الجزائر

الهمجية والحضارة ..



الهمجية والحضارة ..
في العام الماضي ، في ليلة ربيعية حوالي الساعة العاشرة ليلاً ، بقيت أنا ، أبي وأمي في المطبخ ، بعد أن ذهب اخوتي الصغار الى النوم... وقد كنت منهمكاً في قراءة الفصول الأخيرة من رواية للمازني...وقد أعجبني موضوعها فكنت أحملها أينما أذهب أو أجلس...وكان أبي يتناول عشاءه ، وأمي تنتظر لكي تنهي غسل الأواني...ابتسم والدي ثم قال : ما أطيب الهنود الحمر !نظرت اليه مستغرباً فأنا أعرف بأن أبي شغوف بأفلام رعاة البقر الامريكية ، وكان لا يفوت أي فيلم يبثه التلفزيون ....واصل أبي حديثه : - منذ أسبوع شاهدت فيلما عن كريستوف كولمبوس ، انتج منذ مدة ، منذ عشرين سنة ، سنة 1992 ، فيلم قديم ربما انتج بمناسبة مرور 500 سنة على اكتشاف امريكا... وهو فيلم امريكي على ما أظن .... وكريستوف أنت تعرفه! يا احسان...- اعرفه ...قرأت عنه كتابا من سلسلة عباقرة خالدون... مات وهو لا يعرف بأنه اكتشف قارة جديدة ...سميت باسم مغامر اخر جاء بعده بسنوات...- وهل تعرف يا ولدي..أنه لم يؤثر في من الفيلم الطويل الذي تجاوز الساعتين إلا لقطة واحدة... وهي استقبال الهنود الحمر في سان سلفادور للأسبان يتقدمهم كولومبس.... بالترحاب والفضول ...ترحيب لم يرحب به اي شعب أخر لشعب اخر يعرفه أو يجهله ! لو كان الهنود حقيقة برابرة ومتوحشين لكان كريستوف ورحلته دفنا من الوهلة الأولى..كان بإمكان الهنود وهم أصحاب الأرض ، والعدد الكبير أن يقضوا على كولومبس وطاقمه في اول لحظة تطأ فيها أقدامهم الارض الجديدة والمجهولة بالنسبة للأسبان!... يُقبر كريستوف وطاقمه..وما ذا سيقولون في اسبانيا... محتال ونال جزاءه..هل يبحثون عنه ؟...يقولون وصل الى الصين أو الهند....ابتلعه البحر..العاصف... في الحقيقة لم أعرف اهي طيبة الهنود أم هو حظ الاسبان والانجليز! نظرت اليه ولم اقل شيئا فواصل هو كلامه :-الرجل الأبيض هو المتوحش والبربري...ليس بما يفعله في العراق و افغانستان .. وإنما اباد الهنود الحمر ثم اجتث السود من قارتهم وأرضهم لكي يحلوا محل الهنود... ويقوموا بأعمال السخرة الشاقة! اباد شعوب بأكملها استقبلته بالترحاب والهدايا....قاطعته أمي : - ان اي سلام وبربرية...اني تعبانه وأريد أن أنام...اسرع وأكمل عشائك!- لكن يا أبي ..أنت تحب ....مشاهدة افلام الوسترن المكرسة اساسا لإعلاء الرجل الابيض! والهنود الحمر ما هم الا متوحشون ومخادعين... نظر الي وابتسم ثم نهض وقال:-اكمل قراءة كتابك! لم تفهمني! !.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)