أصبحنا نادرا ما نسمع عن ظاهرة «ربط» البنات التي كانت منتشرة بكثرة في الماضي لاسيما في المناطق الداخلية بسبب بعض التقاليد البالية التي كانت تمارسها بعض النسوة فيما يسمى «بربط البنات»، حيث اعتبر الربط الحل الآمن من أجل الحفاظ على عذرية البنت، ومن ثم الحفاظ على شرف العائلة، خاصة في المناطق المعزولة والنائية خوفا على الفتاة من الاغتصاب.أسئلة كثيرة تدور حول الربط الخاص بالبنات وعن كيفية فكه، وهل يؤثر على الفتاة من الناحية النفسية والجسدية، وهل يكون الربط سببا في تعطيلها عن الزواج، وإذا لم يفك، فما هو الحل؟ أسئلة ما كنا لنجد إجابة وافية عنها، إلا باحتكاكنا ببعض المسنات.لقد كانت الأمهات في بعض الأرياف لا يرتحن بإنجابهن للبنات، فكان الربط أول ما تفكر فيه المرأة ظنا منها أنها ستحمي ابنتها من كل سوء.
سألنا بعض النسوة فيما إذا كن يعرفن ما هو الربط؟ فأكدن أنهن يعرفنه، بل منهن من كانت مربوطة وفكت رباطها ليلة زفافها.
تقول نوارة، 47 سنة، أن الربط مفهومه مقتبس من الهدف الذي وجد من أجله، وهو تفادي فض غشاء البكارة وحماية الشرف، وتضيف قائلة في تعريفها للربط: «هو عبارة عن جروح خفيفة على فخذ الفتاة المراد ربطها وذلك عندما تكون صبية صغيرة باستعمال شفرة حلاقة، ثم يؤتى بقفل أو ما يعرف ب «الرمانة» أو مفتاح وتتلفظ المرأة التي تقوم بهذه العملية بكلمات سرية لا أعرفها تحديدا، ثم يغلق القفل أو يحرك المفتاح يمينا أو شمالا حينئذ تصبح البنت محمية من كل محاولة لاغتصابها ولا يمكن ذلك إلا بعد فتح القفل أو تحريك المفتاح أو أكل شيء ممزوج بدم الفتاة».
وتضيف المتحدثة «إن ظاهرة الربط معروفة منذ القدم لاسيما أثناء الاحتلال الفرنسي، أين كان الجنود يتعدون على شرف النساء، فجاء الربط بدافع الحماية أثناء الحروب والاستعمار، ثم عاد للانتشار من جديد بعد الاستقلال وبالتحديد خلال العشرية السوداء في المناطق النائية التي عانت ويلات المجازر».
هذا وأكدت بعض السيدات المسنات ممن جربن الربط فعاليته، حيث تقول جهيدة 59 سنة : «كنا لا نعلم شيئا عن مسألة ربطنا إلا في ليلة الزفاف حين تعلن حالة الطوارئ من أجل فك الربط قبل الدخلة»، وعن مفعول هذا الربط، تقول «إن الاعتداءات حينما تأتي لا تستأذن أحدا، وقد كان له الفضل الربط في حماية شرف العائلات، فالنساء يلجأن إليه كحل لقضية الشرف والعار، وكنا نجهل رأي الشرع حول هذا الموضوع، ولكن حسب المعتقد الاجتماعي فلا شيء يضاهي الفضيحة إذا حلت بالعائلة، فالنظرة للمرأة في الماضي كانت مغايرة لما هي عليه اليوم، كما بقي هذا المعتقد سائدا في العديد من المناطق بخروج الفتيات للتعلم وقطعهن لمسافات طويلة للذهاب للمدرسة، وخوفا من الاعتداءات تقوم أمهاتهن بربطهن لتدرس الفتاة في أمان ولا تشغل بال أمها».
