الجزائر

بسبب زحف الوسائل التقنية المتطورة وازدياد المنافسة



تشكل الزربية التقليدية المنسوجة من الصوف الخالص لوحة فنية وتصويرية رائعة تعكس مدى عبقرية المرأة الجزائرية التي أبدعت فيها بكل دقة أناملها الرفيعة، وهي اللوحة المنسوجة يدويا والتي غدت كنزا تراثيا وشاهدا على الفن اليدوي الأصيل المتوارث عبر الأجيال. وأصبح نشاط نسج الزربية التقليدية، وهي الحرفة التي تبدع فيها المرأة الجزائرية بامتياز، يكتسي بعدا اقتصاديا ولكن أيضا ثقافيا زاخرا بفسيفساء من مخيال جماعي وتقليد شفهي سائد بالوسط الاجتماعي الذي تنحدر منه النساجات والنساجون. ويرى الباحث في علم الإجتماع، ب- محمد من منطقة غرداية، أن الزربية التقليدية ومثلما يعبر أي نمط عمراني عن منطقة ما، فإنها تعبر عن علامة هوية مهارات ورفاهية المجتمع، ولمنطقة جغرافية محددة. وبواسطة الرموز والرسوم المنقولة بأمانة وبكل دقة ومهارة، يمكن لأي مبتدئ أن يحدد وبكل سهولة مصدر الوسط الذي نسجت فيه كل زربية. وكما هو شائع، فإنه يمكن من خلال هذا العمل الفني معرفة الحرفي وأيضا التعرف على مبدع الزربية، حسبما أوضح من جهته عمي أحمد، تاجر في الزربية التقليدية بغرداية، مضيفا بأنه من حيث الشكل ي فإن الرسوم المزخرفة يمكن أن تدل على الوسط الذي نسجت فيه الزربية وتنقل مهارات وأسرار هذه الحرفة التي تتعلق بها كل نساء عالم الريف في البيوت وفي الوسط العائلي، مثلما أشارت الحاجة فاطمة من بلدية ضاية بن ضحوة ( 15 كلم غرب غرداية)، موضحة بأن النساجات هن فنانات حقيقيات وهن يحاولن من خلال هذه الحرفة الأصيلة إبراز ما يتمتعهن به من خيال ذات تبدع فيه أصابعهن بأشكال متنوعة في غاية الدقة والذوق الفني. وكانت الزربية ولا زالت وعلى مدى مرور الزمن جزءا من الحياة الإجتماعية للمرأة، وتشكل واحدة من مكونات تجهيز الفتاة لزفافها، حيث يجري التفكير منذ ولادتها في مسألة تجهيز العروس بالزربية التي ستحملها إلى عريسها، كما تروي ذات المتحدثة، مشيرة بالمناسبة أن كل النسوة بالأسرة مجندات لتحقيق هذه الغاية ولتجسيد هذه المهمة ذات البعد الإجتماعي تجتهد الأمهات والعمات والجدات وهن يحرصن على عدم تضييع الوقت من أجل ضمان للعروسة جهاز الزفاف بكل مستلزماته بما فيه حزمة من الزرابي التي تستحقها، تضيف الحاجة فاطمة.لكل منطقة رسوماتها ورموزها وزخارفها الفنية في الزربية..
وتملك كل منطقة دليل الرسومات والرموز والزخارف الفنية الخاصة بها في الزربية والتي تتمثل عموما في الأشكال الهندسية المتنوعة، على غرار المثلثات والمعينات وأيضا رسوم وهوامش نمطية. ومن بين مناطق الوطن التي تتميز بخصوصية فنية نموذجية التي تعكس مدى التجذر الحقيقي للثقافة والهوية، تبرز مناطق القبائل والأوراس وميزاب وتلمسان والهضاب العليا وجبل لعمور وانطلاقا من زربية آث هشام، ثم زربية بني يزقن (غرداية)، مرورا بزرابي النمامشة وقصر الشلالة وآفلو والأغواط، فإن التعابير الفنية ورمز كل منطقة يتجلى من خلال الرسوم والرموز التي يعاد تشكيلها على الزربية من قبل النساجات اللائي يتميزن بالصبر وإبداع فني متميز. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن زرابي مناطق جبل لعمور والناضور وسوقر وآفلو والبيض والأغواط فإنها تشترك بكونها تتميز برسوم ممزوجة بألوان حمراء وسوداء وبيضاء. وبالنسبة لزربية قصر الشلالة، فهي بأنماط جد متميزة وتحتوي على عديد الألوان والأشكال، فيما تتميز زربية غرداية برسم مركزي يشبه النبات وشكل معبر عنه بصف من النخيل مع لونين (أبيض وأسود)، ولديهما ارتباطا وثيقا بالوسط الطبيعي.
الزربية التقليدية أصبحت مهددة في الوقت الحاضر
وقد غدت الزربية التقليدية التي تنسج بكل عبقرية بورشات الوسط العائلي بعالم الريف في الوقت الحاضر مهددة بسبب زحف الوسائل التقنية المتطورة وتفاقم منافسة تصنيع هذا المنتوج. وتكمن مؤشرات هذا التهديد وفضلا عن انتشار الزربية الصناعية التي تغرق الأسواق وتباع بأسعار زهيدة في ندرة المادة الأولية وغياب السياح الأجانب وقلة المعرفة بالفن التقليدي. وينعدم الآن وبشكل كامل الطلب على الزربية التقليدية، حسبما أوضح مولاي حميد، تاجر في الزربية التقليدية بسوق مدينة غرداية، حيث يشهد سوق الصناعة التقليدية لاسيما الزربية، حسبه، تراجعا وندرة في الزبائن في وقت مضى كان السياح الأجانب يقدمون لنا طلبات على الزربية التقليدية، يتذكر من جهته تاجر ستيني يرتدي قندورة بنية اللون بوجه شاحب مائل إلى الاسمرار وهو جالس بمتجره الصغير بساحة سوق غرداية. ومن جهته، ذكر الحاج بكير، واحد من التجار القدامى للزربية بسوق غرداية، أنه خلال ثمانينات القرن الماضي كان عشرات السياح الأجانب يتدفقون على هذه المنطقة السياحية ذات الشهرة العالمية، لما تتميز به من نمط معماري فريد من نوعه وواحات وارفة وعادات وتقاليد متميزة. وفي أفق إعادة الإعتبار وتثمين الزربية التقليدية، ستكون عاصمة ميزاب (غرداية) على موعد مع الطبعة الخمسين لعيد الزربية (17-22 مارس) والتي ستشكل مناسبة لتثمين التنوع الثقافي الذي يعد مفخرة الوطن، ولتتجه الجهود أيضا نحو إستراتيجية ناجعة لترقية السياحة والمنتوج التقليدي عموما.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)