عرفت الجزائر التعددية كخيار حكم عقب احداث اكتوبر 1988، اذ نص دستورها على تكوين جمعيات ذات طابع سياسي، ترتب عنه تشكيل احزاب و تيارات يساريه، اسلاميه، وطنيه، وديمقراطيه. اثر هاته النقله، عاشت الجزائر اول تجربه انتخابيه رائده في العالم العربي. غير ان الخطاب الذي انتهجه "الفيس" في التوقف عن التقيد بالديمقراطية بمجرد وصوله الى السلطه، ادى الى حدوث اصطدام كبير جر الجزائر الى احداث دمويه عرفت بالعشرية السوداء .اثناءها و بالرغم من عدم توفر جميع الشروط اللازمه، حاولت الدوله الاستمرار في التجربة الديمقراطية، لكن خوف الدوله من تكرار تجربه الفيس جعلها تقيد هاته العمليه. هذا التقييد ادى الى توجيه العديد من الانتقادات الى هاته التجربة السباقة في المنطقه العربية.
في سياق اخر، يعتبر النائب البرلماني حجر الزاوية في العملية الديمقراطية، اذ أن نجاحها يقاس بمقدار صلاحيات النائب و بمدى ادائه للمهام المنوطة به. يجدر بالذكر هنا، ان من المهام الدستورية للنائب، حمل إنشغالات الناس و اقتراح القوانين و مناقشه مشاريع الحكومة، هذا يقتضي عملا دؤوبا و حركة متواصله في الشارع، لذا ارتأت الدوله رصد راتب يكفي النائب القيام بهاته الاعمال، كذلك ضمنت له الحصانة التي يفترض ان تقيه من المتابعات عند توجيهه للملاحظات و الانتقادات. بالاضافة الى دور النائب الطبيعي السالف الذكر، يقوم النائب بالضغط على الادارة المحلية لتسهيل المصالح العامة، و يعتبر هذا الدور ذو نجاعة لحل المشاكل اليومية التي يعيشها المواطنون، خاصه تلك الناجمة عن عراقيل بيروقراطيه.
بشكل عام، اثناء تسويقها للانتخابات التشريعية، رسمت الدوله صوره مثاليه للدور الذي يلعبه البرلمان، اذ علقت آمال الناس فيه، معتقدين انه قادر على حل مشاكلهم اليومية و رفع المستوى المعيشي و ضمان حقوق المواطنين، الا انه تبين فيما بعد، ان البرلمان ذو صلاحيات محدوده، اذ يكتفي في غالب الاوقات بالمصادقة على مشاريع الحكومة، مما اظهر على انه غير قادر على احداث تغيير في سير الدوله.
في نفس السياق، ادى تقاعس الكثير من النواب عن اداء مهامهم الى تضخم مستوى معيشتهم المادي و لفت الانظار حولهم. مما ادى الى سعي الكثيرين الى الحصول على مقعد فقط من اجل الوصول الى الامتيازات الماديه المغرية، و كذا الذين يريدون الاحتماء بالحصانة من المتابعات في قضايا تورطوا فيها. هذا التنافس الشديد على المقعد في البرلمان من هاته الفئات ادى الى تدني اداء البرلمان بسبب ضعف مستوى عموم النواب فيه. منعكسا على رداءة الافكار و المداخلات.
بعد مرور العهده البرلمانية الاولى، رسم اغلب النواب صورة سيئة عنهم، اذ ان عدم قيام البرلماني بدوره في ترقيه حياة الناس جعله في أعين هؤلاء، مجرد اداة لتغطية اداء الحكومة واعطائها الشرعيه، ويزداد الامر سوءا عندما يبيع البرلماني صمته و يستغل ما لديه من سلطه للقيام بالضغط علي مستوى محلي لقضاء مصالح ضيقه . كذلك، يجدر الاشارة هنا الى نقطه هامه، اذ يحمل النائب عند ولوجه قبة البرلمان أحلام ترقيته الى احدى الوزارت اثناء ادائه لمهامه او بعد ذلك، هذا الطموح يجعله يتفادى اي انتقاد لسياسة الحكومة. مما يجهض دوره كممثل للشعب و ناقل لهمومه.
من جانب آخر، استهدفت بعض الدوائر التشهير بالبرلمان و برواتب نوابه، و استفادت منه ، و ذلك لتحويل السخط الشعبي من الادارة نحو البرلمان. مما سوّد من صورة البرلماني عند المواطن البسيط. هذا الخط يتم تبنيه بقصد أو بغير قصد من طرف بعض الجرائد و بعض الفعاليات المعارضة.
اجمالا، يمكن تلخيص مشكلة البرلمان التي تسببت في قصوره السياسي الى نقطتين، اولها رداءة ادائه السياسي الراجع الى سوء اختيار المواطن لممثليه، والذي يتم كثيرا بناءا على حسابات عروشيه و جهويه، كذلك نقص تكوين اغلب نوابه، وهذا سببه عدم قيام اكثر الاحزاب بدورها في التكوين السياسي لمناضليها، و اقتصارها على الظهور في المواعيد الانتخابية. ثانيا نقص صلاحياته في احداث تغيير حقيقي في سير الدوله، اذ ان اكثرالقوانين التي تسن في البلاد تتم بمراسيم رئاسية ؛ دون ان ننسى ان اي مشروع قانون لا يعجب الحكومة يتم وأده في مهده و يرفض في البرلمان و لا يتم النظر فيه و لا مناقشته ، كما ان مقص الرقابه الذي تمارسه الادارة على القوائم الانتخابيه عبر الولايات يستبعد أحيانا الاسماء المعارضة ذات الشعبية. كل هذا جعل الكثيرين يقولون بشكلية البرلمان و بانه مجرد أداة لإعطاء الشرعية للوضع القائم ، داعين في اكثر من مناسبة الى مقاطعة الانتخابات.
و في الاخير، هاته المقاطعة و العزوف عن الانتخابات, التي تم الترويج لها و ممارستها خلال العشرية الاخيرة جعلت من الاغلبية غائبة، تاركة المجال للاقلية كي تقرر مصير الجميع، مما زاد من تعميق المشكل و أبعد المواطن عمن يفترض فيه ان يمثله، في وقت كان يفترض ان يحرص فيه الشعب على أداء واجبه الديمقراطي و تقديم افضل من يمثله حتى يتسنى له المطالبة بحقوق ديمقراطية و تمثيلية اكثر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/05/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مساهمات القراء م ونوقي
المصدر : www.djelfa.info