الجزائر

الناقد المسرحي مخلوف بوكروح لـ"الجزائر" : "مهرجاناتنا المسرحية «زردات» يغلب عليها الارتجالية"


الناقد المسرحي مخلوف بوكروح لـ
أجاب الناقد المسرحي مخلوف بوكروح "الجزائر" على مختلف التساؤلات حول بعض المقاييس التي يجب أن تتوفر في الأعمال المزمع إنجازها احتفالا بخميسنية استقلال الجزائر، مؤكدا أن احتفال الوسط الإبداعي بهذه المناسبة التزام فني وأخلاقي، لذا وجب التحضير لإحياء هذه المناسبة بكل الوسائل المتاحة.
تحتفل الجزائر هذا العام بخمسينية الاستقلال حيث تجري تحضيرات لإنجاز أعمال كبرى بهذه المناسبة في مختلف الفنون، ما هي في رأيك أهم المعايير التي يجب اعتمادها في اختيار المواضيع والأعمال لهذه المناسبة؟
شيء جميل أن تحتفي الأمة بأمجادها وتسترجع اللحظات المشرقة من تاريخها وتستنطق تراثها، والأجمل من ذلك عندما يتم ذلك في أعمال إبداعية خلاقة ترقى إلى مستوى نضال وتضحيات الشعوب، ومن هنا فإن معالجة موضوع استقلال الجزائر في ذكراه الخمسين، ضرورة وطنية والتزام أخلاقي وفني .. إن المعيار الوحيد لتقويم العمل الفني هو الجودة الفنية والابتكار، إذ يضطلع بهذه المهمة المبدع الأصيل والناقد المختص المدرك لمختلف أشكال التعبير وصاحب ثقافة فنية عالية والتأكيد على البعد الابتكاري لما سيقدم في الذكرى الخمسين، ونتمنى ألا تكون نسخة مطابقة للأعمال التي أنجزت في السنوات السابقة وفي مناسبات مختلفة، والتي لم تكن في مستوى الأحداث التي احتفت بها. ولعل العروض الفنية التي قدمت في شكل ما يسمى "ملاحم" خير دليل على ضعف النظرة التاريخية والرؤية الفنية الأصيلة، ونتمنى أيضا أن تتجاوز حركتنا الثقافية الارتباط بالمناسبات الظرفية السريعة الزوال وأن تعمل على تأسيس الفعل الثقافي وتأصيله في المجتمع.
في نفس الإطار، سيعالج الملتقى العلمي للمهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته لهذا العام موضوع العلاقة بين التراث والمسرح، ما رأيك في موضوع "جدلية التراث والمسرح" حيث يقول بعض النقاد إن توظيف التراث في المسرح نتيجة الشعور الدول العربية بالهزيمة تجاه المستعمر، هل توافقون هذا الطرح؟
موضوع التراث والمسرح ليس جديدا فهو من الموضوعات المستهلكة، فقد طرحت مسألة التراث في المسرح العربي منذ ستينات القرن الماضي، وأتساءل ماذا يمكن أن نضيفه للموضوع لاسيما في ظل غياب إشكالية واضحة تضبط محاور الندوة، وبالمناسبة فإن الموضوعات المقترحة للنقاش في الدورات السابقة تفتقر للتصور الواضح ولم تنطلق من إشكالية محددة تساهم في رفع مستوى النقاش حول المسرح ودوره الاجتماعي، وأعتقد أن العصر الذي نعيشه يتطلب التفكير في موضوعات تستجيب لاهتمامات وحاجيات الإنسان المعاصر، أما العروض التي تزعم أنها تستلهم التراث فإنها تركز على الأحداث التاريخية وتحاول إسقاط هذه الأحداث على الواقع، ويغيب عن ذهن أصحابها العودة إلى التراث من أجل إقامة حوار بين الماضي والحاضر، إضافة إلى أن استلهام الأحداث من التراث ومن الوقائع التاريخية ليس الغرض منه إعادة سرد هذه الوقائع، بل المطلوب تقديم قراءة جديدة للقصص التاريخية والتراثية التي يعرفها الجمهور، هذا ما يغيب في الأعمال التي تعتمد على التراث عندنا.
لا تزال بعض الأسماء التي صنعت مجد المسرح الجزائري حية تُرزق منها الممثلة نورية، فهل ترى أنهم أخذوا حقهم بعد أن قدموا كل ما عندهم من أجل المسرح؟
إن الأمم والشعوب الحية تقدّر المفكر والمبدع .. أعتقد أن أحسن تكريم يقدم للمبدع هو توفير جو الحرية والمناخ الصحي السليم والاحتفاء بإبداعه ونشره. صحيح أن بعض المبدعين لم ينالوا حقهم وأقصد حقهم المعنوي والبعض هُمش، أما البعض الآخر فأخذ حقه وحق الآخرين‪ .. أعتقد أن هذه المسألة مرتبطة بمكانة الفنان والمبدع ووظيفته في المجتمع.
