تعرض مختلف الباحثين الذين شاركوا في الملتقى الدولي "الأمير عبد القادر رجل كل الأزمة" الذي احتضنته عاصمة الزيانيين، لمختلف جوانب شخصية هذا الرجل الذي يعد رمزا وطنيا قويا، خاصة أنه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. اختلفت آراء وتصريحات الدكاترة من مختلف دول العالم الذين حضروا إلى تلمسان إلا أن كلها كانت تصب في خانة واحدة وهي أن الأمير عبد القادر علامة فارقة في تاريخ الجزائر بحاجة لاكتشاف مرة أخرى من خلال دراسات جادة تحليلية ونقدية.
رئيس مؤسسة الأمير عبد القادر محمد بوطالب: "الأمير أول من دافع عن حقوق الإنسان"
قال رئيس مؤسسة الأمير عبد القادر، محمد بوطالب، إن الأمير عبد القادر الجزائري جمع بين الإيمان وشدة البأس والمهارة وحدة الذهن فكان بحق في مكانة عالية في فهم الرهانات الإنسانية، فتركت ؤنجازاته أثرا ملموسا في التاريخ، كما ارتقت تعاليمه وأفكاره وتأملاه وقيمه إلى سماء العالمية. وأكد بوطالب، أن هذا الإرث الشامل يخص الجزائر بصفة عامة التي دافع من أجلها وعن وجودها المهدد بالاستعمار ومساعيه القائمة على الرفض والتمييز، كما يخص هذا الإرث أيضا كل إنسان يسمى فوق الفوارق ناشدا المثل البسيطة والجميلة. وأكد رئيس مؤسسة الأمير عبد القادر، أن الساحة العمومية لمدينة كاركاس عاصمة فنزويلا احتضنت خلال الشهر الماضي حدثا رمزيا هاما يخص تشييد نصب يعلوه تمثال نصفي للأمير عبد القادر، وتم ذلك بحضور شخصيات بارزة من دوائر السياسة والدبلوماسية والجامعة والثقافة إضافة إلى سفير الجزائر بفنزويلا، ليبقى مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة يشع بحضوره عبر العالم بعد أكثر من قرن من وفاته حاملا لأبعد الحدود الذكرى الحية لمقاومته وقيمه ومقدما للإنسانية مثلا تستطيع من خلاله كل ثقافة أن تجد فيه معالمها دون أن تفقد مقوماتها الأصلية. وقد كان الأمير -حسب بوطالب- إلى جانب حِنكته العسكرية ودبلوماسيته المتفردة رجل إيمان يدرك أغوار الروحانية الحقة وأديبا مازالت تطلعنا كتاباته وشعره على معاني ورقائق أدبية رائعة. وأكد المتحدث أن انعقاد هذا الملتقى الدولي الذي يعرف بشخصية الأمير عبد القادر يأتي ليبين بعض المفاهيم على غرار ما بينته مختلف التظاهرات العلمية والفنية التي تقوم على أساسها الثقافة الإسلامية وليس ما شاع من صور باهتة عنها لدى العقول المحدودة أو المغرضة على العالمية، وهي الرسالة التي اضطلع بها الأمير عبد القادر عبر أقواله وكتاباته وأعماله التي نحصي منها على أدنى تقدير نهوضه بحقوق الإنسان ونيل السبق في الدفاع عنها قبل ظهور اتفاقية جنيف، وبذلك أكد بوضوح ساطع في وجه أعدائه أن الوحشية لم تكن إطلاقا في صفوف من يدافعون عن وطنهم وأراضيهم وعائلاتهم، وما زالت هذه الصورة المشرقة التي عكسها عن الإسلام تكسر حتى الآن المناورات المتعددة لرافضي هذا الدين بشتى الأشكال والوسائل. كما اعتبر بوطالب في ختام حديثه، أن الأمير عبد القادر أنار لإخوانه في الدين والوطنية منهاج القدوة كسبيل وحيد لإقناع الجاحدين وصد النمّامين بقوة، مقتفيا أثر النبي عليه الصلاة والسلام وتعاليم سنته النبيلة، ومازال يمثل إلى يومنا درسا ثمينا من صميم الثقافة الإسلامية خاصة مع الأحداث التي يشهدها العالم العربي والإسلامي حاليا.
