كلما ذُكر اسم الأولى يتبادر إلى الأذهان اسم الثانية تلقائيا، بلغتا من التحصيل العلمي درجة التميز، جعلت النظام الثوري بمدينة الفداء قسنطينة يسارع لطلبهما للانضمام للثورة، التي أخذت منهما الروح والجسد، لم تكن تعلم إحداهما بطبيعة العمل الثوري والنضالي لشقيقتها، إلى أن استشهدت الكبرى تحت التعذيب لترجع الأخت الصغرى من فرنسا وتقطع دراستها التي بلغت فيها حد الامتياز وتواصل عمل أختها، وتنتقم من الذي أخذ الأرض ثم الأرواح والعائلة، قبل أن تستشهد هي الأخرى، لتسطرا اسميهما من ذهب وتجعلا كل من ذُكرت على مسامعه عبارة الأختين الشهيدتين يقول لك مريم وفضيلة سعدان.يمكن القول إن التاريخ تحدّث عن فضيلة أكثر من مريم، التي كانت كتومة جدا في عملها الثوري، وقد أدى سقوطها إلى توقف عملها.وُلدت الشهيدة فضيلة سعدان في 10 أفريل 1938، بمدينة قصر البخاري في ولاية المدية، بينما وُلدت الشهيدة مريم في جويلية 1932 بولاية باتنة بواد الماء أصل العائلة. وهي عائلة متعلمة متكونة من ثلاث بنات وولد، اشتغل والدها أستاذا بمدرسة العلماء، بعد سنتين من ولادة فضيلة انتقلت العائلة إلى مدينة الحروش، حيث تفوقت في تعليمها الابتدائي، وفي 1948 انتقلت إلى التعليم المتوسط، قبل أن تنتقل إلى ثانوية الحرية بمنطقة كوديا عاتي بوسط مدينة قسنطينة، دخلت في النظام الفدائي مبكرا، ثم لبت نداء إضراب الطلبة في 19 ماي، ليقبض عليها من بعد ذلك. انتقلت بعدها إلى فرنسا عند ابن عم والدها، لتتحصّل هناك على شهادة البكالوريا، وبتفوق كبير مقارنة مع زميلاتها الفرنسيات، وكانت الأولى في دائرتها وهو ما تحدثت عنه الصحافة الفرنسية، حيث إن استشهاد مريم شقيقتها أرجعها للوطن، وجددت نشاطها النضالي.القبض على فضيلة بتهمة التحريض على إضرابات ماي في قسنطينةأودعت فضيلة سجن الكودية بعد اتهامها بأنها المدبر الرئيسي لإضرابات 19 ماي، حيث تم اعتقالها من الجيش الفرنسي، وظلت هناك ثمانية أشهر، وحصلت على إذن بتميكنها من الحصول على بعض الكتب لمتابعة دراستها. وفي 13 مارس 1957 ألقت السلطات القبض على مريم، التي كانت تشتغل بالمستشفى الجامعي بن باديس كممرضة ومنظمة لخلية الشهيد لعجابي وأخلي سبيلها.بداية النضال مع خلية المجاهد بشير لحماري في الثانويذكرت السيدة ڤمرة طرودي، إحدى الفدائيات اللواتي كوّنهن الشهيد حملاوي، وزوجة المجاهد بشير لحماري قائد خلية سنوات الخمسينيات، أن هذا الأخير وبناء على طلبات النظام الذي كان يحتاج إلى العنصر النسوي المثقف باللغتين العربية والفرنسية، فقد قصد وردة بن عقون التي كانت تتردد على مخزنه لبيع الدقيق وتشتري من عنده، وهي والدة فضيلة بن عياش، والتي كان والدها يشتغل محاميا، وصديقة فضيلة سعدان يتقاسمان الطاولة نفسها بثانوية الأختين سعدان حاليا بمنطقة الكودية، حيث التقى السيدة وردة بمخزن بيع الدقيق بمنطقة ”ميلة صغيرة” بالمدينة القديمة، أواخر 1955، طلب منها أن تدخل معها فرفضت أمها ذلك، وذكرت اسم فضيلة سعدان التي قالت له إنها ترغب في الانضمام للعمل الثوري، حيث