الجزائر

انتشار مقلق للتهريب وامتداده للمواد الاستهلاكية المدعمة «الشعب» ترصد النزيف الخطير بالحدود الشرقية



انتشار مقلق للتهريب وامتداده للمواد الاستهلاكية المدعمة                                    «الشعب» ترصد النزيف الخطير بالحدود الشرقية
أضحى التهريب ظاهرة مستعصية الحل، تغيب أعواما ثم تعود من جديد لتطفو إلى السطح.. وأنت تقود سيارتك بإتجاه محطات الوقود تجدها خاوية، أحيانا تضطر لركنها هناك وتعود راجلا إلى بيتك؟ المشكلة أصبحت كابوسا يؤرق مواطني ولايات الشرق الجزائري .. الوقود أصبح عملة نادرة، وانسحب الأمر على كل ما له علاقة باستهلاك المواطن.
لم يبق التهريب حكرا على الوقود فقط، بل طال المواد الغذائية المدعمة وخاصة مادة الدقيق، الزيت، السكر، وكذا مواد البناء، وخاصة الحديد، فكل ما له علاقة بالحياة اليومية للمواطن أضحى مستهدفا من طرف شبكات التهريب التي باتت تهدد استقرار الأسواق بالجهة الشرقية. وأضحت عمليات التهريب إنشغال مصالح الجمارك وأسلاك الأمن، فلا بد من استنفار كامل لقوى الأمن على هذا الشريط الحدودي الذي يمتد من أعماق الصحراء إلى غاية الجهة الشرقية لولاية عنابة وإيجاد تنسيق لوجستيكي على أعلى المستويات للحد من هذه النزيف الذي يضر الاقتصاد الوطني والأمن الإجتماعي.
في الجهة المقابلة ظهرت بارونات جديدة تدير مماليك للتهريب عن بعد، ببناء قواعد خلفية ومخازن على مستوى العديد من النقاط الحدودية الشرقية، فالوقود يحول عن طريق صهاريج كبيرة من محطات التزود بإتجاه نقاط خلفية، يتم على مستواها تخزينه وإعادة توزيعه في براميل صغيرة بسعة 10 و20 لتر، لتحول عن طريق شاحنات ''طويوطا'' صغيرة باتجاه كل من تونس وليبيا، إذ يقدر سعر البرميل 10 لتر بحوالي 280 دج، ليباع في السوق الموازية بأكثر من 800 دج، بنفس العملية كذلك يتم توزيع الحديد على شاحنات ''طويوتا'' بوزن ملائم هذا بعد جلب الحديد من عنابة عن طريق شاحنات بعربات ذات مقطورة وتوجيهه نحو الشريط الحدودي والذي أهم معاقله بئر العاتر ، وأم علي بولاية تبسة.
مخازن تنام على قنابل موقوتة
بعد تضاءل ونفوق قطعان الماشية في الولايات الشرقية من الوطن والتي كانت الوقود الذي ينشط الشريط الحدودي في عمليات التهريب بإتجاه كل من الجارتين تونس وليبيا استبشر حرس الحدود خيرا لأن عمليات التهريب أصبح من الممكن تطويقها على هذا الشريط الحدودي، كذلك أدى ارتفاع أسعار الماشية وإرتفاع أسعار اللحوم الحمراء بسبب قلتها في السوق المحلية إلى كبح عمليات تهريب الماشية،لأن السوق المحلية وفرت لمربيي المواشي أسعارا تتماشى والتكاليف التي تواجههم خاصة ومواسم الجفاف التي كانت تكبدهم خسائر فادحة، ضف إلى ذلك البرامج الفلاحية التي اعتمدتها وزارة الفلاحة والتي أعطت مربي المواشي قروضا فلاحية لاستغلال الريف وإعادة تعميره، فكان هذا السبب الوجيه هو الذي صرف أنظار شبكات التهريب بالجهة الشرقية عن الشريط الحدودي وتهريب الماشية بإتجاه تونس خاصة، لأن الأسعار في الجزائر أصبحت تصل إلى تطلعات فلاحي ومربي المنطقة، إلى أن جاءت الفوضى التي شهدتها كل من الجارتين ليبيا وتونس في العامين الفارطين، لينشط الشريط الحدودي من جديد تحت الحاجة الملحة لكل ما يتصل بالحياة اليومية في هاتين الدولتين.
