في حي البساتين بدوار الهيشر في الضاحية الغربية للعاصمة تونس، حط طائر الموت هذه المرة، في الحي الشعبي الواقع على أطراف العاصمة تونس، زقاق عزاء لضحية من قتلى التفجير الانتحاري، وفي الزقاق الذي يليه عزاء صامت للانتحاري صانع الموت الذي علمه حرفاء الدم كيف يمضي إلى الغيب، وفي الحي ألم في بيتين، لا يفصل بينهما سوى أمتار، ألم في بيت عمر الخياطي، عون أمن رئاسي قتل في التفجير الانتحاري، وفي بيت يليه بشارع ألم في بيت حسام العبدلي منفذ التفجير، جار قاتل، وجار ضحية، وبين الجارين بحر من الأسئلة تفكها الأيام.لا يختلف حسام عن الإرهابيين الذين نفذوا عمليات باردو في مارس الماضي وهجوم سوسة في جوان الماضي، حي شعبي وطفولة تعيسة ومراهقة خاض فيها حسام مع الخمر وشغب الشباب، قبل أن يجرفه التيار المتشدد بعد ثورة 14 جانفي، وينقله إلى بيئة أخرى، ويبدأ في تغيير طباعه وسلوكه، أغلب جيران الانتحاري حسام كانوا مصدومين أو هكذا بدوا، صدمة من يكتشف أن في بيته ثعبانا قاتل، لم يكن حسام الشاب اليافع يبدي ما يمكن أن يعطي مؤشرا بأنه بصدد الانتماء إلى تنظيم إرهابي، يؤكد جيرانه أنه تدين وانتمى إلى تيار أنصار الشريعة الذي كان يسيطر على حي دوار الهيشر، وهو حي سبق أن شهد، قبل ثلاث سنوات، أعمال عنف ومواجهات دامية بين السلفيين وقوات الأمن، وكان بحكم قربه من حي التضامن الذي كان أبرز معاقل السلفية المتشددة، أكثر الأحياء التي يسيطر عليها السلفيون.يقيم حسام العبدلي في منزل يتكون من طابق أرضي وطابق علوي مازال قيد البناء. يقول منتصر، أحد جيران الانتحاري حسام، ل”الخبر”، وعلامات الصدمة تعلو محياه: “بالفعل نحن مصدومون مما حدث، حسام شخص مسالم، كان يسلم على جيرانه أو حين نلتقي، صحيح لم يكن له أصدقاء في الحي وكان انطوائيا، لكن لم يكن يعط أي مؤشر بأنه متطرف إلى هذه الدرجة”.وأضاف أن حسام كان قبل ثورة 14 يناير التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، شابا عاديا يعيش حياته ككل الشباب ويشرب الخمر، لكنه تدين بعد الثورة، وأصبح ينهر شباب الحي حين يشاهدهم يشربون الخمر، وكان يتردد على مسجد “أبو بكر الصديق” في الحي، وهناك ربما وقع استقطابه من قبل المتشددين”. وأوضح منتصر أنه كان يشاهد يوميا، بحكم علاقته به وجيرته، “حسام وهو يتجول بعربته التي يبيع على متنها حلوى تقليدية يقوم بطهيها في إحدى المخابز، وبالتأكيد أنه تعرض لغسيل دماغ من قبل إرهابيين أقنعوه بأن التفجير الانتحاري يذهب به إلى الجنة”.تذكر السيدة فوزية التي تقيم في مسكن قبالة مسكن الانتحاري حسام، أن الأخير “تعود إلقاء السلام عليها حين يصادفها لحظة خروجه من المنزل، لكنه لم يكن يضيف أكثر من ذلك، لقد كان إنسانا انطوائيا، ولم يحدث أن تبادل أطراف الحديث معي”.ويؤكد إسكندر، وهو نادل في مقهى تعود الانتحاري حسام العبدلي على ارتشاف القهوة فيه، “لم يظهر مطلقا على حسام بوادر تشير إلى انتمائه لتنظيم متطرف”، ويضيف: “كان يأتي صباحا إلى المقهى، يجلس وحده دائما، ثم يدفع ثمن قهوته ويذهب إلى سبيله”.وأكد إسكندر أن “حسام كان يبيع التين الشوكي قبالة المقهى الذي أعمل فيه، وأحيانا يبيع الحلوى التقليدية”، مضيفا: “آخر مرة رأيته فيها قبل يومين أو ثلاثة أيام من تنفيذ العملية الإرهابية، جاء إلى المقهى وقال لي إنه مدين للمقهى بقهوة لم يدفع ثمنها سابقا، ويجب أن يصفي حسابه، دفع ثمن القهوة السابقة ومن حينها لم أره مجددا”.وبحسب يسري، صديق الطفولة للانتحاري حسام، فإن الأخير “كان مولعا بالرياضة وبكرة القدم، كان يحب كرة القدم كثيرا، ويناصر نادي الإفريقي، صحيح أنه أصبح متدينا، لكن لم يظهر عليه ما يمكن أن يعطي الانطباع بأنه ينتمي إلى تنظيم إرهابي”. وأضاف يسري: “ما أعرفه أنه حاول السفر إلى سوريا مرة وفشل، وأنه تعرض للاعتقال من قبل مصالح الأمن التونسية”، لكنه أكد أنه “حتى بعد إطلاق سراحه لم يحدث أي تغير في سلوكه”. ويضيف: “حتى الآن مازلت أحاول أن أفهم كيف تحول هذا الشاب المولع بالرياضة إلى حرفة القتل، لم يكن قادرا على إيذاء بعوضة، ولم يذكر الجيران أنه تعرض بالأذى لأي منهم”، مشيرا إلى أن “حسام مات، لكن يتوجب على السلطة البحث عمن استدرجه وجنده ودفع به إلى ما فعل، ولم أطلق سراحه في أوت الماضي عندما اعتقل”.أكثر ما يؤلم في القصة، كلام عادل، أحد جيران الانتحاري حسام، كان يشير بيده إلى بيت عمر الخياطي، عون أمن رئاسي قتل في التفجير، يقول عادل: “انظر، هناك موت وهناك موت، جار وجار، واحد ضحية وآخر قاتل، انظر إلى أين وصلنا وإلى أي مدى بتنا نقتل بعضا بفعل فتاوى قادمة من العصور الوسطى”. كان عادل، وهو يتحدث، يضرب بيده على بيت حسام العبدلي البالغ من العمر 27 سنة، والذي نفذ تفجيرا انتحاريا استهدف حافلة لأعوان الأمن الرئاسي في نقطة تجمع هؤلاء الأعوان، وتم تحديد هويته الخميس من قبل مصالح الشرطة العلمية لوزارة الداخلية التونسية، باعتماد تحليل الحمض النووي، بعد مطابقتها مع جينات الحمض النووي لوالدته التي مازالت ووالده وأخته الوحيدة قيد التحقيق لدى الأجهزة الأمنية للتحري في علاقاته الاجتماعية وصلاته بالمتشددين.لم يكن حسام العبدلي أول إرهابي يرتكب حماقة دامية، لكنه أكثر من فجر جدلا كبيرا في تونس حول ضرورات العودة إلى القبضة الأمنية لمكافحة الإرهاب وضبط الأمن، ومخاوف من أن يكون ذلك على حساب المكاسب التي حققتها ثورة 14 يناير 2011.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/11/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عثمان لحياني
المصدر : www.elkhabar.com