إلا أن جهيدة تؤكد أن الربط بقدر ما هو فعال في وجهة نظر الأمهات، إلا أنه خطير، خاصة إذا ماتت السيدة التي ربطت الفتاة دون أن تعلم أحدا بكيفية فتحها، فكثيرات وقعن ضحية لهذا الخطأ، فلم ينفتح رباطها حتى اتهمت أنها ليست عذراء، أما حاليا فليجأون إلى الرقاة من أجل فك هذا الربطو وعلى أم الفتاة أن تحفظ جيدا حله ولو اضطرها ذلك إلى تدوينه.
نساء تروين تقاليد الربط
حسب ما قالته إحدى السيدات، فإن الفتاة تربط في غالب الأحيان بقفل أو «الكادنا» توضع تحت الوسادة التي تنام فيها خفية في اليوم الأول الذي تربط فيه، ثم تعود لوضعها في نفس المكان في اليوم الذي يقرر فيه فتح الربط، حيث تطلب السيدة التي تريد ربط ابنتها بإحضار القفل أو الكادنا من المحل، شريطة أن لا تسأل عن الثمن، وتشترط أن تكون الفتاة صغيرة، ولم تبلغ بعد، ولا يفتح الربط بعد البلوغ إلا في حال الزواج.
«جهيدة» روت لنا عن الطريقة التي ربطت بها وعن كيفية فتحها، تقول «لم أعلم أنني كنت مربوطة إلا عندما بلغت 17 سنة، أين كان الربط موضوع جلسة نسائية، حيث كانت إحدى الجارات تنصح أخريات بضرورة ربط بناتهن، شارحة ما هو الربط، وما هي فائدته، لتلتفت إلي أمي قائلة للجارة ابنتي هذه ربطتها، تقول عن طريقة ربطها: «أنا ربطت في الحناء ولم أكن أتجاوز 14 سنة، وفي الليلة التي سبقت الزفاف، أخلطت أمي الحناء بالماء لتصبح عجينة، وأذكر أن ذلك يوما قبل ربط حنة العرس صنعت كرية صغيرة في وسط اليد وأمرتني ببلعها، وهذا هو حل الربط الذي ربطت به».
أما السيدة فتيحة، 50 سنة، فتقول: «لا أدري كيف ربطت تحديدا، لكن ما أذكره هو في ليلة زفافي، وفي الليل قامت أمي بكسر حبة بيض علي أن أتخطاها سبع مرات دون أن يراني أو يمر بجانبي رجل، فيما تقول أخريات أن النساء يقمن ببعض الحركات بغرض فك الربط، فهناك من ربطت في قارورة وأخرى في خيط، أما السيدة التي تقوم بربط البنات فيجب أن تكون متقنة لعملها جيدا، فهذا يدخل في إطار السحر، فهناك من تربط الفتاة حفاظا على شرفها، وهناك من تربط الفتاة على الإنجاب، فالسيدات المكلفات بعملية الربط قد يتجهن إلى أفعال خيرة وأخرى شريرة مقابل أثمان خيالية».
أما فيما يخص الفتح، تقول جهيدة: «تقوم السيدة التي قامت بعملية الربط بتدوير القفل على الفتاة مع بعض الكلمات وتوضع تحت الوسادة، ثم تعيدها لتقول السيدة والقفل بين يديها بعض الكلمات ولا يحل القفل إلا يوم الزفاف من طرف الرابطة نفسها، ولكن بالطريقة المعاكسة في حال كان المفتاح هو وسيلة الربط، أي إذا كان التدوير الأول من اليمين إلى اليسار يفك من اليسار إلى اليمين، وتعكس المقولة التي قالتها يوم الربط شريطة أن تجرد الفتاة من كل عقدة في ملابسها من حلي أو حزام اللباس، وكل ما هو في شكل عقدة، وتقول إن لو وجدت في اللباس عقدة ولم تر، فإن الرباط لن يحل»، وتضيف فيما يخص الرابطات أو المختصات في عملية الربط قائلة: «هناك سيدات مختصات في الربط في القفل، وأخريات فيما يعرف بالمنسج الذي يستعمل في صناعة الزرابي، ويقال أنه الأصعب، لأنه على الأم أن تحفظ جيدا طريقة الفتح من خلال تلك الخيوط التي نسجت بطريقة معينة، وكانت النساء تجتنبن الرباط الذي لا يفتح من الرابطة نفسها».
