الجزائر

المسرح بين التأصيل والاقتباسهل نفتقر إلى النصوص أم إلى الركح؟



حقق الوزير الأول فلاديمير بوتين فوزا عريضا في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الروسية بـ 82,61 بالمائة حسب النتائج الأولية التي شملت 15 بالمائة من مكاتب التصويت حتى مساء أمس.وجاء منافسه غينادي ريوغوناف في المرتبة الثانية بـ 82,17 بالمائة وفلاديمير جيرينوفكس (8')، ثم ميخائيل بروخوروف (5,7') وسيرغاي ميرونوف (67,3').
وكان حوالي 109 مليون ناخب روسي على موعد أمس مع صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للبلاد أكدت كل المعطيات أن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الطامح للعودة مجددا إلى قصر الكرملين سيكون الفائز في هذه الانتخابات.
وقال هذا الأخير لدى أدائه واجبه الانتخابي رفقة زوجته لودميلا، التي نادرا ما تظهر أمام وسائل الإعلام بأحد مراكز الاقتراع بالعاصمة موسكو، ''لقد نمت جيدا ومارست الرياضة ثم أتيت إلى هنا''، في تأكيد ضمني على اطمئنانه على فوزه، معبرا عن أمله في أن تحقق هذه الانتخابات مشاركة قوية، خاصة وأنها بلغت نسبة 30 بالمائة خلال الفترة الصباحية.
من جانبه؛ حث الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، أمس، الناخبين على التوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة، معربا عن ثقته بأنهم ''سيتخذون الخيار الصحيح لأنهم يعون أن المستقبل يعتمد على نتائج الانتخابات المقبلة''.
ويعتبر بوتين الذي يوصف بـ''الرجل القوي'' في روسيا من بين المرشحين الأوفر حظا للفوز بهذه الانتخابات، خاصة وأن آخر نتائج سبر الآراء أكدت أن 60 بالمائة من المستجوبين يفضلونه على المرشحين الآخرين.
وينافس بوتين في هذا السباق الرئاسي أربعة مرشحين آخرين ويتعلق الأمر بالمرشح الشيوعي غينادي زيوغانوف والمرشح الشعبوي فلاديمير جيرينوفسكي والملياردير ميخائيل برخروف والقادم الجديد إلى الساحة السياسية مرشح تيار الوسط سيرغي ميرونوف.
وحتى يفوز أحد المرشحين بالرئاسيات في جولتها الأولى عليه أن يحصل على  50 بالمائة زائد صوت واحد من أصوات الناخبين المشاركين في عملية الاقتراع.
ويأمل أنصار بوتين في تحقيق فوز كبير رغم تشكيك المعارضين في شرعية الانتخابات بعد التأكيد على تسجيل حالات تزوير لصالح المرشح الأقوى.
وقامت السلطات الروسية، من أجل تفادي الوقوع في متاهة هذه الاتهامات، بنصب 91 ألف كاميرة - فيديو في 96 ألف مركز اقتراع في البلاد من أجل ضمان شفافية الاقتراع.
كما سمحت لممثلي الأحزاب السياسية بمراقبة العملية الانتخابية وبحضور 700 مراقب دولي بينهم مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا واتحاد الدول المستقلة، إضافة إلى 176 ألف مراقب روسي.
لكن ذلك لم يكن كافيا لممثلي منافسي بوتين والمعارضة، إضافة إلى منظمات غير حكومية ووسائل إعلام مستقلة، الذين أكدوا رصدهم لحالات تزوير منذ الساعات الأولى للعملية.
ولأن هذه الانتخابات تجري وسط حركة احتجاجية غير مسبوقة مناهضة للسلطة الحاكمة فقد تم تجنيد 380 ألف عنصر من الشرطة و30 ألف متطوع و31 ألف حارس أمني خاص لضمان أمن العملية.