بداياتها كانت بالوقود إذ دخل على الخط مافيا جديدة تستثمر في تهريب هذه المادة الحيوية، غير مبالية بالعواقب الوخيمة التي سوف يتكبدها الاقتصاد الوطني، وكذا الحاجة المحلية لهذه المادة الحيوية، هدفها واحد وهو تحقيق الربح وأكبر عائد مادي وفقط، انتهجت هذه المافيا استراتيجية جمع الوقود عن طريق صهاريج لعربات مقطورة من أغلب الولايات والدوائر الشرقية، بدايتها من تبسة ووادي سوف والطارف وقالمة وعنابة، ثم يجمع هذا الوقود ويعاد تخزينه في صهاريج كبيرة ببعض المدن القريبة من الشريط الحدودي، ليوزع على براميل أقل بحجم 10 و20 لتر.
بهذه الطريقة تحولت العديد من الأحياء بعاصمة الولاية تبسة، وبئر العاتر والمريج وعين الزرقاء وبكارية وأم علي والحويجبات إلى مخازن تنام على قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، والتي كثيرا ما تسببت في حوادث مأساوية، كالحريق الذي خلف هلاك شقيقتين بحي المرجة، ناهيك عن الأخطار التي تواجه المهربين في الطريق إلى الحدود، فمن لم يحترق وتتفحم جثته، قد يقبض عليه ويحال إلى السجن.
بعد ذلك تتولى شبكات أخرى عمليات تحويل هذه البراميل الصغيرة بإتجاه كل من ليبيا وتونس عن طريق سيارات بعربات صغيرة ''هيليكس''.. وزادت هذه الحاجة
وارتفاع وتيرة والأحداث التي عرفتها ليبيا وتونس، كل شيء أصبح يقدر بثمن باهض على الجهة الأخرى من الشريط الحدودي، يتساءل البعض كيف مست هذه الأحداث التي شهدتها تونس وليبيا بالجزائر؟ لقد تأثرت الجزائر في اقتصادها وحركتها التجارية الداخلية حيث أصبحت السوق المحلية كل يوم تعاني من اضطراب في التمويل بالمواد الأساسية، وارتفع سعرها في السوق الداخلية، وتضاءلت الحاجة إلى مادة الوقود، وكذا مواد
البناء، حتى الأجهزة الالكترونية والمولدات الكهربائية تم تهريبها باتجاه هذه الدول التي عانت ومازالت تعاني من اضطرابات داخلية.
ندرة في المحولات الكهربائية
فعلى مستوى ولاية أم البواقي وبالضبط بسوق عين فكرون شهدت المحولات الكهربائية في الأيام الماضية ندرة حادة، لأن التهريب مسها باتجاه ليبيا خاصة عندما انقطعت الكهرباء في ظروف الحرب فزادت الحاجة إلى مولدات الكهرباء، إذ يتم اقتناء هذه المحولات من طرف شبكات داخلية والتي بدورها تعمل على تحويلها باتجاه الشريط الحدودي وخاصة (بئر العاتر وأم علي) لتتولى شبكات أخرى عمليات التحويل في تبادل أدوار منتظم، أصبح يؤرق الأجهزة الأمنية على الشريط الحدودي.
وأشد ما يتخوف منه هو استفحال هذه المافيا لأنها يوما بعد يوم تعمق الحاجة الداخلية لهذه المواد الأكثر استهلاكا، وتعمل على رفع أسعارها حتى أصبحت لا تتماشى والقدرة الشرائية للمواطن الجزائري ، فالفلاحون في هذا الموسم توقفت حاصداتهم في الحقول وهم ينتظرون تزويدهم بالوقود، حيث ترى طوابير لا تنتهي كل يوم أمام محطات الوقود، فما يأتي من وقود لتزويد محطات الوقود يحول إلى صهاريج هذه المافيا في ظل تواطؤ عدة أطراف نظير عملات من طرف هؤلاء، ليبقى المواطن البسيط و الفلاحون ينتظرون دورهم في الطابور الذي لا ينتهي.
