الجزائر

"بحر الموت المتوسط"!




من منكم يتذكر رائعة غسان كنفاني ”ثلاثة رجال تحت الشمس”، تلك الرواية التي صورت لأول مرة معاناة ”الحراڤة” أو بالأحرى المهاجرين غير الشرعيين، عندما صور كيف مات ثلاثة فلسطينيين حمل كل منهم هموم وطنه وعائلته وحاول الهجرة إلى الكويت بحثا عن الرزق، وماتوا داخل خزان شاحنة على الحدود العراقية - الكويتية، ومات معهم حلم كسب رزق لعائلاتهم المشردة عبر المخيمات.مأساة هؤلاء صارت اليوم تتكرر بالآلاف، وما أشبه شاحنة المهاجرين السوريين ال71 الذين قضوا شرق النمسا الأسبوع الماضي، بصهريج ”غسان كنفاني”، ماتوا اختناقا على الحدود النمساوية - المجرية.لكن الأمّر من كل هذا، صور جثث أطفال سوريين ألقت بهم الأمواج إلى الشاطئ بعد غرق السفينة التي كانت بصدد تهريبهم إلى أرض الحلم أوروبا… مئات الجثث تلفظها يوميا مياه المتوسط، الذي صار قبر المتوسط لمئات اللاجئين من سوريا وليبيا، هربوا من غول داعش، ليلقوا حتفهم في عرض البحر، ومن يدري، ربما لحقت بهم فلول من داعش.ألم يوص الاتحاد الأوروبي مؤخرا بالاستعانة بداعش ليبيا لمواجهة المهاجرين ”غير الشرعيين” مثلما يسمونهم، في عرض المتوسط وإغراق سفنهم لمنعهم من الوصول إلى أوروبا، حاملين معهم عذابهم وهمومهم!مأساة هؤلاء الأطفال الطافحة جثثهم على الشواطئ ستبقى كابوسا يلاحق الإنسانية، يلاحق هؤلاء الذين تواطأوا على خراب أوطانهم الآمنة تحت مسمى إقامة أنظمة ديمقراطية، بينما كان هدفهم زرع الفوضى والاستعانة بداعش لهدم أوطانهم، واليوم يغلقون أبواب بلدانهم في وجوههم ويتركونهم فريسة للأموات والحيتان.وحدها ميركل التي خالفت الجميع وداست على معاهدة دبلن التي تنص على إعادة اللاجئين السوريين إلى أول دولة أوروبية دخلوها، وأعلنت عن فتح أبواب ألمانيا أمام المهاجرين السوريين والعراقيين الفارين من جحيم الحرب.المصيبة أن مأساة تدفق اللاجئين مازالت متواصلة، ويبدو أنها لن تتوقف قريبا، فالمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة تتوقع تدفق مالا يقل عن 3000 لاجئ يوميا خلال الأشهر المقبلة، أغلبهم من السوريين، بعد أن ضاقت بهم الملاجئ في لبنان وتركيا.أين هم أولئك الذين رددوا على مسامعنا عقودا ”بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغدان”؟ أين هم وبلاد العرب تضيق بالسوريين، فبعد أن تآمر أمراء الخليج على سوريا بدعوى تخليص السوريين من بشار ”السفاح” الدكتاتوري، ودعموا ميليشيات الموت بالسلاح وبالمال، ها هي البلدان العربية، وبلدان الخليج تحديدا، تسد أبوابها أمام الهاربين من نار الحرب.أرواح هؤلاء الأطفال في رقاب كل من سلح وتآمر ودفع بسوريا إلى الحرب الأهلية، بعد أن كانت آمنة يعيش شعبها في أمن وسلام وفي رغد العيش، صناعتها مزدهرة، ومزارعها عامرة... عار عليكم أيها المنافقون، المتحدثون باسم العروبة والإسلام، تحزمون هذه الأيام حقائبكم قاصدين ”بيت الله الحرام”، بينما تديرون ظهوركم لأطفال سوريا، وترفضون إغاثتهم بعدما خربتم بلادهم وفتحتموها أمام كل المغامرين والمجرمين.ليس هناك شيطان يستحق الرجم مثلكم يا من أصدرتم الفتاوى بجواز القتال في سوريا!أرواح هؤلاء الأطفال، من سوريا إلى العراق إلى ليبيا ومرورا باليمن ستحاسبكم!؟نسيت أن أذكر أن اسم ”غسان كنفاني” الذي اغتاله الموساد، أسقط مؤخرا من واجهة باب مدرسة في غزة، ليخلفه اسم السفينة التركية ”مرمرة” بعد أن غير المناضلون وجهتهم، وتعددت الخيانات!!




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)