الأستاذ ناصر سعيدوني من جامعة الجزائر: "نحن بحاجة لقراءة نقدية لمصادر الأمير عبد القادر"
يقول الأستاذ ناصر الدين سعيدوني، من جامعة الجزائر، إن دراسات عديدة تناولت بالتحليل حياة وسيرة بطل الجزائر المغوار الأمير عبد القادر، مسجلة بطولاته واسهاماته الكثيرة، وقد كُرست -حسب الأستاذ سعيدوني- صورة نمطية للأمير عبد القادر أصبح من الصعب تجاوزها وتجديد ملامحها مما يتطلب اليوم إعادة قراءة نقدية تحليلية لمصادر تاريخ الأمير وربط إسهامه بالمفاهيم الإنسانية والإنجازات الحضارية. وأوضح الباحث ناصر سعيدوني الذي قدم محاضرة بعنوان "الأمير عبد القادر من خلال نظرية البطل المنقذ والشعب الصانع للتاريخ"، أنه بالرجوع إلى مفهوم تفسير التاريخ اعتمادا على نظريتين اثنتين تولي أولاهما الأولوية لإنجاز البطل المنقذ صانع التاريخ وهي التي أخذ بها المؤرخ الإنجليزي توماس كارليل، وتركز النظرية الثانية حسب ذات المتحدث على تحقيق إرادة الشعب الصانعة والمغيرة للتاريخ وهي التي التزم بها المؤرخ الفرنسي جول ميشلي، ومن هذا المنطلق أكد الباحث أنه سعى إلى تقديم شخصية الأمير عبد القادر والتعريف بإنجازاته ومن ثمّ تحديد دوره في التاريخ الجزائري اعتمادا على مقاربة تقوم على نقاش وتحليل أسئلة عديدة منها هل الأمير عبد القادر نِتاج عصره وابن بيئته والمحصلة الاجتماعية لوسطه وثقافته؟، وهل الأمير شخصية فذّة استجابت حقا لتحديات عصرها فملأت الفراغ الذي نتج عن سقوط الدولة الجزائرية؟، وهل قدم الأمير عبد القادر من خلال مشروعه التحريري يعتبر البديل الحقيقي لنمط جهاز الدولة الجزائرية في العهد العثماني والذي يكون قادرا على التصدي للمشروع الاستعماري الفرنسي؟، وهل كان الأمير عبد القادر واعيا بتحديات عصره وطموحات مجتمعه؟، وهل كانت له خطة استراتجية لبناء الدولة الوطنية وتكوين جيش حديث ومؤسسات متجاوبة ومعبرة عن مصالح الجزائريين؟ .. مثل هذه الأسئلة كفيلة حسب الباحث ناصر سعيدوني، أن ترسم صورة جديدة لمشروع الأمير عبد القادر التاريخي وتقدمه لنا كنتاج لمحصلة ظروف سياسية وطاقات فكرية وواقع اقتصادي وحركية اجتماعية، وتجعله في الوقت نفسه مثالا يحتذى به ويعيد الثقة في النفس ويحفز الوعي بالذات ويظل بنزعته الإنسانية وروحه الوطنية ونظرته الحداثية شعلة تضيء تاريخ الجزائر وذكرى حية تجدد طاقات الشباب وعزمهم. وقد طالب الباحث بضرورة إعادة الاعتبار إلى شخصية الأمير عبد القادر من خلال ندوات ومؤتمرات دولية تكشفه تاريخه وبطولاته التي تعتبر مفخرة الشعب الجزائري.
