قبل عشرين عاما.. يذكر أصحاب الذاكرة القوية الرئيس البوركينابي الهالك توماس سانكارا. كان شابا وسيما يحبه الناس رغم أنه جاء بفعل انقلاب عسكري على نظام قال إنه فاسد ككل الأنظمة التي ولدت من رحم الخيانة والمؤامرات.. لا يهمنا هذا فهو أمر سائد ولن ينتهي ما دامت سياسة الإنقلابات تعني ''فن قتل الشرعية''..
سانكارا في بداية عهده بالحكم فكر ودبر وقرر القيام بعمل لم يسبقه إليه أحد.. ماذا فعل؟ فاجأ وزراءه في أحد المجالس بأن دورهم لا يقتصر على إدارة شؤون الدولة فقط، إنما عليهم أن يلعبوا مع الشعب (..) فلم يفهموا شيئا وسأله كبيرهم ''ماذا تقصد يا فخامة الرئيس؟'' فأجاب ''شكلوا فريقا لكرة القدم وستواجهون يوم الأحد المقبل فريقا آخر من الشعب.. وأكون الحكم''.
اندهش الوزراء، وظل سانكارا ينتظر قائمة الأحد عشر وزيرا-لاعبا. فأدركوا أن الرئيس جاد فترشح كل الوزراء بمن فيهم أصحاب البطون المنتفخة الذين لا يجرؤون على عصيان أمر الرئيس.. ودعا سانكارا اتحاد الكرة البوركينابي إلى تنظيم اللقاء وإعداد فريق من عامة الشعب، ويعلن عن ذلك في وسائل الإعلام ومكبرات الصوت في المناطق النائية.
لم يكن يوم اللقاء حدثا عاديا.. فقد نسي الناس متاعبهم ومآسيهم وجاؤوا من كل حدب وصوب لمشاهدة مباراة الحكومة والشعب، يحكمها الرئيس وينقلها التلفزيون.. إنها مباراة القرن.
دخل الفريقان بإدارة الحكم- الحاكم سانكارا تحت تصفيقات وأهازيج الآلاف ممن توافدوا على ملعب واغادوغو. أعطى الرئيس صافرة الانطلاق، فكان كل فريق يخشى أن يسجل في مرمى الآخر، ويتجنب بلوغ المنطقة الحساسة، وتركز اللعب كله في وسط الميدان؟ لماذا يا ترى؟ لأن فريق ''الحكومة'' يخشى أن يسجل أهدافا في شباك ''الشعب'' مما قد يتسبب في خروج الشارع غاضبا ويقوم بأعمال شغب وتخريب، فتجنب الوزراء التسجيل. أما فريق ''الشعب'' فلا يفكر أصلا في تسجيل أهداف في مرمى ''الحكومة'' لأن ذلك معناه استفزاز الحكومة التي ترد بزيادة الأسعار ورفع الضرائب.. وفي الحالتين يكون الخاسر الأكبر هو سانكارا الذي يمكنه إدارة الدولة ثلاثين عاما، بينما يصعب عليه إدارة مباراة من تسعين دقيقة.. وليس هناك أفضل من.. مباراة متعادلة. لا أعرف بالضبط كم كانت النتيجة، لكني أذكر أنّ سانكارا ذهب ضحية طموح صديق عمره كامباوري الذي قتله واستولى على السلطة باللجوء إلى رصاصات الترجيح القاتلة.
هذا ما كان من أمر سانكارا.. أما الساسة الآخرون ففيهم رياضيون لا يشق لهم غبار، فمن بينهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان بارعا في لعبة الشطرنج.. وكان الملك الحسن الثاني من أكثـر حكام العالم ممارسة للرياضة، إذ أنه يتقن عددا من اللعبات أهمها على الإطلاق ركوب الخيل التي برع فيها العقيد معمر القذافي وكانت سببا في حادث الكسر الذي تعرض له في سنة .1998
ومن بين الحكام العرب الذين كان لهم باع في الرياضة أذكر الرئيس الراحل أحمد بن بله أول رئيس للجزائر المستقلة، قبل أن يختار طريق الثورة على الاستعمار، كان في نهاية الأربعينيات قلب هجوم في صفوف نادي مرسيليا الفرنسي.. قبل أن يقود في 1949 هجوما على بريد وهران مع ثوار آخرين بينهم آيت أحمد وخيضر.. ويغنمون أكثـر من ثلاثة ملايين فرنك فرنسي آنذاك لشراء السلاح وبدء الثورة..
وهناك الرئيس الشاذلي بن جديد الذي اشتهر برياضة الغطس في أعماق البحار، إلى جانب لعبة التنس كما صرح بذلك أكثـر من مرة. أما بومدين فلا يذكر أنّ له رياضة محددة ولكنه كان يرفض أن يقف للنشيد الفرنسي في أي ملعب. ومعروف أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو أصغر وزير للشباب والرياضة في العالم، إذ لم يتجاوز الـ25 من عمره، وهو يمتلك ثقافة رياضية متنوعة، ومتابع لأحداثها، وكلمته الشهيرة بسيدي بلعباس 2009 ''لو وجدت فريقا لكرة القدم يباع، لاشتريته لإسعاد الجزائريين..'' ليتأهل بعده الخضر لمونديال مانديلا.. وهناك حكام اختاروا الماء وظلت صورهم عالقة بالأذهان منهم صدام حسين الذي كان يقصد نهر دجلة للسباحة وسط كتيبة من الحراس، كما كان الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة يختار مسبح قصره للعوم.
وهناك صور كثيرة لحكام يمارسون رياضات مختلفة، فحسني مبارك يلعب الاسكواش، وفيدال كاسترو يمارس كرة السلة، والأوغندي الراحل عيدي أمين يعشق حلبة الملاكمة، مثله مثل نيلسون مانديلا.. وحكام أمريكا اللاتينية كلهم، دون استثناء، لاعبو كرة رغم أنوفهم..
وأعرف أن كثيرا من الزعماء السياسيين يمارسون رياضة المشي وأحيانا الركض.. وقليل منهم من لا يعير ذلك أي اهتمام ويرى في ذلك مضيعة للوقت، وعبثا بعقول الجماهير.. وهو ما لم ألمسه في فييتنام التي زرتها في العام 1996 ولاحظت شيئا لم تألفه أمم أخرى، فأذكر أنني في حدود السادسة صباحا، أجلت بنظري من شباك الفندق فرأيت الناس من مختلف الأعمار يمارسون رياضات بدنية وروحية في مساحات خضراء وعلى ضفاف بحيرة تتوسط العاصمة ''هوشي منه''.. فالذي يركض يركض، والذي يلعب كرة الريشة يلعب، والذي يمارس ''اليوغا'' يقوم بحركات وطقوس لا يعلم أمرها إلا الجنس الأصفر. وعندما ينتهون من رياضتهم يركبون درجاتهم الهوائية ويقصدون مواقع عملهم في هدوء تام بعيدا عن ضجيج المدن الكبيرة، فلا يتأخرون عن موعد، ولا يسببون ضررا بالطرق، ولا يتسببون في تلوث الهواء، ولا ينفقون كثيرا عن البنزين.. لأنهم من طينة الشعوب العاملة التي رأسمالها القناعة.. فلا تعجبوا إن كان أصحاب العيون الضيقة، أقصر الشعوب قامة وأطول البشر عمرا..
azzedinehodni@gmail.com
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 13/04/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : بقلم عزالدين ميهوبي
المصدر : www.elkhabar.com