يعد الإمام أحمد المقري التلمساني أحد العلماء الذين أعطوا لمدنهم وبلدانهم ميزة وشهرة كبيرتين، فهو علاّمة تلمسان، وحافظ المغرب وجاحظها، وجهينة الأندلس ومؤرخها . وذلك بفضل تمكّنه العلمي وثقافته الموسوعية، فقد كان فقيهاً أصولياً، ومؤرخاً ثبتاً، وأديباً ناقداً، وشاعراً مطبوعاً، ولغوياً بارعاً، وكاتباً مفلقاً، فضلاً عن درايته بعلوم الحديث والقراءات وغيرهاً .
وإذا كان المقري من أعلام القرن الحادي عشر الهجري (ت 1041)، غير أن علمه الجمّ، ودُربته المنهجية، قد بوّأته مكانة سامقة بين العلماء والمؤلّفين المسلمين باختلاف عصورهم، فأضحت مؤلفاته العلمية مثل (أزهار الرياض في أخبار عياض) و(نفح الطّيب من غصن الأندلس الرّطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب)، لا تقل قيمة عن مصنّفات العلماء الأوائل من تاريخ الإسلام؛ لأنه تأسّى بطرائفهم واحتذى حذوهم وسار على هديهم واستنهج سبيلهم، فضلاً عن اعتماده في تأليفهما كذلك على العديد من المصادر والمظان لبعض هؤلاء، ممّا لم يصل إلينا، الأمر الذي جعل من كتابيه المذكورين (الأزهار) و(النّفح) أنفس وثيقتين من كتب التاريخ والأدب المغربي والأندلسي التي تزدان بها المكتبة العربية الإسلامية، وذلك لأنه جمع فيهما بين منهج كتب التراجم والمجامع الأدبية ذات الطابع الموسوعي، متخذاً في (نفحه) من بلاد الأندلس وأديبها لسان الدين بن الخطيب مدخلاً لدراسة التاريخ والحضارة الأندلسية بجوانبها المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعمرانية خلال فترة الوجود الإسلامي بها كاملة والتي استمرت نحواً من ثمانية قرون، وسالكاً في (أزهاره) المنهج نفسه بأن جعل من ترجمة حافظ المغرب الشّهير القاضي عيان والتعريف به ودراسة أحواله مدخلاً لدراسة تاريخ المغرب وحضارته مع التعريج على ذكر الحضارة الأندلسية لتداخل تاريخ العدويتن – المغرب والأندلس – خلال القرن السادس الهجري الذي عاش فيه عياض .
لكن من جهة أخرى فإن مما يميّز المقري التلمساني عن غيره هو أنه العالم الوحيد الذي تنبّه – رغم أنه عاش في القرن الحادي عشر – إلى أن هناك بعضاً من كبار العلماء والأدباء ممن بلغوا الشّأو في العلم، قد أهمل المؤلفون والدّارسون التعريف بهم وبآثارهم العلمية سواء من المعاصرين لهم، أم ممن ظهروا بعدهم في الأعصر اللاّحقة . فقام بتصنيف مؤلَّفين حافلين في عالمين أشهر من نار على علم هما القاضي عياض في (أزهار الريّاض) ولسان الدين بن الخطيب في (نفح الطيب) مضيفاً بذلك إلى مكتبتنا الإسلامية زخماً علمياً، ومادة معرفية فريدة من نوعها .
وهكذا فإذا كان المقري قد استطاع بعلمه الغزير ودرايته المنهجية، أن يستدرك هذا النّقص من خلال كتابيه القيّمين هذين في إعطاء الصورة الحقيقية للعالمين المذكورين، فمن يا ترى سينصف هذا العالم الفذّ (علاّمة المغرب وجاحظها المقري التلمساني) الذي ما يزال يحتاج إلى دراسات ودراسات كي تستوفي حقّه، في التعريف به، وبمنهجه، وبآثاره العلمية التي سارت بها الركبان، والتي هي دوائر معارف من طراز نادر .
وعليه فإننا سنحاول في هذه الورقة البحثية التعريف ولو بنزر يسير – بمآثر المقرّي التلمساني العلمية وبمنهجيّته وتقنياته العالية في الكتابة التاريخية .
تاريخ الإضافة : 23/02/2011
مضاف من طرف : tlemcen2011
صاحب المقال : د. عبدالواحد عبدالسلام شعيب Abdelwahid Abdussalam- أستاذ التاريخ الآداب/ طرابلس - ليبيا
المصدر : الملتقى الدولي تاريخ حاضرة تلمسان ونواحيها جامعة تلمسان، أيام: 20-21 و 22 فيفري – شباط 2011