الجزائر

الواقع المصري والذكريات



الواقع المصري والذكريات
هل يفكر اللاجئ العربي الموجود في المخيمات على الحدود أو داخل أسوار معتقلات استقبال اللاجئين في أوروبا في تشكيلة البرلمان الذي يحلم به في بلاده؟ يكاد السؤال يكون هزلياً، فاللاجئ الذي فرّ من سورية أو العراق أو ليبيا أو اليمن يبحث عن الأمان والمأكل والملبس والحماية من المرض والبرد والموت، ويأمل بتأشيرة دخول وبيت وفرصة عمل. أما البرلمان وشكل الحكم وطبيعة النظام السياسي وتحالفات النخب والأحزاب السياسية ونظافة الشوارع وتوافر السلع وازدحام المرور فصارت بالنسبة إليه مجرد ذكريات.قُل على الانتخابات البرلمانية المصرية ما تشاء، لكن هذا لا ينفي أن مصر أنجزت الخطوة الثالثة من خريطة الطريق السياسية، بعدما مرت بفترة عصيبة لم تكن فيها الظروف مهيأة قط لتحقيق الاستحقاق البرلماني. انتقد عزوف الناس عن المشاركة بكثافة في عملية الاقتراع، لكن ذلك لن يوقف إجراءات قيد النواب الفائزين في الانتخابات ودخولهم القاعة الشهيرة لمقر البرلمان في منطقة قصر العيني. يمكنك أن تسخر من مستويات بعض النواب وانتماءاتهم السياسية المتقلبة أو مواقفهم العملية المتغيرة، لكن هذا لن يخلع عنهم صفة النائب البرلماني، أو ينزع حقوقهم في توجيه الاستجوابات وطلبات الإحاطة إلى الوزراء والمسؤولين في الحكومة. تستطيع أن تسخر من التركيبة السياسية داخل البرلمان، وغياب الثقل الفعلي لأي كتلة أو حزب، لكن هذا لا يعني أن البرلمان تحقق بألاعيب أو حيل مارسها نظام الحكم أو أجهزة الأمن، كما كانت الحال في العقود السابقة.اندهش من أداء بعض النواب أو طريقة الحديث لديهم أو غياب الثقافة عن بعضهم، لكن المؤكد أنك لن تجد في البرلمان الجديد نائباً يرفع أذان الصلاة في وسط الجلسات. اجلس أمام الفضائيات المصرية واسمع وشاهد محترفي التحليل السياسي والبرلماني وهم يعرضون عليك رؤاهم للبرلمان الجديد، والقوانين التي سيقرها وصراعات الكتل السياسية والأحزاب داخله وستفاجأ بعدها بأن كل ما سمعته لا يعبر عن واقع جديد تعيشه مصر، وأن ما شاهدته ليس أكثر من ”مكلمة” انفجرت في وجوه المواطنين المصريين منذ كانون الثاني (يناير) 2011، ولم يكن لانفجارها إلا نتائج سلبية.تابع اصطياد ”الإخوان” لكل خطأ وأي تصرف داخل البرلمان، وكل كلمة ينطق بها نائب، وكل مشهد تنقله شاشات التلفزيون، وكل صورة يلتقطها مصور. طالع كل مقال يُكتب في صحيفة ”إخوانية” تصدر في الخارج، أو خبر في موقع إلكتروني ”إخواني” يُبث من الخارج أو الداخل، واقرأ حملات التشهير بالنواب والبرلمان والسخرية من النقاش داخله، لكن هذا لا يجعلك تتوقع أن يعود ”الإخوان” إلى السلطة، أو تعتقد أن محمد مرسي سيجلس مجدداً على المقعد الرئاسي، أو أن قاعة البرلمان ستستقبل قريباً نواباً ينتظرون التعليمات من المرشد.اجلس أمام جهاز الكومبيوتر وجُل بين صفحات الناشطين و ”الثورجية” على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاحظ عفويتهم وضيقهم وضجرهم من اكتمال خريطة الطريق، وهم ليسوا جزءاً منها، واضحك على سخريتهم من كل نائب وكل ناخب وتقبل، ولو على مضض، تجاوزاتهم ”اللفظية” في حق كل من يعارضونه، وتطاولهم على مخالفيهم في الرأي والموقف، ثم اتركهم على حالهم فهُم لم يعودوا مؤثرين وسيبقون هكذا طالما اختاروا العزلة عن الشعب والوطن.تابع مواقف بعض الجهات الغربية التي لن يعجبها اكتمال أركان الدولة في مصر وعبور البلد معضلات وأزمات وتداعيات ”الربيع العربي”، لكن لا تعوّل على أي طرف خارجي، فمصر تسترد مكانتها ولو على مراحل، بعدما تخطت مرحلة الخطورة ونجت من التفكك والتقسيم، واحتفظت بجيشها ليحمل البلد على أكتافه.من حقك أن تعتقد بأن هذا البرلمان ليس هو ما تستحقه مصر بعد كل ما جرى، واحتفظ بأملك في ديموقراطية حقيقية وأحزاب سياسية لها حضور بين الناس ونواب يعبرون عن المواطنين وحياة سياسية ثرية، لكن أعلم أن هذا لن يتحقق سريعاً، وأن الوصول إليه يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد. انظر حولك من دون أن تخشى سخرية ”الإخوان” و ”الثورجية” منك، لتدرك أن لديك بلداً وأرضاً وشعباً وسلطة وقانوناً وشرطة وقضاء وبرلماناً قد لا تكون كلها كما تتمنى لبلدك من حيث الكفاءة أو المستوى لكنك تعيش واقعاً يمكنك تغييره، بينما شعوب أخرى تتمنى مثله وتأمل لو كانت انتصرت على شظايا ”الربيع العربي” قبل أن تهيم في بقاع الأرض ومخيمات اللاجئين.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)