المعجم الثوري ودلالته في الأهازيج النسوية بمنطقة تلمسان

إنّ الحديث عن تنوع القيم الثقافية والظواهر الفكرية للشخصية الجزائرية المتجلية في أدبيات عوامها، كما يؤكده التلي بن شيخ يدعونا بإصرار إلى الحديث عن الشعر الشعبي الجزائري كشكل هام من أشكال التعبير الشعبي التي استطاعت إلى حد كبير الحفاظ على تاريخ هذه الأمة، لأن الشعر الشعبي الجزائري جزء من الذاكرة الشعبية ومقوم أساسي من مقومات الشخصية الوطنية، فهو يتميز بالروح الوطنية والدفاع عن الحرية والكرامة، فقد تابع الثورات الجزائرية المتعاقبة وسجل انتصاراتها وهزائمها، فحارب الظلم والطغيان بكل أشكاله وصوره، وكان مدفوعا في هذا الحماس الفياض بروح دينية.
إن منطلقات الشعر الشعبي الجزائري منطلقات واقعية نابعة من آلام وجراح الشعب الجزائري ليس فيها من الخيال والتصور إلاّ ما يدعم الواقع الاجتماعي ويعطي الصورة الشعرية بعدها ووقعها في نفس القارئ، وقد كان ظهوره في الجزائر متقدما جداّ، وذلك بشهادة العديد من الباحثين أمثال عبد الله الجراري، وعبد الله ركيبي، ورابح بونار وغيرهم من الذين حاولوا البحث عن أصوله الأولى، والتي تبين أنّ الموشحات والأزجال أهمها، حيث كان لها تأثير كبير عليه، وبخاصة أثناء حكم الأتراك حين انتشرت
القصائد الدينية.
تنوعت اهتمامات وموضوعات الشعر الشعبي الجزائري من الدفاع عن الدين الإسلامي وحرمة الوطن، إلى الرثاء والغزل والوصف، فقد تعرض لكلّ الأغراض، وكان له في كل غرض فصل كبير، وان كانت
القضايا الدينية والوطنية من أبرز اهتمامات العديد من الشعراء، ذلك أنّ الدين بأوسع معانيه كان من أهم الأغراض التي طرقها العديد من الشعراء.
باستقراء ما توفّر لدينا من أهازيج نسوية بمنطقة تلمسان التي تنقل لنا مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر،سأحاول تقديم بحث يثري القاموس اللغوي، غني بمفردات يظن الكثير أنها عامية وهي ذات أصل فصيح، فلغة الأهازيح النسوية- رغم عاميتها -إلا أن معجمها غني بالدلالات اللغوية التي يتوجب علينا البحث فيها، ذلك أن ميدان دراسة الألفاظ العامية وعلاقتها بالعربية الفصحى مازال لم يأخذ حيزا مهما في الدراسات اللغوية، فوجب عليّ الغوص
في مناقب العامية، ورد ألفاظها إلى العربية الفصحى وكم هي كثيرة في هذا الجنس الأدبي، وسأقتصر في بحثي على معجم الألفاظ الثورية، بضبط الألفاظ ضمن حقول دلالية، وردّها إلى أصلها الفصيح بالاعتماد على الشاهد والعودة إلى المعاجم اللغوية ثم الرجوع إلى تفسير المفردة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وضرب أمثلة من دواوين العرب وغيرها.