الجزائر

الميركاتو هل سمعتم بمونديال المشرّدين؟



  سمعنا عن مونديال السجون وقلنا ربما هي خطوة في تهذيب سلوك الجانحين والخارجين عن القانون، وسمعنا عن مونديال المحامين وقلنا ربما هي خطوة فيجعل أصحاب الجبة السوداء أكثر رفقا بموكليهم من المساجين، ولا أعرف إن كان للقضاة مونديالهم، وسمعنا عن مونديال الأطباء وقلنا ربما هي خطوة من أجل التأكيد على أن ممارسة الرياضة قد تغني عن الذهاب إلى العيادات، وسمعنا عن مونديال النساء وقلنا ربما هي خطوة أخرى لتأكيد المساواة بين الجنسين، وسمعنا عن كأس العالم العسكرية وقلنا ربما هي رغبة صادقة لإسكات صوت الرصاص في العالم المريض بالحروب والنزاعات، وسمعنا عن مونديالات ما دون سن الـ16 وما فوق الـ17 وما تحت العشرين، ومونديال المعوقين والكهول الذين أرهقهم الكحول (..) وشاهدنا مونديال الأصحاء بفضائحه وفظائعه في زمن بلاتر وقبله هافلانج.. واليوم نسمع أن مونديالا جديدا تكرس في منظومة كرة القدم العالمية هو مونديال المشردين وصعاليك الشوارع والأزقة والحارات الموبوءة..
مونديال المشردين وُلد في النمسا في العام 2003 صار حدثا متميزا بكل أبعاده الرياضية والسياسية، وأحببت أن أتوقف عند دورته بملبورن الأسترالية، حيث عاد فيه اللقب لمشردي أفغانستان على نظرائهم الروس في مواجهة قالت ألسنة السوء إنها تذكرهم بالحرب التي كانت سببا في انهيار الدب الروسي قبل ربع قرن.. ولا أعرف إن كان كارزاي أعلن يوما مدفوع الأجر بعد نيل اللقب أو إذا كانت طالبان أطلقت عيارات في الهواء ابتهاجا بهذا النصر العظيم  أو أن قوات الحلف الأطلسي أعلنت هدنة قصيرة للسماح لكل الناس من قندهار إلى وزيرستان للاحتفاء بهذا التتويج العالمي؟ كما أنني لا أعرف إن كان بوتين أنّب مشرديه لخسارتهم أمام.. الأفغان؟
وأول ما يلفت الانتباه في شروط المشاركة في هذه البطولة هو أن يكون اللاعبون واللاعبات أيضا، من مدمني المخدرات والكحول ويخضعون للعلاج منذ عام على الأقل أو أنهم من طالبي اللجوء السياسي وأعدادهم في العالم تزيد مع كلّ حرب.. ولا غرابة أن يكون الأفغان أبطال العالم للمشردين، فأفغانستان بلد يعيش على زراعة المخدرات وأبناؤه يبحثون عن ملاجئ آمنة ويفضلون الهروب بسبب الحروب، وبالتالي فمشردو هذا البلد هم من يتوفرون على شرط المشاركة قبل الروس والنمساويين والأستراليين وغيرهم من الـ56 منتخبا مشردا.. ولأن المنظمين يعرفون أن اللاعبين ليسوا من النوع الذي يصمد تسعين دقيقة في ملعب مفتوح، فقد اقترحوا أن يكون عمر المباراة 14 دقيقة فقط، أي بمعدل ست مباريات ونصف للمشردين مقابل مباراة واحدة لغير المشردين، وتلعب في مساحة أقلّ من ملعب لكرة اليد وأكبر من ملعب لكرة السلة.. وربما لكون خبراء علم النفس يعرفون أن المدمن على أي نوع من المخدرات يرى الأشياء أوسع مما هي في الواقع، فملعب بحجم ماراكانا أو ويمبلي أو نوكامب قد يصيبه بالجنون لأنه سيراه دون نهاية ويكفي ملعب لكرة السلة أو اليد أو التنس فحينها تبدو الأشياء طبيعية جدا. لهذا لا مجال للاستغراب إن سمعنا أن منظمي مونديال المشردين أحضروا ما يفوق الألف خبير نفساني لمتابعة الوضع النفسي للاعبين وليس لخطط اللعب.. والمسألة هنا تتجاوز كرة القدم إلى كون المونديال ليس أكثر من عيادة نفسية مفتوحة..
والسؤال الذي أطرح الآن هو ما صلة مونديال المشردين بالفيفا؟ وهل سيلتحق بها يوما ما؟ أم أنه سيلتحق بوكالة غوث اللاجئين؟ وهل ستنتبه جائزة نوبل للسلام إلى مؤسسي هذا المونديال فتمنحهم جائزتها تقديرا للفكرة وتثمينا لجهد التكفل بضحايا آفات الحروب والماء غير الشروب؟.. وأما مشردو العرب فقد وجدوا في المنتخب الفلسطيني أفضل ممثل لهم، بعد فوزه بدورة باريس 2011 بتسجيله 113 هدف في ثلاث مباريات. 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)