الجزائر

الهروب إلى الأوهام



من بين ما قاله الشاعر والناقد الأدبي الروماني هوراس ''من يعيش في خوف لن يكون حرا''، بينما قال سيد قطب ''لا سلام لعالم ضمير الفرد فيه لا يستمتع بالسلام''. إذًا هذه الكلمة مجرد توطئة لولوج مواضيع حساسة يراد لها ألا تثار، لأن القصد هو أن يبقى الفرد في هذه الأرض عيبا من عيوب الإحصاء، أو مجرد رقم من الأرقام. فحينما يشتكي الرجل الرابع في البلاد، وإن جاء ذلك في سياق الخطاب المشفر الموجه لدواع وحسابات سياسية، بأن قوى المال قد طغت وتجبرت، وهي التي تهيمن، فإن الأحرى أن يستوقفنا ذلك، لأن منطق توزيع الريع في الجزائر هو الذي حوّلها إلى دولة جامدة، تنعدم فيها روح الإبداع والابتكار ومنطق الاتكالية والتسيب، يضاف إليها الجمود الذي أريد تكريسه على كافة المستويات والمؤسسات، ضمانا للمصالح، إذ كما يقول أحد مهندسي انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، جون موني، الناس لا تقبل بالتغيير إلا في حالات الضرورة، ولا يرون الضرورة إلا في حالة الأزمات. ولقد كرس الجمود، الذي اعترى جميع المؤسسات، حالة من التسيب والفوضى، واللامبالاة، وعدم الشعور بالمسؤولية، لأن الأساس هو الإبقاء على المصلحة، والاستفادة من الريع الذي ينتج الأوهام، ولتظل الرداءة تعيد إنتاج نفسها، وتجلياتها كثيرة.. طرق مهترئة، بنايات فوضوية، أرصفة محطمة، أريفة للمدن، ومفارقات عجيبة لا تزال سارية، دون أن يوجد لها الجواب الشافي. فكيف يمكن إقناع شاب جزائري بأنه مواطن كامل الحقوق، بعد نصف قرن من الاستقلال، وهو يلزم، فرضا، بتقديم رخصة مجاهد ليقوم بنشاط اقتصادي وتجاري مثل سائق طاكسي أو حمّام؟! وما الدافع أو المغزى في اختزال حقوق المجاهد في رخصة يتسوق بها؟! وهل لهذه الدرجة غاب عنا العقل والمنطق؟ أليس فيكم رجل رشيد؟! آلاف الشباب، إما غارق، أو حراف، أو محروق بنار، والبقية تائهة لا تدري ما هي وجهة الخلاص، وما هو دورها الفعلي إذا كانت مغيّبة ومهمشة من المتنوّرين، الذين يختزلون الأمر في منطق لا أريكم إلا ما أرى. فإذا كنا، بعد خمسين سنة من الزمن، لم ننجح في تحديد معالم مؤسسات فعلية قائمة بذاتها وتتمتع بالمصداقية، فمتى يكون لنا ذلك؟! وكما قال عالم الوراثة الأمريكي، جورج بيدل ''الحقيقة دائما تؤلم من تعوّد على الأوهام''. إن عظمة الأمم تقاس بثرواتها الفكرية والإبداعية، وبعلومها وصيانة حقوق شعوبها، وضمان التوازن والاعتدال، وهو ما أدركته أمم مثل ماليزيا في عهد مهاتير محمد، وهو ما عبّر عنه آلان توران بقوله إن المجتمع الذي لا يفكر لا يمكنه إلا أن يغرق في الانحطاط ببطء أو بطريقة فجائية، وهنا سيكون السقوط إلى الهاوية ثقيلا، وإعادة الإصلاح، والبناء شاقة وصعبة.. ونهاية الأمر ما قاله آدم سميث، في مؤلفه بحث حول طبيعة وأسباب ثراء الأمم، ''لا يمكن لأي مجتمع أن يرتقي، وأن يكون سعيدا، حينما يكون أكبر جزء من أعضائه فقيرا وبائسا''..
soualilia@yahoo.com




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)