الجزائر

المواطنة .. السلطة البديلة ؟



في زمن الثورات الملونة و التأريخية و الوردية , تنمو النزعات الشعبوية كما ينمو الفطر بأنواعه عقب الأمطار, و تتكاثر الشعارات المحبوكة في الدهاليز المظلمة كما تتكاثر أنواع الفطريات في الأماكن الرطبة,و لأن الجزائر تعيش منذ حوالي 9 أشهر وقائع إحدى هذه الثورات, و تشهد مخاضا سياسيا في شكل حراك شعبي يطالب بتغيير جذري و فوري للنظام ليس للوجوه القديمة فيه حضور أو نصيب ؟و لأن مثل هذا المطلب لا يعير وزنا لأي شرعية غير الشرعية الشعبية التي التحقت بها كل الفئات الاجتماعية , بما فيها تلك التي لطالما مجدت و تجندت خلف لواء الشرعية الثورية في مسيرة البناء و التشييد بمختلف مراحلها منذ استرجاع الاستقلال الوطني .
فهل يحق لنا القول بأن الشرعيات تجُبُّ ما قبلها و أن الحراك جاء ليرث كل ما قبله من شرعيات ثورية و تاريخية و حتى شعبية, فقط لأنه يرفض الوجوه أو الشخصيات التي ساهمت بشكل أو بآخر في صنع الماضي الذي حرر البلاد والعباد من نير الاستعمار ؟
أعتقد أن الحراك الذي يقطع صلته بالجذور التاريخية التي التف حولها الشعب الجزائري في أوقات المحن و الشدائد , سيبقى حراكا سطحيا يسهل اجتثاثه أو اختراقه و استغلاله فيما لا يخدمه أو يخدم مطالبه و مصالح وطنه .
و قد بدأنا نسمع تصريحات الحالمين بكرسي رئاسة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية و الشعبية , و بإدارة شؤون بلد المليون و نصف مليون شهيد , يَعِدون من خلالها بتوقيع شهادة الوفاة للشرعية الثورية , و إصدار شهادة ميلاد للشرعية الشعبية, و لا شك أنهم سيجدون من يُرَوِّج لمواقفهم من الداعين عبر بلاطوهات الفضائيات إلى ضرورة تسليم مقاليد الحكم إلى مترشح من جيل الاستقلال , و هو من الشعارات البراقة التي تخفي نوايا غير بريئة , لأنه في غياب الكفاءات المتشبعة بالإرث الثوري سيتم الاستنجاد بالكفاءات الذين أهمتهم أنفسهم و مصالحهم الشخصية , و اختاروا العيش في الخارج , الاستنجاد بهم لمنحهم مقاليد تسيير شؤون البلاد على طبق من ذهب , رغم أن بعضهم تخصص في الكيل بجميع مكاييل تشويه سمعة بلاده , و هي الأغراض الكامنة وراء الترويج "للشرعية الشعبية" بعرض وجهها المليح أي المساواة بين الجميع في تقلد مناصب الحكم , و إخفاء وجوهها القبيحة ,التي تسوي بين من بذل دمه لينتزع السيادة الوطنية أُمَّ كل الشرعيات , و بين من اصطف في خندق العبودية الكلونيالية ؟
يبدو أن هؤلاء و من يقف خلفهم يجهلون ثمن الشرعية الثورية التي يريدون قبرها , و لذا لا بد من تذكيرهم (إن نفعت الذكرى) بأنها شرعية جاءت بعد تضحيات جسام تمثلت في "قوافل من الشهداء و الآلاف من الأرامل والأيتام ومئات الآلاف من السجناء والمعتقلين والمعطوبين، فضلا عن تدمير الآلاف من القرى والمداشر و تخريب ممتلكات أبناء الشعب الجزائري و نهبها". و بالتالي فهي شرعية عصية على الوأد و الاغتيال و لا مجال للعبث بها أو ارتهانها بأي نوع من المغامرات التي قد تؤدي إلى صراع الأجيال بدلا من تكاتفها لتكريس سلطة قوية ببعديها الثوري و الشعبي , اللذين يكمل أحدهما الآخر و لا تناقض بينهما إلا في أذهان من دعاهم المطرب التونسي إلى أخذ المناصب و المكاسب ويتركون الوطن و شأنه للوطنيين بما فيهم من يمجدون الثورة و شرعيتها و لو لم يكن لهم و لذويهم نصيب فيهما, و هؤلاء في نظرنا أولى بحكم الجزائر ممن يريدون استغلال ثورة الحراك الشعبي , لمنحهم "شرعية ثورية" بديلة لتمكينهم من خلافة من حكموا الجزائر باسم الشرعية الثورية "النوفمبرية", و شتان بين الشرعيتين ؟ فكما شكلت ثورة نوفمبر قطيعة مع كل المتربصين باستقلال الجزائر و المتآمرين على ثرواتها و توجهات شعبها المستقبلية , نأمل أن تشكل الرئاسيات المقبلة قطيعة مع كل من يتنكر للماضي المجيد للجزائر , ومع أصحاب المطالب التعجيزية و الحلول الملغمة و المغلفة بغلاف "مطالب الشعب",و كذا كل من يحاول المساس بالقوى الحية للبلاد و بتماسكها و استمرارها في خدمة الدولة بمؤسساتها وإداراتها و برجال الجيش الوطني الشعبي بكل عناصره وكافة أسلاك الأمن الذين يدافعون عن حمى الجزائر في ربوع الوطن كلها ,وكل أعوان الدولة في جميع القطاعات الذين يسهرون على بنائها و ترقية اقتصادها ومصلحة شعبها. و إذا كانت هذه القوى تؤدي ما عليها من واجب تجاه الإرث التاريخي للبلاد, و تجاه الشعب و الوطن بقدر ما توفر لها من إمكانيات , فإن المنتظر من الحراك الشعبي أن يحذر من انتهازية فئة من الناس فضلوا التفرج على ما يجري في هذا الظرف الذي يتطلب حسا وطنيا قويا يحول دون سقوط حضاري و أخلاقي يتنافى و كل مقومات المواطنة الصادقة المسؤولة التي ينبغي أن يتحلى بها كل المبادرين بالحراك الشعبي و من التحق بهم ,لتشكيل جبهة حراك شعبي تدعم المرشح الذي يخدم كل الجزائريين و الجزائريات على قدم المساواة .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)