الجزائر

النفط يفجّر علاقات الخرطوم بجوبا حرب جديدة على الأبواب بين السودان وجمهورية الجنوب



لم ينته استقلال جنوب السودان عن شماله، في شهر جويلية 1102، إلى السلام المنشود، وطي ملف الحرب بشكل نهائي. فاستقل الجنوب ولم تغلق ملفات النزاع بين الخرطوم وجوبا وعلى رأسها قضايا النفط والحدود والديون. وطيلة تسعة أشهر من ترسيم الانفصال تبادل الطرفان التهم، بإفشال المفاوضات الخاصة بالوضع النهائي. لكن الحروب الكلامية بدأت تترجم على أرض الواقع وانتقل الخلاف من الكلمات إلى الرصاص والقصف، وفي أحدث مسلسل المواجهات، قيام جنوب السودان بالتوغل داخل الأراضي السودانية والسيطرة على حقل هجليج الإستراتيجي بالنسبة للخرطوم، ما جعل طبول الحرب تقرع على أبواب الإخوة الأعداء. الشرارة الأولى من ''هجليج''
عندما يتحوّل النفط إلى نقمة

يستمر تبادل التهم بين دولة السودان وجمهورية جنوب السودان بشأن تدهور الأوضاع على طول الشريط الحدودي بين الدولتين، فالشمال يصر على استعادة منطقة ''هجليج'' النفطية، ويؤكد أن أعداد المتضررين من الأحداث الدائرة بولاية جنوب كردفان، حيث تقع المنطقة النفطية المتنازع عليها، بلغ حوالي 30 ألف شخص.

 تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تتواصل فيه تنديدات المجتمع الدولي بالتصعيد بين الدولتين، خشية أن يتحول الصراع إلى حرب شاملة في المنطقة، والحال أن عودة النزاع في الفترة الأخيرة كان متوقعا بالنظر لحجم الخلافات العالقة بين السودان ودولة الجنوب الحديثة، بعد أقل من سنة عن إعلان الانفصال في 9 جويلية من السنة الماضية، على اعتبار أن هناك من المسائل الحيوية بالنسبة للدولتين لم يتم الفصل فيها بعد، وفي مقدمتها مسألة ترسيم الحدود، وتقاسم مياه النيل، وتقاسم الديون الوطنية السابقة والنفط، إلى جانب مسائل متعلقة بنقل مواطني الجنوب المتمركزين بالشمال ومنح الجنسية، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من السودانيين الذين نزحوا إلى دول الجوار هربا من ويلات الحرب الأهلية السابقة والذين يطالبون بحق العودة والاستيطان سواء في الجنوب أو الشمال، كل على حسب انتمائه.
وكان من المقرر تسوية المسائل العالقة من خلال المفاوضات التي شرع فيها الطرفان في أديس أبابا بأثيوبيا إلى غاية الأسبوع المنصرم، حيث تم قطعها بسبب خلاف حول مداخيل بترول الجنوب، على اعتبار أن إعلان جنوب السودان استقلاله بموجب الاستفتاء الشعبي حرم الشمال من ثلاثة أرباع حقول النفط الموجودة على أراضي الجنوب، ليفقد مكانته كسادس مصدّر إفريقي للنفط بقدرة إنتاجية تصل إلى 500 ألف برميل يوميا، ليصبح بذلك الجنوب مصدرا للنفط بدلا من الشمال، غير أن المشكلة والسبب في النزاع بين الدولتين الشقيقتين سابقا مرده افتقار الجنوب للبنى التحتية اللازمة لتكرير ونقل النفط الموجه للتصدير والذي يقدر بحوالي 260 ألف برميل يوميا، ما يفرض عليها التعاون مع الشمال الذي تتوفر لديه ناقلات النفط وأنابيب نقله، لولا نقطة الخلاف حول رسوم النقل والتكرير، ففي الوقت الذي تطالب الخرطوم بأكثر من 30 دولارا للبرميل، تعتبر جوبا أن السعر مبالغ فيه ولا يمكن أن يتجاوز الدولار الواحد، الأمر الذي دفع برئيس جنوب السودان، سالفا كير، إلى نعت الرئيس السوداني عمر البشير بـ''السارق''، في إشارة إلى محاولة استغلال الوضع والتعويض عن فقدان حقول النفط. وعلى خلفية ذلك قرر جيش جمهورية جنوب السودان فرض سيطرته على منطقة ''هجليج'' النفطية المتنازع عليها، ما أدى إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولتين وإيقاف المفاوضات، ليتجدد مسلسل تبادل الاتهامات حول سعي الطرفين إلى تمويل الميليشيات المعارضة في الدولتين والسعي إلى ضم مناطق متنازع عليها، مثلما هو الحال في منطقة النيل الأزرق وكردفان وأبيي وغيرها من المناطق الواقعة على طول الحدود والتي تمتاز بكونها إما مناطق زراعية خصبة أو حقولا نفطية، ما يفسر إصرار الدولتين على السيطرة عليها.


