حين يستشري الفساد ليطغى على كل ما عداه، لا يبقى لسمير مفتاح غير مصحة للأمراض العقلية ليبحث وراء جدرانها عن شيء من الحقيقة التي باتت تفلت من بين الأصابع كالزئبق. ولحظة يعجز الناس عن مصارحة أنفسهم أو الاعتراف بمكنوناتهم، ويختلط الحابل بالنابل، يصبح اللجوء إلى حكمة المجانين غاية في ذاتها مسرحية "المرآة" التي كتبها سمير مفتاح بوجعه وأسئلته، تنقلنا إلى أجواء تختلط فيها العبثية بالسوريالية بحثاً عن الواقع. فالشخصيات تعيش على حافة الجنون، يتساوى بذلك الطبيب مع مريضيه، أما الأحداث فتكاد تجري خارج الزمن أو متفلتتة منه لأنها أحداث قد تخرج من المرآة أو تطلع من بنات أفكار الشخصيات، وربما أنها تولّدت من كآبة شديدة أو حبور لا تفسير له.والأصح القول إن "المرآة" مسرحية مبنية فصولها، على الأفكار وديناميكية ترحالها، وقدرتها على أن تملك ناصية حريتها الخاصة. الشخصيات مشدودة إلى يومياتها، لكن العقول تبقى توّاقة إلى التمرد، قد تتوه يميناً أو شمالاً، تلامس الهذيانات، تعيش في هلوسات، لكنها في النهاية، "حرة"، "طليقة"، قادرة على أن تعلن جموحها، تحت مسمى: "الجنون"، "الحلم" أو حتى "الكوابيس".الطبيب النفسي، مساعده، والمريضان اللذان يلجآن إلى المصح، كلهم يحاولون الخروج من عنق الزجاجة التي تضغط على الأنفاس حتى تتسبب بالاختناق. لا يعود مهماً بعد ذلك كيف يتخبط الطبيب ومريضاه في البحث عن المخارج، تتغير الأدوار، تلتبس الحوارات، تتداخل الأزمان، تجنح التخيلات، تستحضر الأجيال بعضها البعض، لتكتشف تشابهها القاتل، ولا يبقى أمام "عقلاء المجانين" إلا إعلان "النبوة" وبدء المعركة من أجل تغيير العالم.لا يميز سمير مفتاح بين العائلي والفردي وما يحدث في غزة أو بغداد، انها الخريطة العربية ذاتها، بتمزقاتها ونزفها، تفرض نفسها على الشخصيات، لتجعل منها كرات ملتهبة، تبقى تتدحرج متوهجة دون أن تلتقي بما يمكن أن يخمد نارها. بقلم د. سوسن الأبطح أستاذة بجامعة بيروتوصحافية في جريدة "الشرق الأوسط"
تاريخ الإضافة : 24/01/2011
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com