الجزائر

"المعبد".. بين فكَّيْ الحلم والواقع




سيفتح مسرح ”المعبد” أبوابه لجمهوره قريبا جدا بتظاهرة مسرحية كبرى يأمل بوحجر أن تجمع أهل الفن الرابع من الجزائر ومن خارجها، وقد يتضمن برنامجها عروضا وورشات مسرحية ولقاءات فكرية إن لقيت من يسقي عود الفكرة بماء الدعم والمساعدة.الطريق إلى حمام بوحجر تشبه المشي على بساط طويل على حافتيه خضرة وماء وأولياء صالحون يباركون هذه المدينة و أهلها.. وفي ثنايا المدينة وسط حي الشهيد ”بلحوسين سعيد” يوجد أول مسرح خاص في الجزائر.. مصنع الخمور في الفترة الاستعمارية تحوَّل اليوم إلى مسرح جميل يسع ما يقارب 120 متفرج.. إنه مسرح البسمة أو ”المعبد” الذي جاء ليوقِّع في سجل الحياة المسرحية الجزائرية بصمته كأول مسرح خاص يطلق اليوم صرخة الولادة الأولى، لتلتفت إليه الجهات الوصية وتمدَّه بالدعم والاعتراف كي يسير على سكة متينة لا تحيده عنها بيروقراطية الإدارة ولا تعسف مثبطي العزائم ومجهضي المشاريع في مهودها. 90 بالمائة بعد الحلمفي صخرة الحلم المتينة حفر بوحجر بوتشيش رغبته في أن يكون له مسرحه الخاص، وهي الرغبة التي تسكن كل فنان مسرحي يعشق الفن الرابع إلى درجة الارتباط به كقدر لا يُرَدًّ. الحلم الذي بدأ كبيرا ورآه البعض يكاد يكون مستحيلا تحوّل إلى واقع جميل رغم شحِّ الإمكانيات المادية والبشرية، وكثرة العراقيل والمشاكل التي حاولت جهات عديدة وضعها أمام صاحب المعبد لكي يتخلى عن مواصلة مشروعه، إلا أن الفنان بوحجر أكمل المسيرة حتى أوصل نسبة الأشغال إلى 90 بالمائة وصار المعبد يتموقع اليوم جيدا على أرضية الوجود. تقدمت الأشغال في المعبد بشكل ملفت جدا، حيث انتهى بوحجر من تجهيز مسرحه، عدا بعض الرتوشات الخفيفة التي تخص توضيب مقاعد المتفرجين بعد حصوله عليها من دار الثقافة لعين تيموشنت التي منحته إياها بعد عملية تجديد مقاعد قاعتها، بالإضافة إلى تهيئة المحيط الخارجي للمسرح والمتمثل في حديقة حرص على الاعتناء بها جيدا وإضافة أنواع مختلفة من الأشجار والنباتات إليها. والملفت في الحديقة تواجد حجرين كبيرين مربعي الشكل يرجعان لسنة 1875 كانا حجر الأساس لبناء أول مدرسة في مدينة حمام بوحجر مع حجرين آخرين، وقد قام بوتشيش بجلبهما ووضعهما في حديقة المعبد بعدما هدمت المدرسة التي تخرج منها سنة 1987، وهي الدفعة الأخيرة في تلك المدرسة.حدثنا الممثل المسرحي بوحجر بحماس كبير عن مشروعه، و طاف بنا في أرجاء مسرحه الذي انطلق بناؤه منذ سنة 2008 بمساعدة أصدقائه الممثلين المسرحيين من تعاونية البسمة الثقافية، مربوح عبد الإله ممثل ومخرج مسرحي، والممثلون بن عبد الله محمد، موسى محمد، حساني أحمد، زوقار محمد. ورغم اليأس الذي تسلل إلى قلوب الشبان الخمسة من جدوى ما يقومون به في ظروف جد صعبة، إلا أن عزيمة بوتشيش لم يثنها شيء عن المواصلة والمضي في درب المغامرة ليخترق الحواجز المتربصة به بنجاح أكيد. ويقول بوحجر في هذا الصدد إنه شاب جزائري حر استثمر في بلاده في ظل إجحاف الواقع، اختار البقاء في بلدته ينقش حلما على صخر المحال ولم يسافر الى الخارج للبحث عن أحلام تتحقق في أحضان بلاد أخرى، وأقل ما ينتظره هو أن يجد الدعم من قبل الدولة الجزائرية ومن وزارة الثقافة بالتحديد ويُعْطَى مشروعه الهادف شرعية تضمن له الاستمرار خارج الظل.”