الأستاذ سيدي محمد نقادي من جامعة تلمسان: "مؤسس الدولة الجزائرية كانت له رؤية حضارية"
من جهته الأستاذ سيدي محمد نقادي، من جامعة تلمسان، يرى أن الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية كانت له رؤى حضارية وشعور كبير بالمسؤولية اتجاه شعبه ووطنه. وأوضح المتحدث أن اختيار محي الدين الهاشمي لابنه عبد القادر كان صائبا إلى حد كبير، وهو يعتبر بمثابة تلبية الدعوة والشعور بالمسؤولية، مؤكدا أن البطل الجزائري أسس للدولة الحديثة من خلال نشاطه السياسي والدبلوماسي ما جعل المستعمر الفرنسي يعترف بدولته. وفي الجانب الآخر أكد نقادي، أن الأمير عبد القادر كان مثال الإنسان الكامل المتكامل، حيث كان يسعى إلى زرع روح التسامح والأخوة وكان يوحّد بين الشعوب كما كان يناضل من أجل حقوق الإنسان، وهي الميزات التي جعلته قائدا وأميرا ومحبوبا حتى من قِبل أعدائه.
الباحثة المصرية منى نور من جامعة القاهرة: "بطولة الأمير أجبرت الصحافة المصرية على تناول مسيرته"
تقول الباحثة المصرية منى نور، من جامعة القاهرة، إنه على الرغم من المساحة الزمنية بين نشأة وحياة ووفاة البطل الجزائري وظهور الصحافة المكتوبة في مصر، إلا أن الصحافة المصرية لم تخلو صفحاتها من تناول حياة وتاريخ وجهاد هذا البطل الجزائري الذي يعتبر مصدر فخر واعتزاز الشعب الجزائري، ولعل الملحمات التاريخية التي قادها الأمير عبد القادر في عدة مناطق أجبرت الأقلام الصحفية على تناول سيرته وتاريخه النضالي في كتابات متعددة ومختلفة، فقد حرصت جريدة "الأهرام" على أن تتابع خبر نقل رفاة الأمير عبد القادر ومواراة جسده الطاهر تراب بلاده في الذكرى الرابعة لاستقلال الجزائر سنة 1966، فضلا عن مجلة "روز اليوسف" التي خصصت أحد أعدادها للأمير عبد القادر بعنوان "عودة الثائر من دمشق إلى الجزائر"، كما حملت مجلة "نصف الدنيا" موضوعا آخر حول الأمير تحت عنوان "الأمير عبد القادر الجزائري ينقذ مسيحيي دمشق من الدمار"، فضلا عن صحف ومجلات عريقة تحدثت بإسهاب عن الأمير ونضالاته وبطولاته الشامخة على غرار "الأخبار" و"الجمهورية". وقد استطاع الأمير عبد القادر حسب الباحثة المصرية، أن يجعل الإعلام العربي والعالمي يتحدث عنه طويلا بفضل سياسته ومواقفه النبيلة وبطولاته الكبيرة التي يعتز بها الشعب الجزائري الفذّ الذي ضحى من أجل استقلال وحرية الجزائر، وطالبت الباحثة بضرورة التكثيف من هذه الملتقيات التي تعرّف أكثر بمقاومة وبسالة مؤسس الدولة الجزائرية.
الأستاذ رضوان إيزولي من جامعة البلقاء بالأردن: "التحرر مقترن بالأمير عبد القادر"
أكد الأستاذ رضوان إيزولي، من جامعة البلقاء بالمملكة الأردنية الهاشمية، أن الأمير البطل قامة سامقة في عالم البطولة والجهاد والقيادة والأدب، ملأ الدنيا ذكره شرقا وغربا فأُعجب به الساسة والقادة والأدباء، فما إن تذكر حركات التحرر العربية المعاصرة وما قبلها إلا ويذكر اسم الأمير عبد القادر الجزائري المعروف بانتهاجه للسلوك الصوفي، حيث له مؤلفات في هذا المجال على غرار كتاب "الواقف في التصوف". وحسب الأستاذ رضوان إيزولي، فإن أشخاصا سعوا إلى إبعاد الصوفية عن الأمير عبد القادر أب الصوفية ورمز عزتها من خلال أشعاره الكثيرة وتأثره بشعراء التصوف المشهورين كالبصيري وابن عربي وابن الفارض والحلاج وغيرهم. ومن المصطلحات الصوفية الواردة في شعر الأمير عبد القادر ألفاظ الحب والعشق والدلال والتيه والشوق وغيرها من الألفاظ التي كان يتميز بها الأمير. ودعى الأستاذ إيزولي في ختام مداخلته، إلى ضرورة التنقيب الجيد في تاريخ هذا البطل الذي يعتبر رائدا في البطولة والجهاد والتواضع وحب الناس.