ينتظر أن يلتقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليوم بنظيره الإسرائيلي شمعون بيريز  عشية لقاء حاسم بالوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بما يؤكد القناعة أن طبول الحرب بدأت تدق وبقوة هذه الأيام باتجاه شن إسرائيل وبدعم أمريكي لضربات جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وتقاطعت عدة معطيات في المدة الأخيرة كرست مثل هذه القناعة وبكيفية أعطت الاعتقاد أن حلم إيران لإتمام مشروعها النووي كما تصر على ذلك قد يعرف نهايته هذه المرة، بعد أن روجت مصادر إسرائيلية أن إيران أوشكت على تصنيع أول قنبلة نووية ودخولها النادي النووي في العالم ضمن إيجاد المبرر لقصفها.
فلم يسبق لأي رئيس أمريكي أن استقبل عددا من المسؤولين الإسرائيليين بهذا المستوى من المسؤولية وفي ظرف قياسي لولا أن الأمر استدعى استنفارا عاما في إسرائيل من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية لرفع تحفظاتها على أي عمل عسكري ضد إيران.
ويمكن القول أن المعطى الأكثر أهمية يبقى التحول الذي عرفه الموقف الأمريكي من البرنامج النووي الإيراني في تحول مفاجئ باتجاه الأسوأ عندما شدد من لهجة خطابه تجاه إيران، وأكد أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة للتعامل مع مأزق الأزمة الإيرانية.
وهي المرة الأولى التي يلمح فيها الرئيس باراك أوباما لوجود احتمالات متزايدة للجوء قوات بلاده إلى خيار القوة العسكرية لردع إيران عن مواصلة أبحاثها النووية بدعوى أنها تحمل نزعة عسكرية.
ولم يكن صدفة أن يغير الرئيس الأمريكي موقفه عشية انعقاد المؤتمر السنوي للاجتماع السنوي لمنظمة ''ايباك'' أكبر لوبي يهودي في الولايات المتحدة الأمريكية بل انه يبقى ـ حسب خبراء ـ في صناعة القرار الأمريكي أن بصماته كانت حاضرة في كل قرار تتخذه الإدارات الأمريكية بفضل تشابك علاقات أعضائه وتغلغلهم في كل دوائر صناعة القرار الأمريكي إلى درجة أصبح يمثل أهل العقد والحل في اكبر قوة في العالم.
والمؤكد أن الحكم على موقف الرئيس الأمريكي وكل الولايات المتحدة سيتحدد اليوم في الخطاب الذي سيلقيه أمام المؤتمر السنوي اليهودي في الولايات المتحدة والذي سوف لن يخرج عن لغة التودد لإسرائيل والالتزام بالدفاع عنها ضمن صورة كاريكاتورية وكأنها الأضعف بين جيرانها مع أنها اكبر قوى نووية في العالم وليست في حاجة للدفاع عنها حتى من الولايات المتحدة.
وكان الرئيس باراك أوباما يشير في كل مرة عندما يسأل ما إذا كانت إدارته تعتزم ضرب إيران بأنه يفضل تغليب لغة العقوبات الاقتصادية وخيار الدبلوماسية حتى تأتي بثمارها وهو الرد الذي عادة ما كانت تدافع عنه وزيرته للخارجية وكل المسؤولين الأمريكيين الآخرين.
ولكن ما هو الطارئ الذي جعل الرئيس الأمريكي يتحول عن موقفه واستبدال لغة المهادنة الدبلوماسية بقرع طبول الحرب في منطقة لا تعرف الاستقرار؟ الإجابة قد تبدو صعبة بنفس درجة تعقيدات أزمة الملف النووي الإيراني وتداخلات مصالح القوى الكبرى المؤيدة والرافضة لأي عمل عسكري ضد إيران.
