وأما ابن خلدون فقد تحدث عن المنصورة بشيء من الإعجاب واصفا إياها بقوله: '... واستفحل ملك يوسف بن يعقوب بمكانة من حصارها، واتسعت خطة مدينة المنصورة المشيدة عليها، ورحل إليها التجار بالبضائع من الأفاق، واستبحرت في العمران بما لم تبلغه مدينة، وخطب الملوك سلمه وورده ووفدت عليه رسل الموحدين وهداياهم من تونس وبجاية وكذلك أرسل صاحب مصر والشام هديته واعتزازه، اعتزا اعتزازا لا كفاء له كما يأتي في أخباره'.
بعد انتهاء الحصار المريني الطويل نتيجة هلاك السلطان أبي يعقوب يوسف عام 706هـ وانسحاب جيوشه نحو فاس، خرج أهل تلمسان إلى المنصورة فخربوها عن آخرها وحطموا كل ما كان بها من دور وقصور خوفا من أن يعود السلطان المريني لإتمام حصاره للمدينة انطلاقا من المنصورة، المدينة المرينية التي شيدت بجوار تلمسان الزيانية لتكون منافسة لها وعدوتها اللدودة. وقد نقش حكام تلمسان على سكتهم الجديدة عبارة:
'ما أقرب فرج الله'.
وعاد المرينيون من جديد لمحاصرة تلمسان بعد مضي تسع وعشرين سنة من انسحابهم من المنصورة، فجددوا بناء مدينتهم المخربة بقيادة السلطان أبي الحسن علي ورمموا ما أمكن ترميمه، وأعادوا بناء قصرها الذي نزل به سلطانهم فدعاه 'دار الفتح'. وقد عثر في هذا المكان على رخامة منقوشة كتب عليها:
'الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين أمر ببناء هذا الدار السعيدة دار الفتح عبد الله علي أمير المسلمين أبي سعيد بن يعقوب بن عبد الحق فكملت سنة خمس وأربعين وسبع مائة عرفنا الله خيرها.'
تمكن المرينيون من دخول تلمسان واحتلالها بعد حصار دام عامين وبضعة أشهر، ولكن بعد انصرافهم عنها أعاد التلمسانيون تخريب وتدمير المنصورة للمرة الثانية. ولما جاء أبو عنان فارس للاستيلاء على تلمسان للمرة الثانية فإنه تعمد عدم النزول بالمنصورة كما فعل والده ولم يحاول ترميم ما دمره سكان عاصمة الزيانيين أو إنقاذ ما تبقى منها.
لم يبق من المنصورة إلا أطلالها الجليلة المحتوية على أسوار عالية وبروج عظيمة أكثرها خراب، وعلى الجامع الكبير الذي ظلت جدرانه قائمة بفتحات أبوابه وخصوصا مئذنته العظيمة التي لا تزال شامخة تتحدى العصور مع ما أصابها من حوادث الزمان وصنعته بها يد الإنسان 1.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com