الباحث الفلسطيني محمد ماجد الحزماوي من جامعة القدس: "الأمير عبد القادر أعطى للمرأة حقها"
أوضح الباحث الفلسطيني محمد ماجد الحزماوي، من جامعة القدس بفلسطين، أن الأمير عبد القادر أولى في كتابه "تحفة الزائر" عناية كبيرة للمرأة، حيث حظيت بمكانة هامة في المجتمع الإسلامي نظرا لما تلعبه من دور في تربية الأسرة المسلمة، فقد كفل لها الأمير عبد القادر حقوقا ضمتها السيرة النبوية والقرآن الكريم. وأكد الأستاذ الفلسطيني، أن الأمير عبد القادر بعث بنحو عشرين رسالة إلى الجنرال الفرنسي دوماس، ردا على استفسارات هذا الأخير حول مكانة المرأة المسلمة في المجتمع، وقد تطرقت هذه الرسائل في مجملها إلى النظرة الحقيقية للإسلام اتجاه المرأة من حيث الزواج والمعاملة والعمل والإرث والحقوق والواجبات والطلاق والتعليم وغيرها من القضايا الأخرى، مؤكدا في هذه الرسائل تميز الدين الإسلامي عن باقي الديانات خاصة بالنسبة للمرأة. وذكر الأستاذ محمد ماجد الجزماوي، أن الأمير عبد القادر كانت له نظرة مستقبلية تجاه أغلب القضايا ما رشحه لتولي مناصب سامية وألقاب جيدة، معتبرا أن مثل هذه الملتقيات الدولية بإمكانها تعريف الأجيال الصاعدة بأخلاق بطل الجزائر اتجاه المرأة، داعيا إلى ضرورة تخصيص أيام وندوات أخرى للتعريف بمناقب هذا الرجل الذي افتخرت الجزائر به.
الأستاذ بليل حسني من جامعة وهران: "كان للأمير خطط استراتجية لتنظيم شؤون دولته"
تطرق الأستاذ بليل حسني، من جامعة وهران، إلى النظام القضائي في عهد الأمير عبد القادر، ويؤكد في هذا الخصوص أنه بعد معاهدة "ديمشال" تفرغ الأمير إلى تحديد مناطق نفوذه وقام بأول عمل لترسيخ معالم الدولة الإسلامية الحديثة من خلال الإقبال على الوظائف الشرعية على مذهب "مالك بن أنس" إمام دار الهجرة فقيها نزيها مشهورا بالعفاف ملما بالأحكام القضائية. وحسب الأستاذ حسني فإن الغرض من هذا كله خاصة بعد تنصيب القضاة هو قطع النزاع وفصل الخصومات والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف وقمع المظالم ونصرة المظلوم، فاستعان بقضاة توفرت فيهم شروط الكفاءة القضائية، وكان الأمير المسؤول الأعلى عن العدالة الاجتماعية بحكم منزلته في الدولة كقائد وأمير على المسلمين. وقد اتسم نظام الأمير عبد القادر حسب الأستاذ حسني بليل، بالدقة والنظام حيث نكتشف من خلال المباحث الكثيرة عديد الخطط التي انتهجها الأمير في تنظيم شؤون دولته من حيث تنظيم وتنفيذ الأحكام الخاصة بالشريعة الإسلامية ومن ثمّ ترتيب نظام القضاء. وعرج الأستاذ على عدة محاور في هذا المجال حين استرسل مطولا في الإجراءات العسكرية التي كان ينتهجها الأمير إضافة إلى أنواع القضاء وطريقة اختيار القضاة لمنصب القضاء والاختصاصات القضائية التي سنها الأمير عبد القادر وكذا أعمال المجلس الشورى الأميري.
التنظيم القضائي لدولة الامير عبد القادر
زليلف احمد - مدير مؤسسة - الجزائر العاصمة - الجزائر
04/05/2014 - 192583
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 29/02/2012
مضاف من طرف : infoalgerie
المصدر : eldjazaironline.net