المعبد” بعد ”الموجة” ليس سهلا التمسك بحلم كهذا وفي منطقة مثل حمام بوحجر، لكن الفنان بوتشيش تحدى كل شيء من أجل أن يصنع بيديه مسرحه الذي جسد به رغبته في أن يعوِّض إحدى خسارات هذا الوطن الثقافية بعد مسرح الموجة، الذي أسسه جيلالي بوجمعة في السبعينيات وتعرض للتهديم سنة 2008 بقرار من السلطات المحلية لتنفيذ مشروع إعمار يجتاز شاطئ ”صلامندر” بمدينة مستغانم، لينسف وقتئذٍ آمال العشرات من هواة المسرح في أن يكون لهم مكان يأوي مواهبهم التي تفجرت على الخشبة نفسها التي مات فوقها سيراط بومدين.. قرار تهديم ”الموجة” اعتبره المثقفون آنذاك جريمة كبرى في حق إرث ثقافي وتاريخي عريق بالمدينة، إذ لم تجد تنديداتهم نفعا ومضت آلة التهديم في بنيان المسرح وحولته إلى ذكرى نفخت جمر الحلم في بوحجر بوتشيش، ليؤسس امتدادا لذلك الفضاء الذي ضمَّ هواة أب الفنون ومحبيه ومريديه منذ السبعينيات.ملحق مسرحي واستوديوهات سينما لم يترك أبناء مدينة حمام بوحجر معلما تاريخيا وثقافيا بالمدينة إلا وانتشلوه من براثن الإهمال، فقد قام بوحجر بوتشيش والمخرج المسرحي محمد ملياني بإعادة تهيئة المسرح المدرسي الذي يتوسط مجمعا تعليميا بأحد الأحياء السكنية، حيث توجد مدرسة ابتدائية للبنات وأخرى للذكور ومتوسطة تعليمية. ويعود تاريخ بناء هذا المسرح المدرسي المتخذ شكل كاميرا تصوير إلى الفترة الاستعمارية. وسيكون المسرح المدرسي اعتبارا من إعادة تهيئته وتجهيزه ملحقا لمسرح البسمة، إذ سيشهد تقديم عروض مسرحية وتنظيم ورشات في فنون العرض والمهن المتعلقة بالمسرح، كما هو مخطط له من طرف بوتشيش وملياني.ويخطط بوحجر لإنجاز استوديو سينما كبير في الفضاء نفسه الذي يتواجد فيه المعبد، فالمصنع القديم للخمور مكان واسع جدا بطول خمسين مترا وعرض خمسة وعشرين مترا، وهو فضاء ساحر وهادئ صور فيه فيلمان قصيران هما ”الهوية” لعبابو عبد الجواد و”حركة حقيقية” لبن عبد الله محمد.إن كل من يرى المكان ويزوره يحس بروحانية طاغية يغيب معها الاحساس بالوقت، إذ يمكن أن يقضي الزائر يوما كاملا هناك دون أن يشعر.. هذا الإحساس الذي أحسه أحد أصدقاء بوحجر أول الأمر وجعله يتلفظ بكلمة ”المعبد” لوصف المكان، ومع الوقت سارت اللفظة على ألسنة أهل المسرح وأصدقائه حتى سمي هكذا.. زيارات متواصلة للأصدقاء وعروض مسرحية لا تنقطع زيارات الأصدقاء من المسرحيين وغير المسرحيين لمسرح البسمة قصد الإطلاع على التجربة عن قرب، ومدّ الفنان بوحجر بالدعم المعنوي أو المادي وتشجيعه على مواصلة المغامرة التي خاضها بإيمان قوي قلّما نلمسه لدى شاب في مثل سنه.. فشبان مثله يفكرون في الهجرة أوالحرڤة على أن يربطوا مصيرهم أكثر فأكثر بواقع مرير لا يمنحهم شيئا، والأدهى أن بوحجر تمسك بتحقيق حلمه والإنفاق عليه بماله الخاص ووقته وجهده وهو الموظف العادي الذي لا يتقاضى سوى أجرة شهرية يعيل بها أسرته و أولاده. من جهة أخرى تتوافد على المعبد طلبات تقديم عروض مسرحية على خشبته رغم عدم انتهاء الأشغال به، وقد قدمت به عدة عروض ومايزال يستقبل المزيد، وبذلك كوّن المعبد جمهوره الذي ينتظر مواعيده المسرحية من وقت لآخر وينتظر أكثر فتح أبوابه رسميا بمباركة الجهات الوصية على الثقافة، التي يناشدها الفنان المسرحي بوحجر وكل فنان مؤمن بمشروعه بأن تدعم أول مسرح خاص في الجزائر.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)