يلجأ الكثير من المسرحيين الجزائريين إلى الاقتباس من نصوص عالمية والتي لا تتفق أحيانا مع طبيعة المجتمع الجزائري، فهل نحن عاجزون عن الإبداع أم أننا لا نملك مبدعين، وفي نظرك كناقد هل تعد الظاهرة صحية؟
الكتابة المسرحية جهد بالغ الصعوبة، ويمكن إدراك هذه المسألة بالتمعن في تاريخ الكتابة الدرامية منذ نشأتها عند الإغريق، وهي مرتبطة بالتطور الثقافي والحضاري للمجتمعات التي عرفت المسرح، فالنصوص المسرحية الخالدة هي في الحقيقة اقتباس أو صياغة درامية جديدة للملاحم والأساطير وهذا ما حصل في كل حقبة تاريخية، ويأخذ الاقتباس عادة شكلين: القيام بتحويل عمل فني بطريقة مغايرة لشكله الأصلي مثلما يحدث عند اقتباس الأعمال الروائية، أو إدخال تعديلات على العمل الأصلي بحيث يتناسب مع ذوق الجمهور الذي يقدم له، وفي الحالتين فإن المسألة مرهونة بقدرة المقتبس على إدراك طبيعة الدراما وفهمه للمجتمع ولنفسية الجمهور الذي يرغب في التواصل معه، إضافة إلى أن المتمعن في ما يقدم عندنا هو في الحقيقة تشويه للأعمال الأصلية بل هو نقل باهت لمضامينها، ويمكن ملاحظة ذلك على مستوى إعداد النص والإخراج، وبذلك فإن المسألة لا تعني العجز عن الإبداع بقدر ما تتعلق بالثقافة والتكوين والممارسة.
خمسون سنة من الاستقلال .. كمختص في مجال المسرح كيف ترى المسرح الجزائري بين الأمس واليوم؟
نحن بحاجة إلى إجراء تقويم شامل لمسيرتنا المسرحية والبحث عن مواطن القوة والضعف واستخلاص دروس وعبر والتفكير في إستراتيجية مستقبلية للنهوض بحركتنا المسرحية .. رافق المسرح الجزائري منذ الاستقلال التطور الاجتماعي وعرف لحظات ازدهار ولحظات انكسار، وبالتالي فإن فهمها لهذه المسيرة يتطلب فهم اللحظة التاريخية التي ارتبط بها المسرح .. ما تحقق في مجال المسرح عندنا قليل قياسا بإمكاناتنا وطموحاتنا. إن أداءنا في مجال الإبداع المسرحي لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
عرفت الجزائر في الآونة الأخيرة عدة مهرجانات وتظاهرات ثقافية خاصة المتعلقة بالمسرح، فماذا أضافت لأبي الفنون؟
الإجابة عن هذا السؤال يتطلب فحص دلالة الفعاليات الثقافية التي تنظم عندنا، وأستهلها بالإشارة إلى أن كلمة مهرجان مشتقة من "مهر" بمعنى محبة و"جان" بمعنى الروح، وتستخدم الكلمة لوصف الاحتفال الكبير أو العيد، ونفس المعنى في اللغة الإنجليزية. وتتميز هذه الاحتفالات بأنها كانت تتم بشكل عفوي، أما المهرجان بصيغته العصرية فيتميز بالبرمجة والتخطيط ضمن سياسة ثقافية دقيقة، وهو موعد ثقافي ثابت يتجدد، ويبدو أن المهرجانات عندنا رغم أنها لا تتم بشكل عفوي إلا أنها تفتقر إلى التخطيط بل هي أشبه بـ"الزردات" التي يغلب عليها الطابع الارتجالي ولا نكاد نلمس من خلالها إضافة جديدة بل هي لقاءات عابرة تتم في لحظات وأوقات محددة يغيب فيها التفكير والتنظيم والتدبير.
ينتقد البعض بشدة النصوص المسرحية الجزائرية التي تعرض على الخشبة فهل توافق الرأي؟
إن الضعف لا يخص النصوص المسرحية بل يطال مختلف الجوانب الإبداعية للعمل المسرحي ومنها الإخراج، السينوغرافيا، الأداء والإدارة الجيدة .. الضعف الملحوظ في النصوص مصدره عدم إدراك خصوصية الكتابة المسرحية المركبة التي تتطلب حسا إبداعيا متميزا وثقافة مسرحية ووعيا بالمجتمع وبمفردات الحياة. يمكن تسجيل جهود بعض المبدعين في مجال الكتابة من الشباب الذين يحتاجون فعلا إلى التشجيع بتقديم أعمالهم، وأتساءل لماذا لا يلتفت الممارسون لهذه النصوص ويحاولون إعادة صياغتها دراميا وعرضها.
بين الحين والآخر يتعرض القائمون على المسرح للانتقاد إلى درجة محاولة الإطاحة بهم فكيف تنظرون إلى الأمور التي يسير بها المسرح الجزائري اليوم؟
أفضل الإجابة على الشق الثاني من السؤال المتعلق بإدارة المؤسسة المسرحية عندنا .. أعتقد أن إحدى نقاط الضعف التي يعاني منها قطاع الثقافة يتعلق بإدارة المرفق الثقافي، إدارة نابعة من خصوصية العمل الثقافي، وهي مسألة تفتقدها مؤسساتنا المسرحية التي تُدار بطريقة تقليدية يطغى عليها الطابع البيروقراطي، إلى جانب الكادر المؤهل علميا ومهنيا لإدارة هذا النوع من المرافق، ويمكن أن نتساءل من يسيّر المؤسسة المسرحية وكيف تُدار؟ .. إن الإجابة على هذين السؤالين يساعدان على فهم أزمة المسرح.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)