الجزائر

بداية مرحلة أم غلق ملف؟



بداية مرحلة أم غلق ملف؟
تساؤلات عديدة تثار حول الأسباب الحقيقية لاستقالة عمار سعداني من على رأس حزب جبهة التحرير الوطني، والتي بررها بدواعي صحية. مبرر يرفض المحللون قبوله ويعتبرون أن سعداني لو توقف عند هذا المبرر فقط لطوي الملف باعتبار الاستقالة حق مكفول لكل عامل أو موظف أو مسؤول، غير أن الشيء الذي أخرج الاستقالة من حالتها العادية إلى موقف غير عاد، هو الجملة التي وردت على لسانه والتي اتهم فيها أطرافا دون أن يسميها «بالجبن وعدم الشجاعة في تحمل مسؤوليتها».أكثر من ذلك أجرى سعداني «شبه استفتاء» بين أعضاء اللجنة المركزية لمعرفة من مع رحيله ومن مع بقائه».. وفهم هذا «الإستفتاء» على أن سعداني أراد أن يمرر رسالة بأنه لم يبعد من طرف المناضلين أو أعضاء اللجنة المركزية وقيادات الأفلان.هذا الكلام الذي ساقه سعداني بعد الإعلان عن استقالته مباشرة، يوحي بأن الرجل دفع إلى الباب دفعا، ليرمي المنشفة على مقاس «مكره أخاك لا بطل». وأن استقالته لم تكن اختيارية.عمار سعداني الذي يعتبر الأمين العام الأكثر إثارة للجدل سواء في انتقاداته وتهجماته، أو في تكهناته حول المستقبل السياسي للبلاد. شغل الرأي العام وكافة السياسيين والإعلاميين منذ إعتلائه كرسي القيادة في الحزب العتيد في 29 أوت 2013.وإن اختلف الناس على الكلمات وأساليب التهجم والألفاظ التي كان يستعملها في انتقاد خصومه ومعارضيه والتي كثيرا ما تجنح إلى التجريح في إبرازهم في صورة «ضعف»، فإن الإجماع يكاد يحسم على أن سعداني هو السياسي الوحيد الذي كسر طابوهات واخترق قلاعا لم يكن ممكنا وسهلا اقتحامها من قبل الأمناء العامين السابقين ولا حتى من طرف رؤساء أحزاب وسياسيين آخرين. بل كان سعداني منتظرا في كل خرجاته السياسية والإعلامية وندواته الصحفية، التي يترقب الجميع ما سيقوله فيها. كثير من تصريحاته المسبقة كانت كثيرا ما تترجم في الواقع إلى قرارات فعلية لاحقا سواء في خصوماته مع الجنرال مدين أو في الدفاع عن شكيب خليل قبل عودته للجزائر أو في دعوته إلى مدننة الحكم..إلخ. وكاد أن يتحول (سعداني) إلى ناطق رسمي دون تكليف علني.الأمين العام السابق للأفلان شكل «ظاهرة سياسية» في حد ذاتها، طوال عهدة الثلاث سنوات التي قضاها في رئاسة الحزب العتيد، فرجل يعد السياسي الأكثر جدلا وإثارة للقضايا والنقاش السياسي مع المعارضة وحتى مع الحلفاء.لقد كان سعداني يقصف في كل الاتجاهات وجرأته «الزائدة عن اللزوم» فرضت سؤالا كبيرا على الساحة الإعلامية والسياسية، مفاده من يقف وراء هذا الرجل؟.الأمين العام السابق للأفلان كان يصرح في كل مرة للإعلام وفي مختلف المناسبات بأنه يحظى بشرعية انتخابية وبدعم من المناضلين والإدارات القيادية في حزبه، ومن دعم رئيس الحزب رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة شخصيا.كلام كهذا إذا ثبت ما كان ليدفع صاحبه، ليرمي المنشفة بصورة فاجأت الجميع، بمن فيهم أعضاء مكتبه السياسي ومقربيه الذين ظلوا يتشبثون به إلى غاية اختتام اجتماع اللجنة المركزية، وملاحقاته حتى بغرفته بفندق الأوراسي لحمله على العدول عن الاستقالة. في حين كان خصومه خارج الأوراسي يرسمون كل السيناريوهات، ويهللون للتصحيح كما ذكر بلعياط.المؤكد أن السؤال: هل استقال سعداني أم أبعد؟ لن يجد أجوابا على الساخن بل سيأخذ وقتا أطول حتى تتجلى حقيقة ما حدث ليلة 22 أكتوبر الجاري، المصادف لليوم الوطني للصحافة..