ولكن عندما نحيط بالموضوع في آخر التطورات التي عرفها ندرك أن تصريحات الرئيس الأمريكي أملتها انتخابات رئاسية مصيرية بالنسبة للمستقبل السياسي للرئيس اوباما شهر نوفمبر القادم وبالتالي بمسألة تمويل الحملة الانتخابية التي يبقى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة من أكثر الفاعلين فيها وكل مرشح مرغم على التودد له من اجل إنجاح حملته وبالتالي إمكانية الوصول إلى البيت الأبيض.
وعندما ندرك أن اللوبي اليهودي المتغلغل في دواليب دوائر صناعة القرار الأمريكي يملك بفضل تشعب شبكاته احتكارا على وسائل الإعلام الأمريكية وحتى العالمية ندرك الأسباب التي جعلت الرئيس اوباما ينقلب على عقبيه منتهجا لغة التشدد في كيفية تعامله مع إيران، حتى لا يتحول من المرشح المفضل إلى المرشح غير المرغوب فيه.
ولم تكن زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك منتصف الأسبوع الماضي إلى الولايات المتحدة ولقائه بأقطاب هذا اللوبي وسياسيين في الكونغرس الأمريكي المعروفين بدفاعهم المستميت على أمن إسرائيل ''المهدد من طرف جيرانه'' إلا مجرد ''إنذار'' أول باتجاه الرئيس الأمريكي الذي يتعين عليه فهمه قبل فوات الأوان.
ويبدو أن أوباما وعى الدرس واستوعبه جيدا، مما جعله يؤكد بطريقة ضمنية أن خيار العقوبات الاقتصادية والمفاوضات الدبلوماسية لم يعد مقتنعا بها لصالح طغيان بديل القوة العسكرية الذي أصبح في نظره الوسيلة المثلى لوضع حد لهذا المأزق الدولي.
ولم يكن من الغريب أيضا أن نسمع مسؤولين إسرائيليين يؤكدون علنا أنهم لن يعتمدوا على أي احد في حال اتخذوا قرارهم بضرب المنشآت النووية الإيرانية متى رأوا ظروف ذلك مواتيه لتحركهم.

استضاف موعد ''صدى الأقلام'' بالمرسح الوطني أول أمس، الشاعرة سميرة نقروش، التي قرأت مقتطفات من قصائدها ذات المضامين المتعددة والمعاني الراقية جالبة بذلك اهتمام الجمهور الحاضر.
استهلت سميرة لقاءها مع الجمهور بقراءة بعض قصائدها المكتوبة بالفرنسية، ليشاركها الشاعر عبد الرزاق بوكبة هذه القراءة بالتداول، من خلال قراءة نفس النص الذي تقرأه سميرة مترجما الى اللغة العربية، التي تكفلت بها ضيفة ''صدى الأقلام''، ومما قرأت سميرة قصيدة ''180 درجة'' التي يقول مطلعها:
''يغوينا نداء الغرب تغوينا هذه السكة التي تحملك جارفة إلى لحظة اللقاء لكنك تنصرف في ''140 درجة''...
مقاطع أخرى من قصائد مختلفة قرأتها الشاعرة واقفة وكأنها تؤدي مشهدا مسرحيا وكانت في أوج انسجامها مع عبد الرزاق بوكبة.
استعرضت سميرة خلال هذا اللقاء تجربتها مع عالم الشعر. مؤكدة أن تجربة الكتابة هي وليدة تجربة القراءة، كما أن علاقتهما مع الأدب والشعر بدأت من خلال تأثرها برواد الأدب الجزائري الحديث المكتوب باللغة الفرنسية من أمثال محمد ديب، مالك حداد، جون سيناك وغيرهم، حيث أنها تصف هؤلاء الرواد بـ''شجرة الأدباء'' و''ذاكرة الأدب''.
