الجزائر

المقاطعة ليست حلا



المقاطعة ليست حلا
يؤكد قرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المشاركة في الانتخابات التشريعية والمحلية القادمة بدون أدنى شك أن خيار المقاطعة ليس دائما هو الحل بالنسبة لأحزاب المعارضة ، وقد لا يكون حلا أمثل بالنسبة لها في جميع الظروف.الأرسيدي ربما من أكبر الأحزاب المعارضة، و أكثرها مقاطعة للانتخابات منذ إنشائه قبل 26 سنة رفقة غريمه جبهة القوى الاشتراكية، وقراره المشاركة في مواعيد 2017 يعني بأن الحزب أجرى مراجعة حقيقية لخياراته السياسية السابقة، مراجعة نابعة من التجربة الطويلة في المعارضة والمقاطعة على حد سواء، وذلك يحيل أيضا إلى نتيجة مفادها أن قرار المشاركة جاء يقينيا وعن قناعة بناء على تجربة طويلة في الميدان.و إذا كان الأرسيدي هو الحزب الوحيد لحد الآن ضمن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي الذي يقرر المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة فذلك سيكون له وقعه على بقية أعضاء التنسيقية دون شك، وربما سيقنع أحزابا أخرى فيها بأن خيار المقاطعة قد يكون مجانبا للصواب، وليس طريقا صحيحا كما يعتقد الكثيرون. و إذا عدنا إلى بديهيات علم السياسة، والسياسة كممارسة ، نجد أن الأحزاب وجدت لتصل إلى الحكم، والوصول إلى الحكم في الوقت الحالي يكون عن طريق الصندوق وفق ما هو متاح في الأنظمة الحديثة المعمول بها في جميع دول العالم، ولن يكون إلا بشكل متدرج وليس دفعة واحدة، والأمثلة على هذا كثيرة ومتعددة. ولو نعود مرة أخرى لتجربة الأرسيدي نجد بدون تحليل كبير أن الحزب كاد أن يندثر فعلا من الساحة السياسية الوطنية في السنوات الأخيرة، و أصبح لا وجود ملموس له في حياة الناس و في الحياة السياسية الوطنية، وهذه حقيقة يقولها حتى مناضلوه أنفسهم، وربما الأثر الذي كان يظهر به من حين لآخر في وقت سابق يعود فقط لنوعية الخطاب الراديكالي الذي كان يطلقه به رئيسه السابق من حين لآخر، لكن حتى هذا الخطاب فقد الكثير من تأثيره وبريقه في السنوات الأخيرة من حكم سعيد سعدي. وببساطة فإن الكثير من الأحزاب التي تفضل خيار مقاطعة الانتخابات تدري منذ البداية أنها لن تفوز، أو هي تعلم أن ما قد تفوز به لا يكاد يذكر، لأن الحزب المتيقن من الفوز لن يقاطع الانتخابات أبدا بحكم المنطق والمصلحة.ولو نجري معادلة بسيطة سنجد مثلا أن الحزب الذي يتيقن أنه سيفوز بعشرين مقعدا في الانتخابات التشريعية فهو لا و لن يقاطع هذه الانتخابات، لأن عشرين مقعدا ستعطيه أولا عوائد مالية معتبرة للحزب بحكم أن القانون يمنح عن كل نائب ما قيمته 40 مليونا للحزب كل عام، ومن ناحية أخرى من يملك هذا العدد من النواب يستطيع تشكيل كتلة برلمانية تكون قاعدة قوية للحزب في نضاله السياسي بحكم مهماتها داخل البرلمان داخليا وخارجيا وهذا مهم جدا، وثالثا من يكون لديه عشرون نائبا معناه أن له عشرات الفرص بل المئات المتاحة سنويا كي يمر عبر القنوات الإعلامية المؤثرة وكي يوصل رسالته وخطابه السياسي بصورة أكثر نجاعة وفعالية اتجاه المواطنين، وهذه المعادلة البسيطة يمكن أن تنسحب أيضا على المستوى المحلي.لذلك بعيدا عن الديماغوجية لو تدري الأحزاب التي تتبنى المقاطعة أنها ستتمكن من تحقيق ولو نتيجة بسيطة فلن تتوانى لحظة في دخول الانتخابات دون تردد، وهي التي تدري جيدا أن خيار المقاطعة لم يغير شيئا على المستوى العام فقط، بل أضر بها هي نفسها قبل غيرها، وهذا لم يعد خافيا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)