الإعلامي المتخصص في الملف السوداني، ميشال جاديش أمناي لـ''الخبر''
''الحرب بين الدولتين اقتصادية بالدرجة الأولى''
 يقول الإعلامي البوركينابي بمجلة ''لوكوريي دافريك'' والمتخصص في الملف السوداني، ميشال جاديش، إنه من الضروري تجاوز كل الأفكار المسبقة حول الاختلافات الدينية، الإثنية والعرقية أو حتى الطبقية لفهم النزاع الدائر بين السودان وأحدث دولة إفريقية، جمهورية جنوب السودان، مضيفا في حديثه لـ''الخبر'' أنه بالرغم من كل هذه الاختلافات إلا أن جوهر الصراع يتعلق بالمال والاقتصاد.
هناك تخوف دولي من إمكانية عودة الحرب بين السودان وجنوبه، بعد التصعيد العسكري ووقف المفاوضات، هل تعتقدون أن وقوع الحرب أمر وارد؟
من وجهة نظري لا السودان ولا جنوب السودان على استعداد لخوض حرب قد تكون مدمرة للطرفين، من جهة ثانية أعتقد أن الرئيس السوداني يعاني في الوقت الحاضر ما يكفيه من الضغوط الدولية التي تجعله يستغني عن فكرة شن حرب على الجنوب، هناك الكثير من المنظمات التي تسعى لتسويق الصراع على أنه نزاع طائفي ديني وعرقي، وأن السودان يسعى لاضطهاد الجنوب، ما يعني أن الحشد الإعلامي جاهز ضد السودان ورئيسه المطلوب من طرف القضاء الدولي. من جهة ثانية دولة جنوب السودان، وهي أحدث دولة إفريقية، غير قادرة على الدخول في حرب بالرغم من التصريحات المهددة للرئيس سالفا كير، ما يجب أن نفهمه أن الرجل ناضل طيلة حياته بالسلاح وهي السياسة التي يفقهها، لكن المعطيات على الأرض تشير إلى أن جنوب السودان في حاجة إلى بناء دولة وليس لحرب تدمر القليل الموجود، وهي بالأصل دولة عانت من مأساة إنسانية جراء الحرب الأهلية على مدى عقدين من الزمن، كما أن أكثر من 80 بالمائة من السكان في الجنوب يعانون من الأمية والفقر المدقع وسوء التغذية الحاد، دون إغفال الأعداد الكبيرة اللاجئة في دول الجوار والتي تطمح إلى العودة إلى ديارها في الجنوب، أعتقد أنه أمام هذه الأوضاع المأساوية في الأساس لا يمكن رهن المنطقة بحرب مدمرة.
تحدثتم عن تسويق لصراع طائفي ديني، هل تنفون هذا البعد عن النزاع بين الشمال والجنوب؟
 المتابع للوضع في السودان على مدار العقود الماضية يتأكد أن الخلافات بين الجنوب والشمال كبيرة من حيث التركيبة البشرية على كل المستويات: الدينية، الإثنية والعرقية وغيرها، لكن هذا لا يعني أن الجنوب متجانس ولا حتى الشمال، هناك نسيج من الأعراق والديانات في الطرفين، وصحيح أنها عنصر مهم في الصراع، غير أنها ليست العامل المحدد لهذا النزاع. الرهانات الحقيقية حاليا تتعلق بمصادر الثروة، والمقصود بها النفط، وتؤكد حادثة ''هجليج'' هذا الطرح. هناك الكثير من مصادر الثروة التي انتقلت إلى دولة جنوب السودان بعد التقسيم، ما حرم السودان من مصادر مهمة، والحديث ليس فقط على النفط وإنما على المناطق الزراعية ومياه النيل. ويؤكد الخبراء أن ترسيم الحدود مرتبط أساسا بمصادر الثروة، فكل طرف يتمسك بمناطق غنية وليس مستعدا للتفريط فيها، المثير أن لكلا الطرفين مرجعيته التي تؤكد أحقيته بهذه الأراضي، وما زاد الوضع تعقيدا عدم فصل المحكمة الدولية في هذا النزاع، على اعتبار أن الاتفاق المبدئي يقر بضرورة العودة إلى حدود ,1956 تاريخ استقلال السودان عن بريطانيا، مع العلم أن السودان في تلك الفترة كان منقسما إلى شمال وجنوب، غير أن هناك خرائط متناقضة لتلك الفترة، وكل طرف يتمسك بما يخدمه، أي بما يضمن له حصة من الثروات.
هل هذا يعني أنه على المحكمة الدولية أن تفصل في النزاع بين الدولتين؟
 أكيد، ففي نهاية المطاف لا بد من الاحتكام إلى الشرعية الدولية لتفادي حدوث مأساة إنسانية أخرى في المنطقة، وأعتقد، حسب ما نملكه من المعطيات، أن القوى العظمى ستتدخل بكل ما تملك لحسم النزاع وضمان تفادي الأسوأ حفاظا على مصالحها الاقتصادية، في هذا المقام لا بد من التذكير أن دولة مثل الصين التي استثمرت مليارات الدولارات في حقول النفط بالجنوب لن تترك استثماراتها عرضة للنزاع، وهي التي تعوّل على نفط جنوب السودان في تنميتها الاقتصادية، وذات الأمر ينطبق على الولايات المتحدة التي يمكن لها أن تتدخل بشكل من الأشكال لتفادي كارثة إنسانية أخرى في إفريقيا.