ترى سميرة أن الشعر تتحقق فيه كل المتناقضات، كما أنه ضرورة أولية للإنسان على الرغم من انعدام أية قيمة مادية (مالية) له قد يلهث وراءها البشر، تقول ''لا ننتظر أي شيء من الشعر لكننا في نفس الوقت ننتظر منه كل شيء، فإذا فنيت المادة لا تبقى إلا قيمة هذا الشعر''.
ودائما في اطار حديثها الفلسفي، تؤكد سميرة على ضرورة الاحتكاك بالعالم الخارجي المختلف لإنقاذ عملية الإبداع، لتقول ''لا يمكن للشاعر أن يصف زرقة سماء الجزائر وخصوصيتها إذا لم ير زرقة سماء الصين أو كندا أو غيرها من البلدان، إذ لا معنى لما نعرفه إذا لم نعرف غيره''. وأعطت سميرة بعض الأمثلة عن عملية الاحتكاك والتواصل مع الغير، لتمكين القدرة الإبداعية من الاستمرار والتجديد، ومن بين الأمثلة التي ذكرتها تجربة الشاعر الألماني الكبير غوت، الذي وقف عند حالة جفاف اللغة الألمانية الشعرية فقرر التوجه الى المشرق والاستزادة من تجربة الشعر العربي وبذلك انعش تجربته وانقذها من الاضمحلال. كذلك الحال بالنسبة للشاعر المغربي المعروف عبد الكريم الخطيبي (يكتب بالفرنسية) الذي أنعش كتاباته الشعرية من خلال تجربة عاشها في دول شمال اوروبا الاسكندنافية، والهدف من هذه التجارب هو اكتساب تقنيات ومعان وجماليات غير متوفرة في بيئة الشاعر، لتوظف فيما بعد في ترجمة الواقع الذي يعيشه الشاعر داخل بيئته (مجتمعه).
وأبدت سميرة نقروش اهتمامها الخاص بالشعر العربي سواء الكلاسيكي (خاصة الجاهلي) أو الحديث والمعاصر، مؤكدة أنها دائمة البحث عن جديد هذا الشعر، كما عبرت عن ولعها بترجمة النصوص الشعرية العربية، فهذا يمكنها من الاستمتاع بالنص الشعري مرتين، مرة بلغته الاصلية والاخرى بلغة ترجمته. وبخصوص عملية الترجمة أكدت الشاعرة أن الترجمة التقليدية لا مكان لها الآن في مجال الشعر المعاصر، لأنها تقتل النص وتجعل القارىء الفرنكفوني مثلا ينفر من القصيدة وبالتالي من الشعر العربي. وعلى الرغم من تجربتها في مجال الترجمة، إلا أن سميرة اعترفت أنها لا تملك القدرة الكافية على كتابة نصوصها الشعرية باللغة العربية، إذ أن ذلك حسبها يتطلب نفسا شعريا قويا لا تملكه هي في لغة الضاد.
من جهة أخرى، أشارت إلى أن هناك من الاسماء الشعرية من هي أقدر منها على الشعر العربي.
تفتخر سميرة عند حديثها عن تجربتها مع الترجمة، حيث تمكنت من ترجمة أعمال شعراء عرب (من كل الوطن العربي) لم يكن يسمع بهم أحد في أوروبا وأمريكا، كما أوضحت بالمناسبة أنها لم تقتنع يوما بترجمة المستشرقين لأدبنا العربي لأنهم يحملون نظرة ليست دائما حيادية أو بريئة.
تناولت سميرة في أمسيتها الشعرية العديد من قضايا الشعر والأدب في الجزائر، كما تأسفت لاختفاء بعض الاسماء اللامعة التي أسقطها النسيان ولم يعد لأعمالها أثر، لا في المكتبات ولا الجامعات، عدا بعض المنشورات المتناثرة هنا أو هناك في مكتبات الخارج، خاصة في فرنسا، ومن تلك الاسماء الشاعرة نادية قندوز وبعض رواد الشعر المفرنس في الجزائر، داعية الى ضرورة تكريم هؤلاء والالتفات الى من بقي على قيد الحياة.
