الجزائر

باب البّر دائما مفتوح


استوقفتنا ونحن نزور إحدى المؤسسات الاستشفائية المخصصة لعلاج مرضى كورونا صورة شاب في العقد الثاني يجلس بجانب والدته طريحة الفراش وهو يحاول أن يقدم لها يد المساعدة ويتكفل بمتطلباتها المحدودة بمحدودية قدرتها على مجابهة فيروس كورونا ،بعدما كبلها الداء القاتل وأصبحت حركتها ثقيلة منذ قرابة الأسبوعين.استحسنا الأمر في البداية واعتبرنا هذا الشاب الباّر بوالدته قدوة حسنة لمن لم لا يزال في سبات عميق ، حتى لا نقول عاق بوالديه ،لكن سرعان ما تغيرت نظرتنا لهذه العائلة التي تضم 5 إناث والابن المرافق لوالدته سادسهم وأصغرهم سنا في نفس الوقت و تفاجئنا من رفض الأخوات الخمس الوقوف بجانب أمهم المصابة بالفيروس وإهمالها خوفا من أن تصيبهن العدوى وتلحق الضرر بأسرهن و بقي الشاب بجوارها إلى غاية أن لفظت أنفاسها الأخيرة وفارقت الحياة دون أن تتمكن من رؤية بناتها ودون أن تتعظ أية واحدة منهن بالموت .
قد يتعجب البعض من سبب سرد هذه الوقائع الحية اليوم بالذات و قد يتساءل آخرون عن اختيار زاوية رأي حر لتوجيه الرسالة إلى كل من لا تزال في قلبه ذرة رحمة ، رغم أننا في أوقات كثيرة نعالج مواضيع حساسة لها علاقة بالمجتمع وما يعيشه من انتقاضات في نفس المساحة .
وإيمانا منا أن المسألة لا تقل أهمية عن المواضيع الأخرى التي لها علاقة بالمشاكل التي نتخبط فيها وفي مجالات مختلفة من حياتنا اليومية ،اخترنا قصة الشاب وحصرناها في محطة واحدة ، لعلنا نوقظ الضمائر الميتة التي تنعم لحد الآن بنعمة حنان الأم وعطفها في وقت حُرم الطرف الآخر من دفئها ونصائحها وتوجيهاتها ويشتاق لرؤية وجهها ولو لثانية ويتمنى لو يعود به الزمن قليلا إلى الوراء ليتدارك ما فات لأن مهما قدمنا من تضحيات لا يساوي ذلك نظرة الأم وحسرة من أحن إنسانة في الوجود .
كنا نظن أن الوباء والأزمة الصحية التي نعيشها منذ سنتين تقريبا هي إشارة تحذير لمن لم يتعلم بعد من دروس الحياة و يتحجج بمتاعب الدنيا ليتهرب من مسؤوليته تجاه والديه والأكثر من ذلك تجده في مرات عديدة وفي الجلسات العائلية والمهنية يقدم مواعظ مؤثرة وحكم عن أنواع الطاعات التي يتقرب بها إلى الله تعالى وبرّ الوالدين الذي يعد بابا من أبواب الجنة وكأنه يريد أن يوهم الجميع أنه غير مقصر في حقهما وغير معني بالآفة التي تهدد المجتمع فصدق من قال «من لم يكن الموت له واعظا فلا واعظ له» وكفانا استهتارا وتهاونا مادام باب البر لا يزال مفتوحا .
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)