لم تتردد في ذلك، وانضمت إلى الخلية وتوسعت خليتها، وأصبحت مع المجاهدة فاطمة طرودي، حيث انطلقتا بالعمل السياسي من خلال توسيع المناشير والتشهير بالثورة ومحاولة ضم أكبر عدد من المناضلين والفدائيين من الجنسين، حيث كانت تقصد محلا ب«فندق الزيت” بالقرب من منطقة الرصيف، تابع لأحد الميزابيين، يقومون بطبع الرسائل يحمل الراية الوطنية، وختم جبهة التحرير الوطني والتحفيز على المشاركة وتمارس عملها، وهي لا تزال تدرس. ثم انضم الشيخ العيد المدعو ”الحلاب” وصالح قديد وبشير ملاح، وبقيت الخلية تنشط.وأرادت غمري نيسا الدخول في النضال إلا أن والدتها رفضت، وبقيت تحاول إلى أن تدخّلت والدتها المسماة ”بخيرة” لدى زوجة لحماري، لكي يجعل ابنتها تتوقف عن العمل، وهنا قام بإرسال رسالة لها وأخذتها فاطمة طرودي للمدعوة ”نيسا”، فشاءت الأقدار أن تسقط الرسالة في أيدي الاستعمار الفرنسي، ليبقى السؤال مطروحا حول من دلّهم على المنزل، حيث قامت هذه الأخيرة برمي الرسالة من أعلى الشرفة فسقطت في أيدي العسكر الفرنسي، فكشفت الخلية، حيث تم القبض على البشير لحماري الذي بقي تحت التعذيب واقتلعت أسنانه وظل بالسجن إلى غاية الاستقلال.لتستطرد السيدة ڤمرة أنها توجهت صباحا إلى منزل شقيقتها، لتخبرها بأن الخلية اكتشفت ويجب إنذار جميع الفدائيين، بمن فيهم فضيلة سعدان التي كانت تتردد على بيت أحد معارفها، حيث التقتا في المساء وأخبرتها بالأمر، إلا أنها رفضت التوجه إلى الجبل أو الهروب. ثم ألقي القبض على فضيلة في الليلة ذاتها في منزل والدتها، وأخذوها إلى مركز شرطة بحي ”رحبة الصوف”، ثم ألقي القبض على بن عزوز وزهرة غريب ليلة عرسها والكثير من العاملين في الخلية، حيث وُضع لها محام يهودي يدعى ”طوبيانة” من قِبل أمها عن تهمة المساس بأمن الدولة، ثم مكثت فضيلة في السجن من نوفمبر 1956 إلى غاية سنة 1957، واستفادت من قانون القصّر الذي لا يتجاوز سن الواحد والعشرين سنة قبل التوجه إلى فرنسا، لتعود بعدها بعد وفاة أختها وانضمت إلى العمل الفدائي مع الشهيد حملاوي الذي كان يقود الفداء بالمدينة.بعدها جاء الأمر من القيادة من أجل تقسيم الخلايا، حيث قاد عبد الحميد كروش خلية، وجددت الاتصالات مع بعض القيادات فأصبحت فضيلة مع قيقاية، والتقت مع بعض من نزلوا من الجبل بعد أن استشهدت العديد من الأسماء بالمدينة وأصبحت المدينة تحتاجهم، على غرار رواق السعيد المدعو عمار وقيقاية الذين شكلوا خلية رفقة مليكة بن الشيخ، والذين نفذوا الكثير من العمليات واختبأوا في دار بالرصيف التي تعدّ مركزا قبل خروجهم عن البحث عن مراكز أخرى، حيث تمت خيانتهم من قِبل امرأة حسب جميع الشهود، ولم يتم تحديد هويتها رغم الشكوك التي حامت حول اسم السيدة، حيث بدأ إطلاق النار بين الشرطة الفرنسية والمجاهدين ليلة استشهادهم بعد رفضهم الخروج، حيث كان قيقاية ماط وفضيلة ورواق كولط ومليكة دون سلاح، وأرادوا الهروب عبر السقف فماتت فضيلة بالرصاص وقبض على قيقاية حيا وقتل بسجن امزيان، ورواق ومليكة اختبآ في محل بربارة، وحفروا ثقبا ونزلوا إلى المحل، إلى أن تفطن لهم الاستعمار وفق المعلومات المتوفرة لديهم عن وجود أربعة أشخاص، حيث رموا قنبلة فأصيبت مليكة في رجلها.. كانت جميلة واجتماعية وكثيرة العلم خفيفة الروح شجاعة.