بستان تجمله أوراده وترسم على وجهه ظلال الدهشة، كما يفعل الكحل، والزوج حين يعصر وجه إمرأة حسناء، وينسج خيوطه الزنبقية فتصبح أنثى يعشقها الله. حقل تحرسه سنابله اليوسفية من بطش الريح وتضيف له مسحة جمالية كعباءة غالية يصغي لها الكبرياء كلما ارتداها ملك. للهلال موعده ولبابا الصديق موعده، كنا نراه كلما همست السماء في أذن #0236وادي خراية وكلمه المطر، فزار ديارنا وأخرجنا منها، وأطفأ مصباح المدينة ونادى الرعد بصوت عال: يا شموع تكلمي فقد حان موعد بابا الصديق. موعد الفرحة والجد والصمت إنه بابا صديق عين الحجل ومن دونه لا يكتمل صيفها.
كامرأة جميلة في عنق رجل قبيح الوجه هش العزيمة رث الثياب أتذكر، كلما أشرق الصديق بلونه الثلجي وأنفه الطويل وعيناه ككوكبين لا يزورهما الضوء وسيجارته البيضاء التي لا تغادر شفتيه الغليظتين، نلتف حوله كبارا وصغارا يلفّنا نور الشموع وتدغدغنا أصابع البرد.
فيحكي لنا عن الغول الذي أتاه يحبو، ويقول كم أكره الأطفال والذين يحبونه، وعن والده الذي اغتاله الإستعمار الفرنسي لأنه كان يهدد وجوده عندنا، وعن عين الحجل حضن الجزائر الذي حمى شرفنا.
وقفت أصوات السماء، ذاب الرعد في فم المطر وابتلع السحاب برقه وكسانا الصمت صمته، وارتكنت خراية إلى زاوية غير بعيدة عنا بعدما سبحنا، فنحن لا نعرف الموج وزرقته. تقدم بابا الصديق بخطى لا يخطوها إلا نبي أو عراف.
n كنا نستمع إليه بآذان ساجدة وبصوت خافق تسلل من حنجرته خرج والده العالم البطل الحاج عيسى، كرجل ثلجي يحبه الأطفال وينتظرونه في نفس الوقت ومن نفس اللسان كي يهديهم أجمل القصص وأجمل اللحظات. أتذكر هذه اللحظات كلما أطل علينا هلال بابا الصديق حاملا معه قصة والده الحاج عيسى والعين التي كان يرتوي عندها الحجل.
n ما أجمل بابا الصديق والشموع البيضاء التي كانت تذوب حبا وهي تستمع إليه، ما أجمل خراية التي كانت تداعب طفولتنا وتغسلها وكأنها كانت تجهزنا لموعد الرجل الثلجي وبطولات المدينة.
لم يتغير ولم يتأخر شئ ، لازلت أنتظر هلاله وأترقب خراية، ساعتها سأخرج وأسبح في قلب الوادي كطفل وحين يفر الضوء عبر أسلاكه الشائكة أشتري شمعة وأنتظر بابا الصديق.
*كاتب تونسي
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/05/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : * صلاح الدين المرزوقي
المصدر : www.elkhabar.com