«الوعدات».. عادات متأصّلة تصنع الفرجة في تلمسان
حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط طباعة إرسال كن أول من يعلق!
تعد الاحتفالات الشعبية «الوعدات» المنظمة بكثرة، نهاية شهر أوت الجاري، عبر كامل أرجاء ولاية تلمسان من العادات والتقاليد المتأصلة التي تصنع الفرجة وأجواء من البهجة، خلال هذه الفترة، من موسم الصيف التي تعرف تدفق أعداد كبيرة من السياح.
بالفعل، يشكل إحياء هذه «الوعدات» أو»الموسم» من العادات والتقاليد المتجذرة التي تأبى الاندثار، عبر مختلف مناطق الولاية حيث تنظم كل سنة وترمز لنهاية موسم الحصاد والدرس وتشكل موعدا هاما لسكان المنطقة أو أفراد القبيلة الواحدة الذين يتقاسمون على مدار يومين أو أكثر، أجواء احتفالية بهيجة تتميز باللحمة والترابط ما بين العائلات والأصدقاء.
تميز هذه الاحتفالات -بحسب الحاج قويدر الذي اعتاد حضور مثل هذه المواعيد الثراتية بمنطقة سبدو- الذكرى السنوية للولي الصالح لكل منطقة على غرار أولاد نهار حيث يطلق على الوعدة اسم الولي الصالح لهذه القبيلة وهو سيدي يحيى في حين أن بني أورنيد فيسمونها سيدي عفيف وأولاد أورياش يطلقون عليها اسم الولي الصالح سيدي الطاهر ووعدة مولاي الشيخ الطيب بالنسبة لأولاد ميمون، فضلا عن بني وزان وبني واسين وبني صميل وباقي مناطق ولاية تلمسان.
أضاف ذات المتحدث أن الوعدات عادة ما تنظم بالمواقع القريبة من ضريح الولي الصالح لكل قبيلة الذي يعرف بالمناسبة إقبالا ملفتا من طرف الزوار حيث يتم نصب خيمة كبيرة يتم فيها تنظيم جلسات لترتيل القرآن الكريم من طرف المقرئين والشيوخ.
كما تشكل هذه الوعدات فرصة مواتية من أجل لمّ الشمل وإصلاح ذات البين وفضّ كل النزاعات القائمة ما بين الأشخاص أو العائلات المتخاصمة التي تجتمع وتتقاسم سوية طبق الكسكسي التقليدي الذي تشترك في تحضيره نساء كل القبيلة.
يتم إعداد طبق الكسكسي لكافة الضيوف الحاضرين الذين يقبلون على الوعدة سواء من المنطقة أو القادمين من ولايات أخرى في أجواء احتفالية مميزة تبرز كرم وجود أهل المنطقة.
أشار الشيخ بومشرة محمد، أستاذ في الشريعة بدار الحديث بتلمسان، أن هذه «المواسم» تشكل فرصة مناسبة لتعزيز الروابط الاجتماعية والتضامنية ما بين أفراد القبيلة أو المنطقة، وهو ما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث الناس على الاتحاد والتآخي،مبرزا أن خلال هذه «الوعدات» يتم فضّ النزاعات القائمة ما بين أفراد القبيلة والعائلات وإصلاح ذات البين ونشر قيم التسامح والمصالحة التي يدعو إليها ديننا الحنيف.
تنظم هذه المناسبات كذلك لاستحضار الخصال النبيلة لشيوخ القبائل والأولياء الصالحين وحياتهم المثالية التي سخّروها لخدمة غيرهم، كما أشار إليه الشيخ بومشرة.
من جهتها، أشارت صليحة صالي، الباحثة في المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لوهران، إن «الوعدات» تنظم للمحافظة على عادات وتقاليد أجداد القبيلة التي تنظم نهاية كل موسم حصاد ودرس عشاء يجمع أفراد كل قبيلة إلى جانب الضيوف.
يتم خلال هذه اللقاءات فضّ النزاعات وتسوية قضايا اجتماعية أخرى على غرار الطلاق والزواج والإرث وغيرها، وفق ذات الجامعية، مشيرة إلى أن «الوعدات» أصبحت من الاحتفالات الأكثر جمعا للناس والتي يتم فيها تثمين وترقية التراث الشعبي.
الفنتازيا: العرض الممّيز يستهوي الحاضرين
فضلا عن الجانبين الديني والتقليدي، تتضمن «الوعدات» عروضا شيّقة مستوحاة من التراث الوطني على غرار عروض الخيّالة التقليدية (الفانتازيا) التي تشكل بلا منازع جانبا هاما من هذه الاحتفالات.
تقدم فرق الخيالة التي تتشكل من خمسة فرسان فما فوق والمعروفة محليا بـ «العلفة» والتي تمثل في الغالب مختلف المناطق أو القبائل،استعراضات تتجلى فيها براعة الفرسان والخيول، حيث تسعى كل فرقة إلى التميز لتكون الأجدر وفي مستوى هذا الحدث وتختم عرضها في الأخير بطلقات بارود متناغمة معلنة عن نهاية السباق.
تتميز كل فرقة خيّالة بلباسها التقليدي الأصيل المتكوّن من الشاشية أو المظلة (قبعة)، بالإضافة إلى الخف (الحذاء التقليدي) وكذا الجلابة أو البرنوس من مختلف الألوان.
كما تجذب هذه العروض هواة التصوير الفوتوغرافي الذين يأتون من مختلف الأرجاء لالتقاط صور تذكارية للحدث على غرار عبد القادر وزهير وناصر القادمين من الجزائر العاصمة وبوسعادة وتيارت على التوالي وغيرهم من المصوّرين من الهواة والمحترفين الحاضرين الذين يرون في سباق الخيّالة من العروض المميّزة.
«منذ سنوات ونحن نرتحل لالتقاط الصور الخاصة بسباق فرق الخيالة ولا نتأخر عن أي موعد. نشعر بسعادة كبيرة بتواجدنا في مثل هذه الاحتفالات وحضور هذا السباق المميز الذي تتجلى فيه براعة الفارس والجواد»، بحسب ما أوضحه هؤلاء المصوّرون، مشيرين إلى أن»بلادنا تزخر بموروث مادي ولامادي في غاية الأهمية».
كما تشكل احتفالات «الوعدات» فرصة هامة أمام محبي الفلكلور والرقص التقليدي على إيقاع البندير والقلال والقصبة حيث يقبل العديد من هواة الموسيقى للاستمتاع بعروض الفلكلور التي تتواصل لساعات متأخرة من الليل على وقع الرقص الفلكلوري لـ «العلاوي» و»الصف» والدار» وذلك في أجواء بهيجة يتقاسمونها لأوقات طويلة مع العائلات والأصدقاء.
تعدّ الوعدات فرصة سانحة للباعة المتجوّلين الذين يجدون ضالتهم بنصب أسواق شعبية في الهواء الطلق بقلب مواقع الاحتفال لتسويق مختلف المنتجات التقليدية المحلية على غرار الأزياء التقليدية والخضر و الفواكه وكذلك العقاقير وغيرها التي تعرض على الجموع الغفيرة من الحاضرين.
تمثل هذه الاحتفالات الشعبية جزءا هاما من التراث المادي وغير المادي لهذه المنطقة من غرب البلاد والذي يستدعي المحافظة عليه وترقيته، بحسب ما أبرزه علي وهو فنان من تلمسان متعلق كثيرا بالعادات والتقاليد والتراث الوطني.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/02/2023
مضاف من طرف : tlemcen2011
المصدر : الشعب الجمعة 30 أوث 2019