الجزائر

بانيتا في المنطقة وسط مخاوف من تراجع الدور الإسرائيليطوق نجاة أمريكي لإخراج إسرائيل من عزلتها




وصل وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أمس إلى العاصمة المصرية ثالث محطة له ضمن اول جولة يقوم بها إلى المنطقة العربية منذ توليه مهام وزير الدفاع شهر جويلية الماضي زار خلالها إسرائيل والضفة الغربية حيث أجرى محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
واستقبل بانيتا في محطة القاهرة من قبل المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر تناول معه الوضع الداخلي في مصر على خلفية انعكاسات الثورة المصرية وبصفة خاصة سبل إعادة الدفء إلى العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية التي تعكرت أجواؤها منذ نجاح ثورة 25 جانفي.
وهي المهمة التي كشف عنها بانيتا قبل مغادرته إسرائيل، حيث التقى هناك بوزير الدفاع الإسرائيلي والوزير الأول بنيامين نتانياهو وقال انه جاء إلى المنطقة من اجل تخفيف درجة التوتر ومطالبة السلطات المصرية بإطلاق سراح ايلان غرابل الرعية الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأمريكية بعد تورطه في عمليات تجسس لصالح الكيان الإسرائيلي المحتل.
كما ذهب بانيتا إلى القاهرة من اجل الاطمئنان على مستقبل معاهدة كامب ديفيد التي تأثرت بفعل موقف شباب الثورة الذين يضغطون من اجل إعادة النظر في بنود هذه الاتفاقية التي كبلت قدرات الشعب المصري خدمة لمصالح الكيان الإسرائيلي المحتل.
وعندما شعرت الحكومة الإسرائيلية بالانعكاسات السلبية التي تركتها عملية التغيير القسري على النظام المصري المطاح به بدأت تثير ذريعة الأمن في سيناء في محاولة للضغط على السلطات المصرية من اجل مواصلة الالتزام بنص معاهدة كامب ديفيد الموقعة سنة 1978 بين الرئيس المصري المغتال أنور السادات والوزير الأول الإسرائيلي مناحيم بيغن برعاية الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر والتي تلتزم من خلالها القوات المصرية بحماية الأمن الإسرائيلي انطلاقا من صحراء سيناء بمحاذاة قطاع غزة الفلسطيني.
ويكون وزير الدفاع الأمريكي قد حمل في حقيبته ''العصا والجزرة'' باتجاه السلطات المصرية، حيث تعهد بإبقاء واشنطن لمساعداتها الاقتصادية السنوية لمصر ولكنه شدد التأكيد على التزام القاهرة بكل المعاهدات التي تربطها بإسرائيل التي قال إن الثورات العربية زادت من عزلتها في محيطها الإقليمي المباشر.
وكان بانيتا التقى مساء الاثنين بالرئيس الفلسطيني محمود عباس بمدينة رام الله، حيث تباحث معه حول آليات إجلاس الفلسطينيين إلى طاولة مفاوضات السلام ضمن طريقة ذكية لإقناعهم بعدم مواصلة مساعيهم الرامية إلى إقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلة وانضمامها كعضو كامل الحقوق في المنتظم الدولي.
وكشف صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين أن وزير الدفاع الأمريكي نقل أربع رسائل واضحة الى الرئيس محمود عباس كانت أولاها التزام الرئيس الأمريكي باراك اوباما بحل الدولتين وتعهده ببذل جهده للحفاظ على ذلك باعتبار قيام الدولة الفلسطينية مصلحة فلسطينية وإسرائيلية وأمريكية. وتتمثل الثانية في قناعة الإدارة الأمريكية أن الطريق المناسب هو استئناف المفاوضات وأن بيان اللجنة الرباعية الأخير وفر آلية لذلك.
وأكد أن عباس أبلغ بانيتا موافقته على بيان اللجنة الرباعية ولكن على أساس الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية والوقف الكامل للاستيطان وإقامة هذه الدولة على أساس حدود .1967
ولأجل ذلك وصل الرئيس محمود عباس إلى فرنسا ضمن جولة تقوده إلى عدة عواصم أوروبية وامريكو ـ لاتينية، حيث سيلقي خطابا أمام الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بمدينة ستراسبورغ الفرنسية مساء يوم غد قبل أن يتوجه مباشرة إلى كل من جمهورية الدومينيكان والهندوراس والسلفادور وكولومبيا قبل العودة الى البرتغال ضمن المساعي الفلسطينية لكسب دعم دولي لطلب العضوية في الأمم المتحدة. 