وأثارت سميرة بعض القضايا المتعلقة بالساحة الأدبية الجزائرية، وعلى رأسها العلاقة بين المثقفين المعربين والمفرنسين، مشيرة الى أن هذه العلاقة مرت بفترات قطيعة فصلت الفريقين، إلا أن الملاحظة أن الأجيال السابقة من مثقفينا كان يسودهم الاحترام رغم اختلافاتهم الايديولوجية التي لم يكن للاختلاف الثقافي واللغوي مكان فيها، في حين أن المعربين والمفرنسين اليوم تسودهم قطيعة عميقة على مستوى النقد (غير الموضوعي) وأنهم لا يقرأون لبعضهم ولا يحترمون بعضهم، ولذلك يتطلب الامر مزيدا من المجهود لخلق علاقة متكاملة تقضي على هذا الصراع الناتج عن غياب الحوار.
الجزائريون اليوم - تقول سميرة - أصبحوا يكتبون بكل اللغات، وبالتالي فإن الصراع بين المعرب والفرنس سوف لن يكون له محل من الإعراب.
لقد أصبح الشاعر المعاصر - تؤكد سميرة - يلامس كل مواضيع الحياة ولم يعد ذلك الشاعر المربوط بقضية ما (المرأة، الثورة)، فالنمطية - حسبها - ولت والأطر الكلاسيكية لم تعد بنفس القداسة.
من ضمن ما صرحت به سميرة في هذا اللقاء، اعدادها لعرض شعري بمناسبة خمسينية الاستقلال بعنوان ''الشمس في تعدد''، وهو يختصر تاريخ الشعر الجزائري (بالفرنسية) من سنة 1930 حتى ,2012 ويستحضر أسماء الرواد منهم جون عمروش أول من طبع شعره بالجزائر، ثم بعده بـ 15 سنة سيناك، فمحمد ديب، وهكذا وهو تكريم لمن ضحوا وعذبوا من أجل الجزائر كالشاعر الراحل جمال عمراني.
في آخر اللقاء قرأت سميرة مقاطع من قصائد كتبتها في 26 جانفي الفارط ستصدر في كتاب جماعي بعنوان ''التاريخ المصغر للثورات العربية''، وهي عبارة عن نصوص يبدأ كل واحد منها بحرف اسم بلد عربي عاش الربيع العربي (تونس، مصر، اليمن، ليبيا وسوريا)، كما قرأت مقاطع من ديوانها ''جاز الزيتون'' الصادر بإيطاليا وفيه
''قبل البحر/ تفلت الريح من الزمن
وتمنح الشمس المغمى عليها مذاق مصباح مطفأ
البحر مشعل دوما ببواخره المترنحة
تلك البواخر التي لا تصل أبدا في موعدها''...
للتذكير، فإن سميرة نقروش من مواليد 13 سبتمبر ,1980 طبيبة وشاعرة ومترجمة، عضو في جمعيات ثقافية بأوروبا، شاركت في تظاهرات أدبية عبر العالم (الشرق الاوسط، أمريكا، افريقيا) ولها عدة كتب منشورة.

الحديث عن المسرح هو الحديث عن التاريخ، المجتمع، الحضارة، الثقافة و الطموحات، عن كل شيء يخص هذا الإنسان الذي شغف أن يكتشف نفسه من خلال المسرح وراح يوسّع من مساحة الركح الأسطورية والخيالية، ويعبر بها إلى الواقع، إلى الإنسان بكل طبقاته الاجتماعية وإنجازاته الحضارية، طموحاته المستقبلية وسجلاته التاريخية، لكن مايزال المسرح يلعب هذه الأدوار ولم يتخل عنها، ولم يعتزلها في كثير من المسارح العالمية، وهكذا كان المسرح الجزائري يشارك في هذه الإنجازات، إلى أن أصابه بعض الوهن والارتخاء في مفاصله، فإلى من يعود السبب، هل لانعدام النصوص أم لتكرير ما تم اقتباسه.
