الجزائر

المفرغات العمومية ومحلات التصليح نقاط التموّن بها غضب الجزائريين وقوده العجلات المطاطية



تعوّد الجزائريون مع كل موجة احتجاج يحتضنها الشارع، استنشاق روائح العجلات المطاطية التي تشكل بقاياها المحترقة سحابة تمتص شحنة الشباب الغاضب، وأحداث الشغب الأخيرة لم تشذ عن القاعدة،
فلاستكمال ديكور انتفاضة الشارع، دخل المحتجون في رحلة
بحث عن وقود لنار الغضب، وكل حصل عليه بطريقته.
 إذا كان أغلبية المحتجين قد انشغلوا بالدخول في مواجهات مع عناصر شرطة مكافحة الشغب، في الأيام الأربعة من أزمة الزيت والسكر، فمهمة بعضهم، والقصر على وجه التحديد، انحصرت في تأمين اكسسوارات لوحة الشغب، والتي تُمثـل العجلات المطاطية مادتها الأولية.
مفرغة وادي السمار والحراش..  محج الغاضبين
لم يكن صعبا على قاطني الجهة الشرقية من العاصمة تأمين ''مخزونهم'' من العجلات التي ألهبت العاصمة طيلة عمر انتفاضة الشارع، فما يحويه وادي الحراش وكذا مفرغة وادي السمار من العجلات المطاطية تكفي بقاياها المحترقة لحجب الشمس عن العاصمة لأيام.
ولأن محركي ''ليالي الغضب'' انشغلوا طيلة أيام الاحتجاجات بالنوم نهارا لاستعادة قواهم في مواجهات الليل، أخذ الصغار مهمة جمع العجلات، ولكن بعضهم لم يفعلها بالمجان، فـ50 دينارا فقط كانت كافية ليقوموا بالمهمة على أكمل وجه، وهو ما أكده لنا أحد الشباب الذي التقيناه بباش جراح ونحن نعد الموضوع: ''الكل شارك والكل تجند، والصغار ليسوا بمنأى عما يحدث، ولو أن بعضهم أخذ مقابلا لذلك''.
باب الوادي.. الكل مجنـّد لتأمين العجلات
في حي باب الوادي، أحد أعرق الأحياء الشعبية بالعاصمة، والمكان الذي شهد مواجهات كبيرة بين الشرطة والشباب الغاضب في الأيام الأخيرة، لم يكن صعبا على الغاضبين إلهاب النيران التي حبست الأنفاس طيلة تلك الليالي، فالعجلات المطاطية مهملة في مرائب البيوت وحتى على أرصفة الطرقات: ''إنها مقاعد مريحة لنا ونحن ننصب طاولة الدومينو كل أمسية''، يقول أحد أبناء الحي العتيق ضاحكا، ليواصل: ''فقط نحن تجنـّدنا لجمع العدد الكافي منها، فوحده لهيبها كفيل بإعطاء مسحة حقيقية للاضطرابات''.
محلات تصليح العجلات.. نجد صعوبة في التخلص من العجلات القديمة
وبالفعل، في جولة قادتنا لبعض أحياء العاصمة، وكذا محلات تصليح العجلات، اكتشفنا أن العجلات المطاطية القديمة ليس أبدا ما ينقص في بلد تجوب طرقاته أكثـر من 5,5 مليون سيارة، وتستقر عجلاتها القديمة على حواف الأودية والطرقات أو المفرغة العمومية في أحسن الأحول، لتكون في متناول الجميع في كل جولة غضب تجتاح البلاد، ويكون فيه قطع الطريق لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والشعب.
فأغلب أصحاب محلات تصليح العجلات الذين تحدثـنا إليهم اتفقوا على أنهم لا يحتفظون بالعجلات القديمة بعد تغييرها، حيث يتم إعادتها لصاحب السيارة للتصرف فيها بطريقته، إلا في حال كانت بعض العجلات صالحة للاستخدام لفترة أخرى، فيتم الاحتفاظ بها لإعادة بيعها مستعملة لمحدودي الدخل، غير القادرين على توفير ثـمن عجلات جديدة.
وأبرز هؤلاء أنهم يعمدون إلى إعادة العجلات القديمة إلى أصحابها، لأنهم يجدون صعوبة في التخلص منها، حيث يقول أحدهم: ''في السابق، كنت أحتفظ بها لأتخلص منها بنفسي، لكني وجدت نفسي في ورطة بعدها، فشاحنات نقل القمامة ترفض أخذها، وأنا أتفهم الأمر، فلا مكان لها مع النفايات المنزلية، لهذا السبب كنت أضطر لدفع مقابل مادي لشاحنات خاصة تتكفل بنقلها إلى مفرغة وادي السمار''.
ونحن نغادر المحل، صادفنا شابا كان قد غيّر لتوّه عجلتين لسيارته كانتا ممزقتين، وعندما استفسرنا منه عما سيفعل بهما، رد ضاحكا: ''طبعا لن أحتفظ بها في قاعة استقبال بيتي.. مزبلة الحي ستفي بالغرض''.
تركنا محدثـنا وهو يضع العجلتين في صندوق سياراته، لتكون بالتأكيد وقودا لأول مواجهة يحتضنها الشارع بعد مرور سحابة الزيت والسكر.   


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)