حقل هجليج النفطي الذي فجّر النزاع

 يوجد حقل هجليج الذي فجر النزاع بين السودان وجنوب السودان بمنطقة هجليج، وهو حقل نفطي كبير في الجانب السوداني من الحدود المتنازع عليها الذي تحتاجه الخرطوم لدعم اقتصادها بعد أن فقدت ثلاثة أرباع نفطها مع انفصال الجنوب. وينتج الحقل نصف ما تنتجه السودان من النفط والمقدر بـ115 ألف برميل يوميا.
وتدير الحقل شركة النيل الكبرى للبترول وهي كونسورتيوم من شركات صينية وماليزية وهندية وسودانية. وقالت الشركة الشهر الماضي إنها ستمضي قدما في خطط لزيادة إنتاج الحقل إلى 70 ألف برميل يوميا، حيث ينتج حاليا حوالي 60 ألف برميل يوميا.
وبدأ الإنتاج من حقل هجليج في 1996 مع تطوير الحقل وحقول ولاية الوحدة التي تعد الآن الأكبر في المنطقة.
ويمتد أنبوب نفطي بطاقة 450 ألف برميل يوميا لمسافة ألف ميل من حوض المجلد إلى قرب ميناء التصدير بورسودان، ناقلا النفط من هجليج والوحدة والحقول الصغيرة المجاورة لهما.
وفي 2009 قضت المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي في لاهاي بأن حقلين نفطيين في تلك المنطقة (هجليج وبامبو) يتبعان الشمال.
الوكالات


الخبير المصري في الشؤون السودانية هاني حنا لـ''الخبر''
''من المستبعد قيام حرب بين السودان والجنوب''


 لا سبيل آخر لفض النزاع بين جوبا والخرطوم غير التفاوض

 أكد الدكتور هاني حنا، الكاتب والمفكر المصري الخبير في شؤون السودان، على ضرورة استئناف المفاوضات بين دولتي السودان وجنوب السودان، في سبيل التوصل إلى حلول للقضايا العالقة محل الخلاف، واحترام الاتفاقيات المبرمة بينهما.
وأعرب الخبير المصري في شؤون السودان في تصريح لـ''الخبر''، عن قلقه حيال تدهور الأوضاع في السودان، في ظل استمرار تداعيات احتلال دولة جنوب السودان لمنطقة هجليج النفطية الواقعة على الحدود مع السودان، مؤكدا أنه ليس في مصلحة أي طرف استمرار النزاع، لأن العمل في مجال النفط لابد أن يكون في سلام. كما استبعد المفكر المصري فكرة نشوب حرب بين الخرطوم وجوبا، في ظل تصعيد التوتر بين الطرفين، قائلا: ''يعتمد النظام الشمالي على قيام الحروب في أسلوب إدارته وتعامله مع الجنوب، لكن لا أعتقد أن هذا النزاع سيقود إلى حرب أهلية ثانية بعد إعلان الاستقلال، وأظن أنه على البلدين التفاوض والبحث عن طرق سلمية''. واستغرب هاني حنا من رفض السودان نشر مراقبين دوليين على طول الشريط الحدودي المتنازع عليه، موضحا ''هذا الأمر ليس جديدا، لأنه من المعروف وجود مراقبين دوليين في المناطق ذات النزاع منذ الأزل، والأجدر بالدولتين أن تعملا على وقف العمليات العسكرية وإيجاد حلول للخروج من هذه الأزمة، واحترام الاتفاقيات المبرمة بينهما، مثلما اتفقوا على الاستقلال في السابق''.
القاهرة: مراسلة ''الخبر'' سهام بورسوتي
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)