لم تشهد الجهة الشرقية من الجزائر أزمة تزود بمواد البناء مثلما شهدته في الثلاث سنوات الأخيرة ، هذا وارتفع سعر القنطار من الحديد ليصل إلى مستويات قياسية مقارنة بالسوق المحلية التي من المفترض أن تكون مدعمة من طرف الدولة، ناهيك عن أسعاره في السوق الدولية، خاصة في ظل تزايد الحاجة الداخلية لمادة الحديد والإسمنت وبرامج السكن التي أطلقها رئيس الجمهورية منذ 1999، وخاصة البناء الريفي الذي يميز أغلب بلديات وقرى هذه المدن الحدودية، إلى جانب برامج السكن التساهمي والسكن الهش،
تجاوز أحيانا سعر القنطار من الحديد 10000 دج حيث كان في وقت قريب لا يتجاوز نصف هذا السعر، فأين ذهب الحديد؟؟ لقد تم تهريبه بطريقة أدت إلى استنزاف مقدرات الولايات الشرقية من هذه المادة، الحديد الذي يدره مصنع الحجار، وكذا الحديد المستورد على مستوى ميناء عنابة أغلبه يتم تسريبه على هذا الشريط الحدودي الذي أضحى بمثابة ''مثلث برمودة'' الذي يبتلع كل شيء. المهم في ذلك كله هو عائد مالي كبير تجنيه هذه المافيا من وراء هذا العمل التخريبي الذي يطال مقدرات البلاد من المواد الأساسية، وشل حركة التنمية الداخلية في أغلب الميادين الحيوية (الصناعة، البناء، الفلاحة..).
مادة الدقيق على رأس المواد الغذائية الأكثر تهريبا
عانت الولايات الشرقية في الشهور الماضية من أزمة حادة في بعض المواد الأساسية الأكثر استهلاكا، على غرار مادة الدقيق، فكثر الطلب على هذه المادة الأساسية وارتفاع أسعارها في الأسواق الداخلية إلى أن أصبحت نادرة، فبعض أنواع دقيق مجمع مطاحن عمر بن عمر أصبح مفقودا تقريبا في السوق المحلي بالنظر لجودته العالية والتي جعلته أكثر استهدافا في عمليات التهريب..
تجرع سكان المناطق الشرقية مرارة الاضطرابات التي شهدتها تونس وليبيا ودفعوا من جيوبهم ضريبة باهظة لأن أسعار هذه المواد الأساسية ارتفعت إلى مستويات قياسية في الأسواق الداخلية والتي مازال المواطن يعيشها إلى غاية اليوم خاصة وشهر رمضان حيث سارت الأسعار تقريبا بنفس الوتيرة، فلم تفلح في كبحها لا مديريات التجارة ولا لجان مراقبة الأسعار ولا حتى مصالح الأمن، لأن جشع التاجر أصبح يغذيه الطمع غير المحدود على أن يأتي في كل حين من يستنفذ منهم مخزون المواد الغذائية الموجود عندهم وبأسعار خيالية، بلا مبالاة ولا ضمير يحفظ للمواسم الدينية حرمتها. كذلك البقوليات والمواد الجافة على غرار العدس، الحمص، اللوبيا والعجائن أضحت مفقودة في بعض الولايات الشرقية مثل ولاية تبسة في الأشهر الماضية.
عتاد ''لونساج'' يوجه إلى تهريب مثل الوقود والحديد
أطلقت الدولة الجزائرية مشاريع استثمارية ضخمة لفئة الشباب في العامين الماضيين، أملا في امتصاص ظاهرة البطالة التي تعاني منها أغلب دول العالم الثالث، وفي ظل التسهيلات المقدمة من طرف وكالات تشغيل الشباب، أصبحت عملية دراسة الملفات وكذا استفادة أصحاب المشاريع لا تتطلب وقتا طويلا، ما لوحظ على أغلب المشاريع الاستثمارية التي تقدم بها شباب المنطقة متمثلة في وسائل نقل البضائع وكذا عربات نقل مواد البناء التي دخلت على الخط والمشاريع المرصودة على مستوى بعض الولايات الشرقية مثل الطريق السيار ، وكذا قاعدة الحياة القائمة على مد خط الغاز الطبيعي باتجاه إيطاليا، بمجرد إكتمال أغلب هذه المشاريع أحيلت أغلب هذه العربات على المستودعات، ليعاد بعثها من جديد في عمليات التهريب، فكان لها دورا بارزا في سير عمليات نقل وتوزيع المواد المهربة.