لم تكن لي رغبة في الكتابة عن المسرح الذي انقطعت عن الكتابة عنه منذ مدة، إلا أن ما استفزني لإعادة النظر في هذا الموضوع الجديد القديم، هو وجود أقلام تكتب النصوص المسرحية، غير أنها لم تر نورا بعد، وتظن أنها تتعرض لحصار بفعل فاعل وليس بسبب ضعف النصوص التي تبدعها، وقد تم طبعها بل بعض المسارح الأجنبية اتصلت بدور النشر التي طبعتها لتشتري منها حق الطبع، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النصوص الجزائرية الأصلية غير المقتبسة من كبار كتاب المسرح العالمي، يمكنها أن تعطي المسرح الجزائري دفعا قويا نحو التحرك، والإسهام مرة أخرى في إثراء المسرح المغاربي والعربي، حيث أثبت المسرح الجزائري جدارته بما أنتجه من مسرحيات كـ''القراب والصالحين''، ''حمام ربي''، ''الشهداء يعودون هذا الأسبوع'' والكثير من النصوص المسرحية سواء التي كتبت باللغة العربية أو الفرنسية بأقلام جزائرية، إضافة إلى السكاتشات التي كانت تجذب المشاهد الجزائري ويتجاوب معها أكثر مما يتجاوب مع المسلسلات الكوميدية الأخرى، خصوصا إذا كانت هذه السكاتشات أو الأفلام ذات الصبغة الفكاهية تعالج قضية من قضايا المجتمع، ومن منا لم يتجاوب مع حسن الحسني رحمة الله في ''تي قول وتي قول با''، و''سي بلقاسم البرجوازي'' أو المفتش الطاهر وسكاتشاته مع المرحوم يحي بن مبروك وغيرها من الأعمال ذات الصبغة المسرحية التي تدخل الفرجة على المشاهد، وفي نفس الوقت توعيه من خلال معالجتها لموضوعات اجتماعية، بالإضافة إلى الانتقادات البناءة التي من خلالها تحسس المسؤولين بما هو كائن في واقع المجتمع، وكأنما المسرح كان يؤرخ للمراحل التي مرت بها الجزائر في عهد الاستعمار، وعند الحركات الوطنية والإصلاحية، ومن ثم الثورة، ثم عهد الاستقلال والتجارب التي خاضتها الجزائر في ثوارتها الثقافية، الصناعية والزراعية.
المسرح وكتابة النص المسرحي كانا يفرضان نفسهما بقوة منذ الاستقلال مع مصطفى كاتب وباش طارزي، إلى كاكي وغيرهم ممن تركوا بصمات واضحة وأبدعوا في المسرح، وأضافوا له إضافات اعترفت بها كبريات المسارح العالمية مثل ''القوال''.
ومما ترك المسرح الجزائري يعبر الحدود ويفرض نفسه في المهرجانات الدولية ويكسب جمهورا عريضا، هو قراءته للواقع قراءة تعتمد على معرفة الذات حتى ولو كان النص المقدم نصا مقتبسا من مسرحيات عالمية مثل؛ ''القراب والصالحين'' التي يعتقد البعض أنها مسرحية مقتبسة من نصوص صينية قديمة، إلا أنها جزائرية أصيلة موجودة في قصيدة شعبية تروي هذه القصة بذات الطريقة التي كانت ترويها الأشعار اليونانية القديمة.
المسرح الجزائري وصل كبقية الأعمال الفنية الأخرى أوجه في فترة السبعينيات من القرن الماضي، ثم بدأ في الخفوت والأفول، وقد يكون سبب هذا الخفوت بفقدانه عمالقته، أو لأنه يتخبط كبقية القطاعات الأخرى في أزمته المادية، النصية والاحترافية، وأصبح مسرحا ارتجاليا يدور في مساحات ضيقة، فقد من خلالها جمهوره وأيضا كتابه ومبدعيه.
