إن المهمة التي حددها بيار بورديو للسوسيولوجيا باعتبارها آخر العلوم في المجيء «هي علم نقدي ينقد نفسه وينقد العلوم الأخرى وينقد السلطات بما فيها سلطات العلم، إنها علم يعمل على معرفة قوانين إنتاج العمل وهو يزودنا بوسائل السيطرة بل ربما يزودنا بوسائل السيطرة» (بيار بورديو، 1975: 67).
تاريخيا عرفت الممارسة السوسيولوجية في الجزائر «مرحلة تعبئة البحث العلمي في إطار خطاب سياسي أيديولوجي قائم على تكفل الدولة بإنجاز مشروع بناء وطني، ثم انتقل البحث السوسيولوجي إلى مرحلة الممارسة القائمة على التفكير حول الشروط الإبستمولوجية لوضع أسس تقاليد سوسيولوجية في بلادنا »(حسين عبد اللاوي، 2000:ص07)، يظهر ذلك جليا من خلال اهتمامات الممارسين السوسيولوجين، فخلال الملتقى الأول سنة 1986 الذي عقدته كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الجزائر لمناقشة التغيرات الاجتماعية للمجتمع الجزائري بعد الاستقلال حتى منتصف الثمانينات كانت محاور النقاش تدور حول «العمران، العمل، الصناعة، الثقافة والتقاليد، التعليم، المناهج والمفاهيم وأخيرا المظاهر الشاملة، تبين أن انشغال علماء الاجتماع الجزائريين خلال هذه الفترة قد اندرج ضمن التكفل بآثار تطبيق مشروع البناء الاجتماعي مما يدفع إلى افتراض أن البحث السوسيولوجي خلال هذه الفترة كان أقرب إلى البحث في إطار فلسفة اجتماعية منه إلى مرحلة حاسمة لتشكل سوسيولوجيا واضحة المعالم والخصوصيات» (حسين عبد اللاوي، 2000: ص08)، لكن خلال الملتقى الثاني المنعقد في 11-12 نوفمبر 1997 تغير الاهتمام السوسيولوجي والذي اتجه نحو مساءلة ذاتية ومراجعة نقدية إبستمولوجية حول واقع وآفاق السوسيولوجيا الجزائرية من أجل بناء سوسيولوجية خصوصية ذات ممارسات نظرية وعملية واعية وهادفة، من خلال « تحقيق ثلاثة أهداف أساسية وهي: - إعداد محصلة لمجموعة الأعمال التي أنجزها علماء الاجتماع الجزائريين حول مجتمعهم. –القيام بتحليل نقدي للخطاب السوسيولوجي حول المجتمع الجزائري وخاصة ذلك المنتج لأسباب تاريخية من طرف علماء اجتماع أجانب. -إبراز الاتجاهات الحالية والمستقبلية للأبحاث السوسيولوجية في المجتمع الجزائري» (حسين عبد اللاوي، 2000: ص09).
إن تحول اهتمام السوسيولوجيين في نهاية التسعينيات، من خلال طرح قضايا إبستمولوجية حول السوسيولوجية التي يمارسونها، ومحاولة مقاربة المجتمع الجزائري من خلال مداخل مغايرة للمرحلة السابقة (كالمسألة الثقافية واللغوية، المنظومة التربوية، الدين والمجتمع والمدرسة، المجتمع الريفي، عالم الشغل، المسألة الديمغرافية، مسألة إعادة تشكل الهويات)، إن هذا التحول مؤشر جيد على ميلاد سوسيولوجيا جزائرية متميزة في طرحها ومقاربتها للظاهرة المجتمعية الجزائرية والتي تحاول أن تؤسس لتقاليد بنائية لممارسة مستقبلية مبدعة.
نحاول في هذا المقال تتبع تاريخ الممارسة السوسيولوجية في الجزائر
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/01/2024
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - أحمد عماد الدين خواني
المصدر : مجلة الباحث الاجتماعي Volume 11, Numéro 1, Pages 11-22 2015-03-01