هذه المشاريع التي كان هدفها بناء الاقتصاد الوطني، والتقدم خطوة نحو الأمام وليس استغلالها في استنزاف مقدرات البلاد من مواد البناء وكذا الوقود والمواد الغذائية باتجاه دول أخرى تربطنا بها علاقات جوار.
من أبرز العربات الناشطة عبر هذا الشريط الحدودي سيارات ''تويوتا هيليكس'' التي تستغل بطريقة كبيرة في تهريب الوقود وكذا الحديد.
مغامرات كبيرة على الشريط الحدودي، كل يوم تتم مطاردات على الطريقة البوليسية بين المهربين وحرس الحدود تنتهي في أغلب الحالات بحوادث مرور مميتة أولنشاط التهريب سائقين يتم إنتقاؤهم بمهارة، فهم أدرى بالدروب والمسالك بالمناطق الحدودية للتهرب من مطاردات حرس الحدود وكذا مصالح الأمن، كذلك هذه الفئة تتلقى مبالغ كبيرة جدا نظير كل عربة يتم المرور بها من إلى الخط الحدودي بالجهة المقابلة، وفي الاتجاه المعاكس يعاد تهريب بعض المواد الاستهلاكية كالخضر والفواكه على غرار مادتي الدلاع التونسي الذي أغرق السوق الشرقية منذ الربيع الماضي .
رمضان.. استراحة مقاتل لشبكات التهريب...
تنقص وتيرة التهريب خلال شهر رمضان، وذلك لعدة أسباب من بينها أن سائقي العربات المقطورة وكذا مالكي بعض هذه العربات أغلبهم ينحدرون من بعض الولايات الداخلية مثل سطيف والمسيلة، يتوقفون عن هذا النشاط خلال شهر رمضان، ويتوجهون للصوم وأهاليهم على مستوى هذه الولايات، وما يميز سائقي هذه المدن هو المغامرة وعدم الخوف، كما يكثر الطلب على هذه الفئة، فالسائق هو المحرك الرئيسي لعملية التهريب، ولا يمكن أن تجد من يغامر بحياته في تحويل المواد المهربة ونقلها دون وثائق أو سجل تجاري.
كما تتميز هذه الفئة بالنظر للعديد من الحيل المستعملة من قبل محترفي نشاط التهريب، حتى أنهم عمدوا لتأجير سيارات خاصة ''الفرود'' يوميا للتزود العادي وتقاضي مبلغ يتجاوز5 آلاف دينار عن كل خزان يتم تفريغه بمستودعات المهربين.
ويظل فارق السعر بين الدولتين حافزا قويا لتوسع نشاط تهريب الوقود، زيادة على كون السلطات التونسية لا تمنع ترويج الوقود المهرب داخل أراضيها، حيث يتم بيعه على الأرصفة أو تسليمه لمحطات التوزيع المعتمدة، مما شجع على طلبه من قبل المهربين التونسيين، كما أن الشيء الملفت للإنتباه هو أن مافيا التهريب عادة ما تكون عبارة عن عائلة واحدة قسمتها الحدود بين الجزائر وتونس، وهو ما ساعد على سهولة التعامل وتهريب الوقود، بحيث يتم '' شراء'' الطريق والعباد والجميع متواطئ، وتعمل مافيا التهريب بكل الوسائل والطرق الهوليودية، للهروب من عناصر الدرك والأمن، ووصل بهم الأمر إلى تعيين ووضع أشخاص أمام مفارز الدرك والشرطة، كبائعين للسجائر، مثلما كان الحال مع مافيا التهريب في بلدية بكارية الحدودية، لرصد تحركات عناصر الأمن وكذا الخرجات الميدانية، أعمال شيطانية لا تخطر على بال أحد، حتى أن أغلبهم له استعداد لحرق المركبة وما تحمله من وقود وأموال ووثائق، ووثائقه الشخصية كذلك، ففي أغلب التوقيفات تجد السائق بهوية مجهولة يصعب في أغلب الأوقات تحديدها بدقة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)