الجزائر

المعنى التغيير والحاجة إلى ''خطاب إسلامي عصري''



يرى بعض المتتبعين للشّأن السّياسي في العالم العربي أن وجود الإسلاميين في سدّة السّلطة يعود إلى تشجيع أمريكي غربي وتركي أحياناً، وقد كان فوز النهضويين في تونس، وصعود بعض الشخصيات الإسلامية التي أسّست في تونس في نهاية السبعينات ما سمي بـ اليسار الإسلامي ، عودة إلى خطاب حاول تطوير الحركة الإخوانية نحو التعايش مع الغرب واستثمار براغماتي للديمقراطية، ولعلّ تجربتي تركيا وماليزيا كانتا حاضرتين في مخيلة بعض القياديين الإسلاميين. إنّ ما يميز أصحاب مقولات الإسلام العصري اعترافهم بكون النّص الديني حمّال أوجه، وله صفة تاريخية يبحثون عنها في أسباب النزول وتاريخية الآية القرآنية، وتغيّر الأحكام بتغير الأزمان، ولا يرون اجتهادهم نشازاً في تاريخ الفكر الإسلامي، بل استمرارا للحضارة الإسلامية، ويمكن رصد تيارات أصحاب الرؤية البراغماتية للإسلام في  أكثر من اتجاه: أولها توجّه نشأ في المؤسّسات التقليدية مثل ما كتبه محمد عمارة وخلف الله في مراحلهم الفكرية الأولى، وغيرهما في بلدان عربية أخرى عرفت النظام الاشتراكي اليساري والناصري، وقد تخرّج معظم هؤلاء من جامع الأزهر ولعبوا دوراً في التقريب بين الرؤية الماركسية والاشتراكية والإسلام في زمن حكم القوميين الاشتراكيين، ومنهم من ولّى وجهته اليوم نحو الليبرالية ليجد التوافق. أما التيار الثاني فهو الذي أعلن عن نفسه كتنظيم أو كنخبة لم ترتبط برؤية الأنظمة والتبرير، وانطلقت من إعادة بناء العلوم النقلية والعقلية، وجلّهم خريج المدارس الحديثة والغربية ويجمعون بين التكوين التقليدي والحديث، بل منهم من ناضل مع الضباط الأحرار والماركسيين ومع الإخوان المسلمين فاكتسب تجربة فكرية وسياسية متميّزة، ومن بين هؤلاء حسن حنفي في مصر، وحركة احميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي في تونس، وإذا وسّعنا من دائرة الدعوة إلى مضمون هذه الأفكار فيمكننا أن نذكر تجربة أردوغان والتوجّه الإسلامي الجديد في تركيا، الذي حاول أن يقلّل من سطوة العسكر المخلص لعلمانية أتاتورك ويوظّف الوجدان الديني التاريخي التركي دون المصادمة مع التجربة العلمانية للدولة، وكذلك دعوة رئيس ماليزيا سري عبد الله أحمد بدوي إلى الإسلام الحضاري سنة ,2005 ويقصد به المنهج الحضاري لتجديد فهم الإسلام من أجل التقدم، ورصّع المشروع مضمونه بتسع أسس التقوى والإيمان بالله، وعدالة الحكومة وأمانتها، واستقلال الشعوب، والتمكن والإلمام بالعلوم، والشمولية والاتزان في النهضة الاقتصادية، والرفاه المعيشي، وحماية حقوق المرأة والأقليات، ورقي الثقافة وسمو الأخلاق، وترسيخ القدرة الدفاعية للوطن، كما يمكن هنا ذكر أيضاً علي شريعاتي وبعض اجتهادات الشيعة المعاصرة. أما نحن في الجزائر فقد استفاد من مالك بن نبي الماليزيون وعرب ولم يتطوّر تفكيره عندنا في الجزائر نحو رؤية أكثـر واقعية وعلمية، بل حوّل أتباعه تفكيره إلى تمذهب ومنهم من حُسب عليه وانتهى إلى التكفير والعنف، وهكذا عاشت التجربة الإسلامية السياسية في الجزائر صدىً للخارج ـ المشرقي ـ بالخصوص ولم تكن اجتهادية تتميّز بخصوصيتها. ترى هل ستتخلص في المستقبل من التقليدية والتبعية وتستطيع بناء رؤية سياسية وثقافية عصرية تحضر فيها الخصوصية المغاربية والجزائرية؟ أم تكتفي بانتظار دعم غير معلن من الخارج وتستفيد سياسياً من التغيرات الواقعة اليوم في المنطقة العربية؟   boumzid@gmail.com 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)