الجزائر - A la une


انتخابات بلا أمل
من الجزائر إلى العراق، مرورا بمصر وسوريا ولبنان شهدنا وسنشهد خلال الأسابيع القليلة القادمة نوع من الحالة السريالية التي تذكرنا بالكوميديا المبتذلة أو النكات السمجة التي تسمى في عالمنا العربي انتخابات، فيلم هابط يعلم جميع صناعه أنه مجرد كذبة كبرى، حيث يعمل فيه الشعب مجرد كومبارس تتبدى وطنيته في أبهى صورها كلما أقنع صانعي الفيلم أنه يصدق السيناريو المرسوم له بدقة. ينتهي الفيلم، ويعود الممثلون والكومبارس والمخرج والمؤلف، ويرسل قادة الديمقراطيات العريقة بطاقات التهنئة والإشادة بتمثيل البطل الذي عجزت كل نساء العرب أن يلدن مثله. كم هي بائسة هذه الشعوب وهي تجبر أن تصدق كذبة لا يصدقها حتى من اخترعوها، لا شيء يتغير في حياتها، رائحة العفونة هي نفسها التي تنبعث من كل مؤسسات ما يسمى لدينا (دولة)، الحذاء العسكري نفسه الذي أذاق هذه الشعوب مرارة العلقم على مدى عقود، نفس الوجوه الصفراء التي تسرق قوتها جهارا نهارا بدون رادع أو ضمير.سأوفر عليكم أعزائي القراء الذهاب إلى المنجمات، وقراءة الكف والطالع والفنجان، وضرب الودع وقراءة الأبراج ودراسة حركة الأفلاك وسأحقق سبقا صحفيا لم يسبقني إليه أحد، بأن أتوقع لكم نتائج كل الانتخابات العربية. بعد أن أصبح السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجزائر بفوز كاسح تقديرا له على البطالة والفساد، وأنه لم يجد مستشفى واحد يتعالج به في كبوته الصحية سوى مشافي الاستعمار. وعلى ذات المنوال سيفوز السيد عبد الفتاح السيسي تقديرا له على مئات القتلى في رابعة والنهضة، وتحويل مصر إلى تلميذة ومستلهمة للنموذج الكوري الشمالي، حيث الكل يعزف على الطبلة التي ترضي الفرعون الجديد. ليس فقط سيفوز ولكنه سيتجاوز نسبة 82% إلى ما يفوق التسعين، فمصر دائما صاحبة الريادة ولا يمكن أن ترضى أن تكون على نفس النسبة مع الجزائر. في العراق سيفوز السيد نوري المالكي تقديرا له على تحرير العراق، ألم يأت على ظهر الدبابة الأمريكية؟ ألا يلهب اليوم مدينة الفلوجة بكل أنواع الأسلحة الأمريكية ويقدم أوراق إعتماده كمحارب في المعركة المقدسة ضد الإرهاب السني؟. وبمناسبة العراق فقد أثبتنا نحن الشعوب العربية أننا بلغنا حد من التقدم والتطور لم تسبقنا إليه الشعوب الأخرى، فهاهو رئيس يغط في غيبوبة منذ أشهر وكاد الناس ينسوه ومع ذلك الأمور تسير ولا تثريب عليه. وإذا كان كل هؤلاء يقومون بحملات انتخابية غير تقليدية كما وصف السيسي، فإن الرئيس الذي تجاوز في حملته حدود المعقول هو بشار الأسد، فقد وصلت شظايا براميله المتفجرة إلى كل بيت وشارع في الأراضي السورية، وعلى ذلك فهو الوحيد الذي سيستحق نسبة 99.99% بلا منازع، وستسعى الأرامل والثكالى ليبايعن بالدم كما هي العادة. الرئيس الوحيد الذي اعتذر عن اسمه هو اللبناني ولكن تجليات طيفه تجعلني أصفه بالماروني والذي يجمع عليها زعماء قبائل الطوائف، فديمقراطية الوطن الصغير تعطي القبائل لزعمائها، فالدروز ملكية خاصة لوليد بيك جنبلاط والسنة للحريري والشيعة لنصر الله وبري والمسيحيون لجعجع وعون. حسم لبنان الكذبة باكرا وأقنع رعاياه بأن الدولة رجس من عمل الشيطان وأن لا حياة إلا للقبيلة. ويسألونك عن الثورة، ويسألونك عن الربيع، فيجيب أحد الثائرين القدامى الذي تكرش حتى عاد بلا رقبة وأدمن بلاتوهات التلفزة وكرر في كل مرة نفس اللغة المقعرة والخشبية، وكأن الزمن توقف عند صاحبنا منذ نصف قرن، فنحن بالنسبة له لم ندخل زمن العولمة وما زلنا نعيش على أطلال حروب طواحين الهواء، يصيح صاحبنا وقد ملأ الأفق زعيقا (إنها المؤامرة!!)، نعم إنها المؤامرة والدليل آلاف الشبان الذين يموتون كل عام على ضفاف شطآننا حالمين بجنة العرب، والجيوش الغربية تعمل خفر سواحل عندنا وتمنع مواطنيها من الهجرة إلينا! إنها المؤامرة وجامعاتنا تتربع على عرش أفضل الجامعات في العالم! إنها المؤامرة لأن بلداننا حازت على الاستقلال ولم تعد تابعة لهذه الدولة أو تلك! إنها المؤامرة لأننا شعوب ترفل بالحرية والرفاه والكرامة مما جعلنا مثار حسد العالم! عزيزي الثائر دعني أخبرك عن كلب يعيش في فرنسا، ملَّ حياة الرغد فاقترح عليه برلمان الكلاب أن يذهب إلى إحدى بلداننا التي تخضع للمؤامرة، ولكنه عاد بعد شهر غاضبا، فأخبرهم أنه يستطيع أن يفهم أنها بلاد بلا أمن وأنها بلاد بلا طعام ولكن ما لا يستطيع أن يفهمه أنها بلاد حتى النباح ممنوع فيها!نحن في بلاد تشبه زعمائها، تمشي على عكاز أو على كرسي متحرك أو هي بلا مشروع. نحن بلاد كل شيء فيها مكرر، صباحاتنا مكررة، أمسياتنا مكررة، نلدغ من الجحر عشرات المرات وفي كل مرة ندّعي أنها المرة الأولى، نعيش على الرصيف، على هامش الحياة، على هامش التاريخ، أما إذا أردنا أن نستنشق الهواء النظيف فنصبح شعوب مخدوعة، خاضعة للمؤامرة! أما أنتم أيها السادة قادتنا فأنتم نكستنا وهزيمتنا التي تتكرر كل يوم، أنتم المؤامرة التي تحيط بنا من كل جانب، أنتم عملنا السيء المفروض علينا بالإكراه، وفي اللحظة التي سترحلون فيها فإننا سنولد من جديد.رامي الخليفة العلي / باحث في الفلسفة السياسية باريس




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)