مريم توفيت سبعة أشهر بعد عودتهاذكرت السيدة طرودي أن مريم سعدان دخلت إلى النضال بعد أختها فضيلة، كما أكدت شقيقتها السيدة عزيزة سعدان، حرم بلهايث، أن مريم كانت كتومة جدا مقارنة مع شقيقتها، حيث دخلت النضال بعد شقيقتها، لتنضم بعد مشوار كان يؤهلها لأن تصبح قابلة إلا أن السياسة الفرنسية منعتها ممن ذلك، فاشتغلت ممرضة، وانضمت إلى خلية مع عدد من الأشخاص من بينهم العجابي بالمستشفى، حيث كانت تقوم بتسريب الأدوية والتوجه للجبل لمداواة الجرحى من المجاهدين مع توزيع المنشورات بالمستشفى الجامعي بن باديس.وتمّ القبض على مريم المرة الأولى ثم الثانية مع 13 شخصا، وتم تعذيبها بشكل كبير بسجن حامة قبل تحويلها إلى سجن امزيان، وجاء خبر بأن جثتها تم تحويلها إلى مصلحة حفظ الجثث، إلا أن أعضاء من الخلية ذاتها أكدوا عدم وجودها.العسكر كاد يقبض على فضيلة سعدان وحملاوي في حي ”طريق جديدة”قالت السيدة جميلة قلال إن الخلايا كانت منظمة على أساس سبعة أشخاص لا يعرفون بعضهم، وأكدت على أنها التقت مع فضيلة صدفة، بعد لقاء مع حملاوي والرشيد بوالرغود وفضيلة وفاطمة نويوة وحملاوي، يقودهم حسان أخو بشير بوالرغود الذي كان يعمل طبيبا ويحمل بطاقة المرور، وتوقفوا بالقرب من حي العربي بن مهيدي ”طريق جديدة” وقيقاية، حيث توقف الطبيب أمام سد العسكر، فاعتقد حملاوي أن العسكر من قام بتوقيفهم، فسارع لإطلاق النار بعد أن انتزع سلاح فضيلة التي كان حول رقبتها، وهرب في سلالم جسر ملاح سليمان الآن، فيما هربت فضيلة وفاطمة اللتان كانت ترتديان الملاية إلى أحد المحلات وتمكنتا من تمويه الفرنسيين بعد ارتدائهما للباس عصري يشبه لباس الفرنسيات، وهي الحادثة التي وقعت في 1957.وقد عملت فضيلة كثيرا في قسنطينة واتصلت بالكثيرين وهربت الكثير من السلاح، كما أن أعمالها ظلت مخفية لأنها فدائية وتم كشفها من قبل، وتنتمي إلى المجموعة التي قادت الإضراب في 19 ماي، ودعت إلى الصعود للجبل.وقالت السيدة جميلة قلال إنه بعد التحقيق الذي قام به الفدائيون مع أهل الدار وصفوا امرأة معروفة سبقت وأن زارت المجموعة قبل وفاتها مرتدية قشابية وأراد مسعود بوجريو قتلها، كما قالت إنها لم تر شابة مثل فضيلة في حب الوطن والدفاع عنه، خاصة عندما تحكي على وفاة أختها غدرا، وقالت إنها كانت تزور والدتها خفية، وأحيانا كن يرتدين ”الملاية” لكي تتمكن من رؤيتها في أماكن لا تخاف أن يتم الإخبار فيها عنها، وقالت إنها كانت مبحوثا عنها من قِبل الفرنسيين، حيث إنه يوم قبض عليها وحوّلت إلى سجن امزيان تمت مساءلتها عن فضيلة سعدان عن طريق صورتها.