ولإنصاف المسرح، ليس وحده من بقي يتخبط في هذا الفقر المدقع للنصوص، رغم أن بعض المسرحيات في مسرح الهواة بمستغانم، والتي فازت بجوائز هذا المهرجان، كان بمقدورها أن تؤسس للجمهورية الثانية للمسرح وتعطيه نفسا جديدا من خلال الفرق والمواهب الشابة التي كانت تشارك بإبداعاتها، وأخص هنا بالذكر مسرح بلعباس، بجاية، برج منايل، عنابة وغيرها من المسارح، إلا أنها وللأسف مسها الخمول والتراخي، كذلك الذي مس نص كلمات الأغاني والشعر الشعبي والموسيقى، وذلك من خلال انسحاب عمالقة كتاب الأغنية ومؤدوها أمثال؛ الحاج رابح درياسة، محبوباتي، أحمد وهبي والحاج محمد العنقا الذين كانوا ينتجون النصوص أو ينقبون عنها في التراث، ليقدموها بروح العصر ويمزجون بين العصرنة والأصالة.
الاقتباسات المسرحية، لجأ إليها البعض متعللا بانعدام النصوص المسرحية وافتقارنا لكتاب هذه النصوص، ثم دار الجدال طويلا حول اللغة التي يمكن أن نكتب بها المسرح هل العربية الفصحى، الدارجة أم البحث عن لغة ثالثة؟ بقي هذا السؤال مطروحا ولا يزال ليومنا هذا رغم أن المشاهد الجزائري يتجاوب مع جميع هذه اللغات، سواء فصيحة أو دارجة أو حتى لغة ثالثة بين الفصحى والدارجة، وهذا ما نلاحظه في مشاهدته للأفلام والمسلسلات المدبلجة وكذا الدينية والتاريخية، التي تهتم بشخصيات علماء الدين والتاريخ، وهذا ما تأكد جليا في اللغة التي جاء بها فيلم ''الرسالة'' لمصطفى العقاد، والذي كان من بين كتاب سيناريوهاته، الكاتب المسرحي الكبير توفيق الحكيم رحمه الله.
إذن اللغة لم تكن يوما عائقا لتقديم مسرحية جيدة، وإنما العائق هو الإنسان نفسه الذي يشتغل على المسرح، والذي يختار النصوص المقدمة لتتجسد إلى مشاهد وفصول مسرحية.
بمقدور المسرح استرجاع جمهوره المفقود والعودة به إلى واجهة الأحداث، خصوصا وأن التغييرات التي يشهدها عالمنا العربي والاسلامي، والتطورات التي تشهدها مجتمعاتنا في جميع الميادين السياسية، الاقتصادية والديمقراطيات التي تضمن حرية التعبير والنقد وتمجد الفرد كما تمجد المجتمع، كل هذا يجعل من المسرح والكتابات المسرحية الواعية بالرسالة وبالتغيرات الحاصلة أن تقدم فنا راقيا ومسرحا واعدا.
قلت سبب كتابة هذا الموضوع ''المسرح بين التأصيل والإقتباس... هل نفتقر إلى النصوص أم الركح''، كان لقائي بأحد كتاب المسرح، وله حوالي خمس مسرحيات مطبوعة تقدم بها إلى الجهات المعنية، إلا أنه لم يلق إلا الأبواب الموصودة والآذان الصماء، هذا الكاتب هو الذي يرمز إلى اسمه بـ: ''ك.ل. ابن آدم'' ومن مسرحياته التي أضعها صورة لهذا الموضوع، مسرحية ''دار الشك'' التي صدرت عن دار الخلدونية في طبعتها الأولى سنة .2007
وقد طلبت إحدى دور النشر الأجنبية من الدار الناشرة شراء حقوق النشر.

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)