الجزائر

انتصار دبلوماسية الحوار والمصالحة بين الأشقاء الفرقاء



❊ تأكيد على التأثير الإقليمي للجزائر في استتباب الأمن بالساحل❊ اعتراف بدور الرئيس تبون في تسوية نزاعات الجيران والإخوان
عكست زيارة العمل والصداقة التي قام بها رئيس دولة مالي، باه انداو، المكانة الدولية التي تحظى بها الجزائر في منطقة الساحل، خصوصا وأنها كانت من مهندسي إبرام اتفاق السلم والمصالحة في هذا البلد الجار والشقيق، بعد مفاوضات شاقة احتضنتها بين الأطراف المتنازعة، ليبقى بذلك "إعلان الجزائر" مرجعا أساسيا اعتمدته الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في مساعيهما لتسوية نهائية للنزاع في هذا البلد.
وتعد زيارة رئيس الدولة المالي الأولى من نوعها إلى الخارج، لتكون بذلك الجزائر أول محطة له في سياق اعادة بعث المسار السلمي لهذا البلد، والذي أنهكه تعدد الاجندات الاجنبية التي أثرت بشكل كبير على مسار الامن والاستقرار داخله. وإذا كان رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون قد جدد خلال استقباله للرئيس باه انداو استعداد الجزائر لمساعدة باماكو على استعادة استقرارها والتحضير للانتخابات، فإن الرئيس المالي لم يتردد من جانبه في تقديم شكره للجزائر لدعمها وتفانيها لمساعدة بلده للخروج من الأزمة الصعبة. ورغم أن اتفاق السلم والمصالحة برعاية الجزائر قد اعترضته عدة عقبات في مالي بسبب حالات اللاأمن والأعمال الإرهابية التي تقوض عملية السلام في البلاد، إلا أنه يبقى المرجعية الوحيدة لاستتباب الاستقرار في هذا البلد، ولا أدل على ذلك، برأي مراقبين، انعقاد اجتماع للجنة متابعة اتفاق السلم في مدينة كيدال، والذي وصف ب"الإنجاز التاريخي"، كونه يعد الأول من نوعه منذ التوقيع على اتفاق السلام في الجزائر. وأكثر من ذلك فإن الاجتماع المنعقد في هذه المدينة قد شكل فرصة للتأكيد على دور الجزائر ودعمها لمسار السلم في هذا البلد، كما أنه يحمل رسالة سياسية قوية ورمزية بإجماع أعضاء الوساطة الدولية، حيث كان ناجحا للغاية وتم تقدير الدور الذي لعبته الجزائر مع المينوسما في التحضير له.
دبلوماسية الحوار والوساطة لم تتوقف
وكان رئيس الدبلوماسية الجزائرية صبري بوقدوم قد زار قبل ذلك مالي 3 مرات خلال 6 أشهر الماضية، ما يؤكد عزم الجزائر على دعم مسار السلام لصالح الشعب المالي، في الوقت الذي نفذت فيه عديد بنود الاتفاق، ما سمح بالدخول في المرحلة الحاسمة المتمثلة في انخراط الماليين في مسار السلام من أجل تحقيق انطلاقة جديدة.
وإن ما عزز نجاح هذا الاجتماع هو مشاركة قوية للحكومة المالية ب6 وزراء وحضور كل الحركات والوساطة الدولية وجميع السفراء الأعضاء في الوساطة، فضلا عن 15 سفيرا وممثلي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، حيث أجمعوا على تشجيع الطرف المالي على تنفيذ الإجراءات المتفق عليها في خارطة الطريق المعتمدة في 18 ديسمبر 2020 لتسريع تنفيذ الاتفاق، بدءا بنشر الشرطة الإقليمية واستئناف المشاورات التي انطلقت في 10 و11 فيفري الماضي، بشأن الدفاع والأمن وإطلاق المشاريع المؤهلة للتمويل من طرف صندوق التنمية المستدامة الذي تم استحداثه في إطار الاتفاقية.
سد فراغ أي اختراق من قوى معادية للجزائر
وكانت الجزائر قد رافقت كل التطوّرات السياسية في مالي في سياق حماية مكتسبات اتفاق السلم والمصالحة وسد فراغ أي اختراق من قوى معادية للجزائر تحاول استثمار الوضع الجديد في مالي لضرب استقرارها، حيث سارعت شهر أوت الماضي عقب التغيير غير الدستوري للحكم في مالي والذي أدى إلى تنحية إبراهيم أبو بكر كيتا من منصب الرئاسة، إلى تحريك دبلوماسيتها لاستقصاء الوضع هناك، قصد احتواء أي ارتدادات أمنية للوضع على أمنها و أمن المنطقة.
وكانت زيارة وزير الخارجية بوقدوم كمبعوث خاص للرئيس عبد المجيد تبون، الأولى لمسؤول أجنبي رفيع المستوى عقب هذه الأحداث، بالنظر لما للجزائر من عمق استراتيجي في هذا البلد الذي شهد لسنوات توترات أمنية على غرار ليبيا والنيجر، ما يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي. كما أن الحدود الشاسعة التي تتقاسمها الجزائر مع مالي فرضت عليها تحديات أمنية كبيرة خصوصا مع سيطرة الجماعات الإرهابية على شمال البلد، وسط رفع لحالة التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى من جانب الجزائر، باعتبار أن جميع دول جنوب الصحراء بما فيها النيجر وموريتانيا تعتبر امتدادا قوميا لسياستها الخارجية. ويرى متابعون أن تعاطي الجزائر مع الملف المالي يعكس حرصها على مجابهة التحديات الأمنية الإقليمية، من خلال تفعيل دبلوماسيتها بشكل يستجيب لمكانتها في عمقها الإفريقي والمغاربي والعربي ومع التحديات الكثيرة والمعقدة المحيطة بها، حتى لا تتكرر التجربة الليبية وتصبح الجزائر بين كفي كماشة على حدودها الشرقية والجنوبية.
ورغم وجود القوات الفرنسية والكثير من القوى الدولية الأخرى، إلا أن الجزائر تبقى قوة إقليمية ومحورية ومؤثرة، بشهادة الأصدقاء والكبار والفاعلين الدوليين، معنية بما يحدث داخل مالي ومنطقة الساحل ككل، ولذلك ما تنفك تطمئن الشعب المالي ومؤسساته بأنها ستكون معهم وبالتالي سد أي فراغ قد تستغله قوى أخرى معادية لها، قد تستغل أزمة مالي لتمرير أجندات من شأنها زعزعة استقرار الجزائر. كما أن تحرك الدبلوماسية الجزائرية في مالي يحمل دلالات عميقة، حيث يؤكد بدرجة كبيرة قرار الرئيس تبون منذ توليه الحكم في البلاد على إعادة تفعيل الدور الدبلوماسي للجزائر في الأزمتين المالية والليبية، والقضايا الأخرى خصوصا ما تعلق منها برفض الانقلابات العسكرية والالتزام بمبادئ الاتحاد الإفريقي التي تنص على تجريم الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)