استغلت منزل ابن عمها لمواصلة الكفاحأول ما قالته شقيقة الأختين سعدان الكبرى، البالغة من العمر 84 سنة، المتبقية الوحيدة من العائلة، حين قصدنا منزلها، إننا تأخرنا مدة خمسين سنة عن إحياء ذكرى شقيقتيها. وفي حديثها عن مريم قالت ”كنا ندرس في مدرسة ”لافرون” بمنطقة الشط إلى غاية المتوسط، وأكملت دراستها في ثانوية الأختين سعدان حاليا، ومن بعدها عملت مريم كثيرا قبل فضيلة، ثم عملت ممرضة وكانت عضوة في الصليب الأحمر الفرنسي، وقالت إن نضالهم كان خفيا جدا ولا تعلم الأخرى بعمل أختها”.وذكرت السيدة عزيزة أن بن عمتها، الذي أقامت عنده فضيلة في فرنسا، قال لوالدتها خديجة، حيث كان يعمل سائق شاحنات، إنه وجد السلاح مخبأ في منزله من قبل فضيلة دون علمه، حيث لم تنقطع عن الكفاح ”وأن سريرها كان قنبلة، ولم تتوقف في أي مكان، حيث يحكي المتعربون أنها تتوجه إلى الجزائريين المغتربين وتؤنبهم كل مرة وتحثهم على محارب الاستعمار، وتحدثوا عن أعمال سرية لا يعرفها أحد.وتضيف السيدة عزيزة ”كان والدنا وكيل جمهورية وعضوا في جمعية العلماء المسلمين، وكان له موقف بعد أن حُكم زورا على بعض الجزائريين رفقة عمها الدكتور سعدان الذي استشهد، حيث تم الانتقال إلى عين مليلة ثم اشتغل كمدرس في قصر البخاري، بعد أن توفي الوالد في 1942 عادوا إلى عين مليلة، وبعد وفاته ذهبنا إلى الحروش عند خالنا، وأكملنا الدراسة، ثم تم الانتقال إلى قسنطينة في أوت 1955 بعد وفاة الخال، وكان من المفروض أن يشتغل الوالد كمدير لمدرسة الشط للتربية والتعليم. نحن خمسة أبناء: توفيت بنت وولد، وفضيلة سعدان هي الصغرى، وسكنوا بمنطقة لارو دوبيانفي”. وأضافت ”تفطنا إلى أن فضيلة مع الثورة، وقصدنا تونس في 1956 من اجل التصييف، حيث تفاجأنا ببعض الأشخاص المنتمين للنضال يطلبون من فضيلة الدخول معهم إلى النضال. وهنا تساءلت الوالدة حول كيفية الوصول إليها، وتأكدنا بأن لها علاقات في العمل النضالي، فأسرعت الوالدة للرجوع بها إلى قسنطينة”.ثم أشارت السيدة عزيزة إلى أن أختها مريم كانت عضوا في الاتحاد العام للعمال الجزائريين تعمل في المستشفى، وتم القبض عليها لأول مرة وأخذوها من المنزل، حيث أخذت إلى سجن حامة بوزيان ثم امزيان في المرة الأولى وقعدت ثلاث أشهر، ثم أخذت المرة الثانية رفقة 12 ممرضا منهم فيلالي بعد سقوط وصفة طبية لها كانت في يد السكرتير العام لمسعود بوجريو وتكاتبت معه، حيث سقط مكتوب لها بعد مقتل بن خباب كروم الذي كان يوصل بينهما وقبض عليها في 1958 وظلت في السجن، ولم يتم التعرف على حالها ومصيرها رغم خبر قتلها من شدة التعذيب، بينما قال آخرون إنه تم قنصها إلى غاية الاستقلال في وقت بيجار في عشرين مارس 1958 إبان تشديد الخناق، حيث لم تصل سوى رسالة واحدة تصف فيها حالتها لأمها قبل وفاتها ورسالة أخرى لم تسلم للعائلة”.وتشير بعض الشهادات التي أوردها مجاهدون إلى أنه تمّ نقل رفات 45 شهيدا كانت مدفونة تحت جسر بعين اعبيد، وهناك مصادر تتحدث عن وجود رفات مريم سعدان بينها، لكن تبقى معلومة غير مؤكدة، بعد خمسين سنة، حسب ما يقوله ابن مسعود بوجريو.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/02/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : وردة نوري
المصدر : www.elkhabar.com