تحتل قضايا الميراث وتقسيم التركة المراتب الأولى في عدد القضايا التي تجوب أروقة المحاكم، فسلطة المادة قد تكون كفيلة في كثير من الأحيان بقطع الأرحام، وارتكاب الجنح والجنايات في سبيل الحصول على نصيب الغير، بالرغم من صرامة كل من الدين والقانون وحرصهما على إعطاء الحقوق لأصحابها.
أصبح العدد المقلق لقضايا التركة التي تشهدها المحاكم يوميا وبأرقام مخيفة، يهدد تماسك العائلات الجزائرية واستقرارها، لا سيما بعد تجاوز الأمر حدود الجدل على الأمور المادية ليصل بالبعض تجاهل روابط الدم وقطع الأرحام إلى درجة الاعتداء والقتل في سبيل تحقيق غاية الاستفادة من التركة بأكبر قدر ممكن.
شاب يقتل أخاه ليستولي على حظه من الميراث، وآخر يهمّ بقتل عمه لذات السبب، امرأة تزوّر وصية والدها لتحرم شقيقاتها من التركة، أخوين تفصل المحكمة في حقهما بعد جدل دام أكثر من 10 سنوات، ... وغيرها من القضايا التي يقشعر لها البدن وتفضي حسب عدد من المواطنين الذين قابلناهم إما بضعف الروابط الأسرية أمام الماديات، أو بجهل الأفراد بتعاليم ديننا الحنيف.
الطمع والجشع يدفعهم لارتكاب الجنح والجنايات
لا شك أن من شأن الأمور المادية أن تعمي بصيرة الكثيرين الذين لا يتوانون عن فعل أي شيء في سبيل ذلك. وفي ذات السياق، أكد حميد رمالي، محامي بمجلس قضاء الجزائر، أن هذا النوع من قضايا نزاعات التركة بين أفراد العائلة الواحدة تتحوّل غالبا إلى جنايات تزوير واستعمال المزور، حينما يستعمل بعض الأشخاص مجموعة من الحيل لأخذ حق غيرهم؛ فيما عرفت قاعات المحاكم قضايا أكثر بشاعة من هذه الأخيرة، حيث يضيف محدثنا أن جشع البعض قد يؤدي بهم إلى ارتكاب أكثر جرائم القتل والاعتداءات الجسدية بشاعة على أطراف النزاع، ذاكرا لنا أكثر هذه القصص التي أثارت أسفه من الحالة التي يمكن أن يصل إليها الإنسان في سبيل الماديات، والتي قام فيها أب بقتل أبنائه الاثنين ليستفرد لوحده بميراث زوجته الثرية التي تركت له ما يزيد عن 4 مليار سنتيم، ليعترف هذا الأخير بفعلته الشنيعة أمام المحكمة التي أدانته بالحبس المؤبد.
ولا تزال حقوق المرأة تهضم
خلال حديثنا مع المحامي رمالي حميد أوضح لنا أن من أكثر القضايا التي عرضت عليه بخصوص الإرث تخص النساء اللواتي تعرضن لظلم وجور أقاربهن الذين يستغلون ضعفهن وقلة حيلتهن ظنا منهم أن المرأة قد تستحي من اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقها، مضيفا أن في كثير من الأحيان تخيب هذه الأخيرة ظنهم حينما توكل محامي لاسترجاع حقها المهضوم من أقرب الناس إليها.
وفي ذات السياق، تقول منيرة، التي أراد إخوتها حرمانها من ميراث أمها ”لا يمكنني الرضا ببعض مجوهرات والدتي القديمة التي حاول إخوتي الرجال إسكاتي بها، في الوقت الذي يتقاسمون أموال طائلة بينهم، لذا فلجوئي للقضاء الذي أنصفني لم يكن عيبا بل مجرد مطالبة بحق شرعي”.
قانون الأسرة واضح.. لكن؟
يتميز قانون الأسرة الجزائري بنقل جزئه المتعلق بالتركة والمواريث من القرآن الكريم، وبسبب عظم المشاكل التي قد يسببها الظلم وأكل مال الغير، خصص الله سبحانه وتعالى سورة النساء لتفصل بالتدقيق وبكل التفاصيل في الميراث وكيفية توزيعه على مستحقيه، إلا أن ذلك - كما يقول الأستاذ رمالي حميد - لم يردع البعض من التلاعب بعقود الهبات، وتزوير الوثائق القانونية بغية أخذ مال الغير، مبيّنا من خلال حديثه أن في كثير من الأحيان يكون على القاضي حرمان صاحب الحق وإنصاف المتلاعب، فقط لأن هذا الأخير يملك مستندات وأوراق تدعم موقفه.
ويضيف في ذات السياق أن على الأفراد التكاتب في كل الأمور الصغيرة والكبيرة، لأن القانون لا يعترف إلا بما هو ملموس.
توضيح الأمور قبل الممات أفضل الحلول
وجد الكثير من الآباء الحل لتجنّب هذه المشاكل والنزاعات في تقسيم ممتلكاتهم بالعدل على أبنائهم خلال حياتهم، حتى لا تجعل المادة من الإخوة أعداء، كما قال عمي بلقاسم، الذي قام بتوزيع كل تركته وتوثيق ذلك في أوراق رسمية وقّع عليها ورثته تفاديا لأي خلافات أو مشاكل بعد مماته. أما سليمة فتقول إن أمها المتوفاة منذ سنتين لم تترك مجالا لتخاصم الإخوة على الإرث، لا سيما أن لديها أبناء من زوجين، لذا فقد قامت بتوزيع ثروتها باستشارة محامي حول حقوق كل أبنائها، هذه القسمة التي تقول عنها سليمة إنها لاقت قبولا من كل إخوتها الذين قاموا بدورهم باقتطاع جزء من نصيبهم متصدقين به على روح والدتهم التي لم تظلم منهم أحد.
وفي ذات الصدد، يقول المحامي رمالي إن الهبة وتقسيم التركة خلال حياة صاحبها من أحسن الحلول التي يلجأ إليها الآباء للحفاظ على تماسك عائلاتهم وتوادّ أبنائهم بعد وفاتهم، مشيرا إلى أنهم بهذه الطريقة يتفادون الكثير من المشاكل.
إيمان مقدم
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/02/2012
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com