انتهى وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إلى قناعة بأن إسرائيل أصبحت تعيش عزلة في محيطها المباشر بما يتعين مساعدتها على كسر هذا المعطى الجديد وخاصة مع تركيا ومصر.واعترف بانيتا رجل المخابرات الأمريكية السابق قبل أن يضطلع بمهمة الدفاع بهذه الحقيقة عشية وصوله إلى المنطقة العربية في زيارة لتحسس الأوضاع على خلفية الأحداث المتواترة التي تشهدها بعض الدول العربية والتي أخلطت الحسابات الإسرائيلية-الأمريكية على السواء وأعادت كل القراءات إلى نقطة البداية وفق معطيات الواقع الجديد.
وهي الأحداث التي زادت في قناعة وزير الدفاع الأمريكي الجديد بأن التفوق العسكري الذي تفرضه إسرائيل على جيرانها بفضل ترسانتها الحربية لم تعد ذات قيمة في ظل عزلة سياسية فرضت عليها من طرف دول كانت بمثابة حلفاء لها في محيطها الإقليمي بما يستدعي مساعدتها على استعادة ''هيبتها'' المفقودة في سياق ''تسونامي'' الثورات الشعبية العربية التي كسرت حالة الجمود التي طبعت تصرفات أنظمة تبنت من حيث لا تدري منطق القوة الإسرائيلي وأذعنت له.
ومفهوم المساعدة وفق المنطق الأمريكي يعني إلقاء واشنطن بكل ثقلها الدبلوماسي للضغط على دول المنطقة من اجل مراجعة علاقاتها مع إسرائيل بعد السحب الداكنة التي غطت سماءها منذ حادثة سفينة أفي مرمرة التركية في 31 ماي من العام الماضي والتي أعادت علاقاتها الاستراتيجية مع أنقرة إلى أسفل درجاتها قبل أن تصاب بانتكاسة أكثر وقعا في علاقاتها مع مصر في أعقاب نجاح ثورة 25 جانفي ورحيل نظام حسني مبارك الذي فقدت فيه إسرائيل حليفا لن تجد له خليفة أبدا.
وانهارت علاقة الود بين القاهرة وأنقرة وتل ابيب في وقت لم تستكن فيه إيران للعقوبات ولا للضغوط الأمريكية عليها حتى يتراجع دورها في المنطقة لصالح الدور الإسرائيلي ولكن ذلك لم يحدث وخاب الظن الأمريكي إلى حد الآن في كسب رهان تحييد إيران من معادلة الترتيبات السياسية في المنطقة العربية.
ولكن بانيتا الذي أراد أن ينظر لتطورات الوضع في هذا الجزء من العالم ومحاولة فهم ما يجري لم يجرأ على القول أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هي التي أوصلت هذه الدولة إلى حالة الشعور بالعزلة في محيطها القريب.
ولم تكن حادثة اقتحام مقر سفارة إسرائيل وحرق علمها في قلب العاصمة المصرية الشهر الماضي اول رسالة تلقتها الولايات المتحدة في سياق مخاوفها على دولة إسرائيل التي لم تصل إلى هذا الواقع إلا بسبب تعاليها على أنظمة دول المنطقة واحتقارها لشعوبها بمنطق عنصري تجاوزه الزمن.
فقد أدركت الحكومة الإسرائيلية حينها أن علاقاتها مع القاهرة لن تكون أبدا كما كانت في عهدي الرئيسين المغتال أنور السادات والمطاح به حسني مبارك بعد أن دخل الشعب كطرف فاعل في اتخاذ القرار المصري.
ولم يكن دخول الشعوب العربية في رسم الخارطة العربية الجديدة إلا احد العوامل التي زادت في عزلة إسرائيل بعد أن كانت الآمر الناهي وآخر من يعطي موافقته على أية سياسة تخص المنطقة وأخلط عليها كل حساباتها في كيفية التعاطي مع إفرازات الثورات العربية وخاصة التي قادها الشباب المصري الذي كان من بين أولى أهدافه إعادة النظر في علاقة القاهرة مع تل أبيت وبصورة غير مباشرة في اتفاقية كامب ديفيد.
وهو مأزق حقيقي وجدت الدبلوماسية الأمريكية نفسها فيه بسبب دبلوماسية القوة التي اعتمدتها إسرائيل في التعامل مع دول المنطقة وتسببت في انهيار كل المحاور التي أقامتها مع القاهرة وعمان وأنقرة وتعمل إدارة الرئيس الأمريكي على إعادة إصلاح ما يمكن إصلاحه.
وتبدو المهمة صعبة إن لم نقل مستحيلة إذا سلمنا أن أنقرة لن تقبل بإعادة الوضع إلى سابق عهده ما لم تعتذر إسرائيل عن جريمة سفينة آفي مرمرة وتعويض عائلات ضحاياها التسعة وهي أيضا ملزمة على إقناع شباب الثورة المصرية بالاحتفاظ ببنود اتفاقية كامب ديفيد كما هي دون تغيير أو إلغاء.
وإذا سلمنا بهذه الصعوبة، فإن الولايات المتحدة بإمكانها أن تجد المخرج من هذا المأزق وهي أن تعيد النظر في سياستها تجاه إسرائيل مادامت هي سبب كل متاعبها في المنطقة ويكفيها فقط أن تكسر سيف الحجاج الذي يفرضه عليها اللوبي اليهودي النافذ في الولايات المتحدة.
ولكن هل بمقدور أوباما أو غيره أن يتجرأ يوما على فعل ذلك؟ هو اللغز الذي لا يمكن إيجاد إجابة له. 



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)