المؤكد الثاني أن استراتيجية تصعيد الخطاب السياسي لهذا النقابي في الأصل، هي التي عجلت ربما في وضع حد لهذا التوجه الذي أحدث «توترا» في أكثر من مكان، لا سيما خرجاته القاسية جدا، ضد السيد عبد العزيز بلخادم واتهامه له ولعائلته «بالخيانة» وهو الشخصية البارزة التي تولت قيادة مناصب سيادية وسامية في الدولة وفي الحزب. فهو أمين عام سابق لحزب الافلان ورئيس حكومة سابق وممثل شخصي سابق لرئيس الجمهورية ورئيس سابق للبرلمان ووزير دولة وزيرا سابقا للخارجية، مناصب ومسؤوليات يفترض أن لا يتولاها من تنطبق عليهم الاتهامات الخطيرة التي أطلقها سعداني. بل انتقادات سعداني من قبل لم تترك أحدا من الوزير الأول إلى رئيس ديوان رئيس الجمهورية.التصريحات النارية التي ساقها سعداني في خطاب 5 أكتوبر بزرالدة، تكون حسب غالبية المحللين القطرة التي أفاضت الكأس، والسبب الحقيقي الذي أدى إلى التعجيل بإنهاء مهمته على رأس الأمانة العامة لأكبر حزب في الساحة السياسية، لا سيما وأنها جاءت في ظرف تعمل فيه كل القوى الحية في البلاد على تهدئة الأوضاع السياسية، والحفاظ على الاستقرار والهدوء في خضم المرحلة الصعبة التي تعيشها الجزائر على المستويين الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الأزمة النفطية وانعكاساتها على النمو بشكل عام. وكذا بسبب التحضير للتشريعيات القادمة في ظل دستور جديد يسعى إلى إشراك المعارضة بجدية قصد ترسيخ الديمقراطية وتجذير الممارسة السياسية مهما كانت المواقف والتجاذبات والاختلافات الحزبية.لقد كشفت مصادر موثوقة ل»المساء» قبل عدة أسابيع أن التشريعيات المرتقبة في أفريل 2017 ستكون منطلقا للتحول الحقيقي لجزائر التعددية وتكون فعلا انتخابات مفتوحة لجميع المترشحين من أحزاب وقوائم حرة. وهو رهان يحرص الرئيس بوتفليقة شخصيا على إنجاحه وكسبه. وما تعيين الدكتور عبد الوهاب دربال على رأس الهيئة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات وهو رجل من المعارضة السياسية، إلا دليلا على ما سبق ذكره.من جانب آخر، فإن العمل على تكريس تهدئة الأوضاع والتوترات التي أثارتها تهجمات الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني على المجاهدين والمجاهدات الذين انتقدوا طريقة تسييره للحزب، وما حملته من استياء في أوساط الأسرة الثورية، تداركته رسالة رئيس الجمهورية إلى الأسرة الإعلامية بمناسبة اليوم الوطني للصحافة والتي دعا من خلالها إلى الإشادة بدور المجاهدات الجزائريات وتمجيدهن، ومن بين تلك المجاهدات البطلات التي تعتز بهن الجزائر السيدة زهرة ظريف بيطاط..كما يتجلى خيار السلطات العليا في البلاد، العمل على توفير أجواء التهدئة، هي توجيه الدعوة لوزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي لحضور حفل تدشين أوبرا الجزائر. هي رسائل في غاية الأهمية تؤكد بأن الرئيس بوتفليقة وفيّ للقسم الدستوري، الذي تعهد فيه بأن يكون رئيسا لكل الجزائريين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وقناعاتهم وحتى ب»أخطائهم»..يكفي أن رئاسة الجمهورية وكل عام بمناسبة الاحتفال بالفاتح نوفمبر على سبيل المثال توجه دعوات الحضور إلى كل الشخصيات الوطنية والوجوه السياسية على اختلاف انتماءاتها. ولم تترك معارضا أو مسؤولا في الدولة والمؤسسات دون توجيه الدعوة له لحضور الحفل الذي يقام بقصر الشعب، كناية وتأكيدا على أن المواقف والاختلافات والتجاذبات لا يجب أن تتحدى حدود الوطن.بوادر تهدئة الأوضاع الذي وترتها عهدة سعداني على رأس الأفلان تظهر أيضا في النداء الذي وجهه الأمين العام الجديد للحزب إلى «الغاضبين والمغضوب عليهم» في الحزب من أجل العودة إلى أحضان الأسرة التي تمثلها هذه التشكيلة السياسية، المقبلة على غرار كافة التشكيلات السياسية الأخرى على مواعيد انتخابية هامة في 2017. موعد يحتاج فيه الأفلان إلى خطاب الجمع و»المصالحة» إذا أراد الحفاظ على أغلبيته الحكومية والبرلمانية، بل على وجوده وعدم اندثاره.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)