطعام وتسخين الماء.. وحتى المولد الكهربائي انتهى الغاز فيه فلجأنا إلى الشموع..”!!. وفي الأخير يتساءل المواطنون عن السبب الحقيقي وراء هذه الأزمة مع كل فصل شتاء؟ هل السبب حقاً هو الاحتكار أم هناك أسباب أخرى؟. ويستغرب المواطن البسيط لماذا لا يتم ضبط ومعاقبة المتلاعبين بالأسعار الذين يبيعون الغاز في السوق السوداء..؟!. عمار قردود
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/02/2010
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com