نصيرة، تقول أنها كانت مربوطة، ولما ماتت أمها فكان لا بد من الرجوع إلى السيدة التي قامت بربطها وقد ربطت وظهر الربط في شكل خدوش على رجليها.
الربط يسهل الانحرافات الأخلاقية
أما بالنسبة للفتيات حاليا، فهن لا يعرفن عن مسألة الربط الكثير باستثناء ما سمعنه عن أمهاتهن، ولكن للربط صدى كبيرا عند الجامعيات، حيث تقول بعض الطالبات أن نسبة كبيرة منهن خضعن للربط وهذا لجهل الأهل، وظنا منهم بأنه سيحمي الفتاة من كل سوء، وهو ما قد يدفع البعض إلى انتهاج الطريق الخطأ باعتبار أنهن محصنات، حيث تؤكد إحدى الطالبات أن زميلتها في الدراسة والتي أخبرتها أنها مربوطة، وهذا ما دفعها إلى الشعور بالاطمئنان وإقامة علاقات لا حدود لها مع الشباب، وهذا ما يؤكد أن القضية في الأصل لها علاقة بالمبدأ والتربية، فتربية الفتاة الصحيحة وأخلاقها لا يسمحان لها بالخطأ ويجعلانها تحافظ على شرفها بكل ما أوتيت من قوة، كما أن السيدات في الماضي كن يقمن بربط بناتهن خوفا عليهن من الاغتصاب.
رأي الأخصائيين في موضوع الربط
بالنسبة لعلم النفس، تقول الأخصائية «أم إكرام» لا يوجد أي تفسير علمي لأعمال السحر والشعوذة التي تقع تحت تأثير الجن والشياطين، لأن المحافظة على الشرف تكون من خلال التربية الإسلامية الصحيحة للفتاة من أجل الحفاظ على عرضها، وحثها على الابتعاد عن كل ما قد يجعلها تخسر شرفها.أما طبيبة النساء (ل.م) فتقول أن الظاهرة تناقصت في الوقت الراهن، وعملية الربط ليس لها أي آثار على غشاء البكارة، وأحيانا إذا لم يتم فك الربط نلجأ نحن الأطباء في هذه الحالة لكشف يثبت العذرية ثم نعمد إلى عملية جراحية للمتزوجة من أجل فض بكارتها.
الربط من المنظور الديني
أما من منظور الدين، فيقول الشيخ سعدي، إمام مسجد أن الربط يندرج ضمن أعمال الشعوذة التي يتعامل بها السحرة، وهي محرمة، لأنها شرك بالله، وما يجب إدراكه هو أن التأثير يأتي بقدرة الله ومشيئته، ومن تمارس هذا النوع من السحر لا تقبل صلاتها أربعين يوما، وقد كفرت، وعليها الاغتسال وإعلان الشهادة.
أما بالنسبة للفتيات اللائي ربطن بهذا الربط، فالإثم يقع على من قامت بربطهن، ولكنهن يذنبن في حال يستغللن هذا الرباط للقيام بأفعال مشينة. فالربط الحقيقي هو أن نربط بناتنا بالتربية السليمة والأخلاق الحميدة التي تجعلها تحافظ على شرفها.
إن السبب الرئيسي في تراجع هذه التقاليد البالية هو انتشار الوازع الديني واطلاع العائلات على رأي الشرع في الكثير من الأمور التي كانوا يرون أنها عادية وتيقنت الكثير من السيدات اللواتي تعرضن للربط من قبل الأمهات أن المسألة متعلقة بالتربية والأخلاق لا غير، كما أكدن أنهن لن يستعملن هذا الأسلوب مع بناتهن وسيعتمدن على أسس التربية الصحيحة، لأنها أكبر حصن للفتاة. .
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/10/2011
مضاف من طرف : archives
صاحب المقال : حدة
المصدر : www.essalamonline.com