الجزائر

المشاركة السياسية في الوطن العربي



المشاركة السياسية في الوطن العربي
تمر الجزائر في هذه الآونة بمرحلة صعبة بعد نتائج الانتخابات التشريعية وظفر حزب جبهة التحرير بمئتين وعشرين مقعدا في البرلمان.
واذا صدّقنا الامين العام لجبهة التحرير عبد العزيز بلخادم، بأن الشعب صوّت على الاستمرارية بعد أن أكد المكتب السياسي للحزب العتيد بكون نتائج الاقتراع تؤكد تشبث المواطنين، أكثر من أي وقت مضى، بخيار الاستقرار والاستمرارية، وذلك له علاقة مباشرة بتركيبة الجهاز التنفيذي المقبل الذي سيحافظ على الاغلبية الساحقة لوزرائه، وان كان سيجري عملية تغيير بسيطة تتناسب مع مصالح الحزب العتيد.
ونذكر ان المجلس الدستوري قد أقر توزيع اصوات الناخبين ومقاعد البرلمان على 27 حزبا سياسيا، إضافة إلى قوائم الأحرار. وفازت جبهة التحرير الوطني بأكثر من 1,3 مليون صوت و221 مقعد، وحصل التجمع الوطني الديمقراطي 524 الف صوت و70 مقعدا، وحاز تكتل الجزائر الخضراء 475 الف صوت منحته 47 مقعدا، وحصلت جبهة القوى الاشتراكية على 188 الف صوت وحصلت على 21 مقعد. فيما حصلت مجموع القوائم المستقلة على 671 الف صوت وحصلت على 19 مقعدا.وبغض النظر على الكيفية التي توزعت بها بقية الأصوات، فان 1,7 مليون صوت الملغاة، وهو الرقم الاعلى من الاصوات التي حصلت عليها جبهة التحرير يحسب حسابه في اي استبيان استراتيجي لتشريعيات ماي 2012. ولسنا هنا لنسأل على الكيفية التي حصلت به الجبهة على نصف عدد مقاعد البرلمان، ولكن لنسأل عن مدى فعالية برلمان، يملك الحزب العتيد فيه حق الفيتو، بمعنى أنه قادر على التحكم في التشريعيات وتقنين القوانين.
ومعنى هذا ان المشاركة السياسية في برلمان بهذه المواصفات لن تكون واضحة المعالم. ومن المعلوم أن التغيير أو الانتقال الى الديمقراطية صيرورة تحتمل مسارات عدة، وتفترض عقلا تركيبيا يمتلك ما يلزم من شروط الوعي الثقافي والسياسي، ويوظف المكتسبات والتراكمات لإنجاز مسار الانتقال، وتعميق فعل التغيير.
والتغيير مركب يتدخل فيه فاعلون مختلفون، معنى ذلك أن البناء واعادة البناء هو أصعب ما فيه. واننا لنسأل:كيف يا ترى لمثل هذا الجهاز أن يقوم بدوره وهو لا يملك مثل هذا العقل التركيبي؟
ويظهر أن السياسي الجزائري، وقبل أن يقرر ضرورة انجاح الانتخابات التشريعية، كانت الرهبة من أحداث الربيع العربي تأسره ظانا ان الثورة التي مرت بها تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ستمرّ بها حتما الجزائر. إن أساليب الاحتجاج والمظاهرات أضحت صورة لما يعتبره العرب ثورات الكرامة على الحكومات الطاغية والانظمة الاستبدادية.
ويذكر جان بيير فيليو أن هذه الانتفاضات تشكل في الواقع ثورة عربية واحدة، مهما اختلفت سياقاتها وتعبيراتها هنا وهناك، وان هذه الثورة تمثل نهضة ثانية بعدما تعرضت النهضة الأولى، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، للإجهاض.
وليس من الصدفة في شيء أن تكون كل من مصر وتونس في طليعة كلتا النهضتين.
ونذكر أن الذي حدث في الوطن العربي تحت اسم الربيع العربي كان قد حدث في الجزائر في مظاهرات سنة 1988 وسقوط الاتحاد السوفياتي مع الثورات التي هدت دول أوروبا الشرقية.
واختارت الجزائر الليبرالية واقتصاد السوق، وفي تلك الآناء ظهرت الاحزاب والاحزاب الاسلامية بما فيها جبهة الإنقاذ، وقامت قيامة الخلافات والثورات والثورات المضادة، وكانت الجزائر مرشحة لحرب شديدة وخلافات أثّرت في الجزائريين؛ إسلاميين أو وطنيين أو علمانيين.
ولم يكن للجزائر أن تخرج من المأزق الذي وضعت فيه نفسها، إلا باختيار قائد وسياسي حكيم ومحنك يعمل على اخماد نار الفتنة، وتم اختيار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وسياسة المصالحة الوطنية.
ونذكر هنا أن ما عرفته دول عربية باسم الربيع العربي عرفته الجزائر خلال حقبة كاملة في صورة قتال عنيف ومذابح كادت أن تمزّق أوصال الشعب وتقسّم الجزائر إلى مناطق وجبهات.
إلى جانب هذا، كاد الإسلام السياسي أن يأخذ صورة سيئة من جراء الجرائم الناجمة عن الخلافات والخلافات المصطنعة، لولا علاقة المواطن بدينه وعلمه بجزافية التوجهات التي تحسب نفسها توجهات إسلامية.
كل هذه الاحداث كانت غائبة كلية عن ذهن الدارس السياسي العربي والغربي. لذا نظر الدراس المغربي محمد نور الدين أفاية في مقاله القوى الاجتماعية للثورة الذي نشرته مجلة المستقبل العربي، بأنه مهما كانت تطورات الاحوال في مصر أو غيرها من الساحات العربية المنتفضة
يبدو أن للجيش دورا حاسما في الانتقال، إما باختيار دور الحياد، وترك اللعبة السياسية الديمقراطية تؤسس لمجال سياسي ديمقراطي تدرّجي، كما يحصل في تونس، أو بالتحايل على مطالب الثوار والمناورة للاستمرار في تقاسم السلطة والتحكم في مجالات السيادة، كما لا تكفّ المؤسسة العسكرية المصرية عن القيام به. حالة الجزائر بالنسبة لهذا الدارس أنها لا زالت مستمرة في معاندة مطالب التغيير، وشراء السلم الأهلي مؤقتا، بفائض أموال النفط والغاز وهكذا يتطاول هذا الدارس على التاريخ وعلى الجزائر فيفصل مرحلة كاملة عرفت فيه البلاد ثورتها عن الاعتبار، زاعما انها اشترت السلم مؤقتا بأموال النفط والغاز.
نخلص في الأخير إلى أن المشاركة السياسية في الجزائر تحمل نقائص كبيرة، وأن الحل لن يقدمه لا الحزب العتيد ولا التجمع الوطني الديمقراطي، ولا تكتل الجزائر الخضراء، ولا جبهة القوى الاشتراكية ولا حزب العمال، وإنما يتم بقبول الجزائري بالمشاركة السياسية، بحيث لا يسحب ثقته بهذه السهولة فيقاطع الانتخابات، أو يقدم ظرفا خاليا.
إنها أيضا اختيار حكومته حسب ما تمليه هذه المشاركة كما هي رحلة مع الديمقراطية التي ليس من السهل اكتسابها بين يوم وليلة، انه يجب إطلاق العنان للحريات ولخوصصة الإعلام السمعي البصري.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)