الجزائر

المسرح الجزائري يتوجّه إلى اللّغة الثالثة..


الفصحى تخرج العمل الفني من ضيق اللهجات المحلية
النص المكتوب بالعامية محكوم عليه الزوال..
ترى الدكتورة زبيدة بوغواص أن اللغة تشكل عنصرا فنيا مهما في المسرح، باعتبار أن العمل المسرحي بنية لغوية وجمالية، مثله مثل باقي الخطابات الأدبية، وأسلوبا من أساليب التعبير المهمة.
وأوضحت زوبيدة بوغواص، أن اللغة في المسرح بشقيها: لغة النص، ولغة العرض تشكل عنصرا أساسيا من عناصر الصياغة الأسلوبية، وهي المادة الأولية للكاتب المسرحي، باعتبارها وعاء يتضمن الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها إلى الآخر، ويحاول من خلالها أن يستقطبه عن طريق هذه اللغة، قائلة إن "لأسلوب التعبير اللغوي الذي يختاره المؤلف أثره البالغ في إقبال الجماهير أو إعراضها، وعليه فقد اهتم الكتّاب باللغة في تراكيبها وبنائها من اختيار مفرداتها، حتى تؤدي وظيفتها الفنية التي تتمثل في تحفيز مخيلة المتلقي، وإن فعل البناء يقترن بالبناء الفني للنص المسرحي"، كما لفتت الباحثة إلى أن لغة الدراما ينبغي لها أن تكون سهلة يسيرة طبيعية، وهي تنأى عن البريق، فلغة الدرامي هي اتفاق اللغة واختلافها مع الحركة والإيماء والحدث والموقف، فهي لغة كثيفة ومركبة تتفرد بحضورها القوي، وبتناسلها وتناميها، لغة تترجم على الركح إلى حركة وإشارة، ولهذا فالمخرج يضطر في كثير من الأحيان إلى حذف كثير من الرموز اللغوية أثناء العرض.
وحسب بوغواص يمكن القول إن اللغة في المسرح العربي والمسرح الجزائري خاصة، شكلت منذ البدء إشكالية، لاختلاف اللهجات، وهو ما نتج عنه مسألة التفاضل بين الفصحى والعامية، مشيرة إلى أن هناك من يرى المسرح وسيطا ثقافيا، وعليه أن يسمو بلغته، وفي المقابل رأى آخرون أن المسرح خطاب يتوجه إلى الخاصة والعامة من الشعوب في لغتها اليومية، وتحقيق واقعية اللغة.
وذكرت المتحدثة أن المسرح الجزائري بدأ فصيحا، مسكونا بالمرجع القرآني، وبالحكم والأمثال، حين اتخذت بعض الفرق والجمعيات الثقافية الفصحى أداة للتعبير الدّرامي، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه كان هدفه الإصلاح الاجتماعي والتوعية، وقد بدأ مع فرقة "هواة التمثيل العربي" التي أسسها محمد الطاهر فضلاء مع جمعية العلماء المسلمين، وسجلت أن "الرؤية النقدية لهذه الأعمال من حيث التلقي كان ضعيفا بسبب الأمية، ولعل التلقي الإيجابي كان مع مسرحية (جحا) لعلالو، الذي اعتمد فيها على العامية، إدراكا منه لمستوى الفرد الجزائري اللغوي، ثم استمر كذلك مع رشيد القسنطيني وباشطارزي".
وأضافت: "أما مسرحنا الآن، فهو يتجه نحو اللغة الثالثة التي قال بها توفيق الحكيم "لنترك لكل منهما مجاله الطبيعي"، خاصة، وأن المستوى الثقافي قد تحسّن، فلم يعد لدينا مبرر أن نمثل بالعامية التي كانت قبل الاستقلال، فقد اتضح أنه في اللغة العربية الفصحى مادة أقدر على حمل التأزم والتوتر لاسيما في حالات الوصف والسرد والتحليل، بالإضافة إلى أن توظيف اللغة العربية الفصحى قد يخرج العمل الفني من ضيق اللهجات المحلية، إلى فضاء تلقي أوسع، فهي اللغة التي تملك القدرة على التوصيل والتواصل مع المتلقي، وفق ما تقتضيه السياقات التواصلية المختلفة، مقابل العامية التي هي لغة نفعية فقيرة محصورة، إضافة إلى أن النص المكتوب بالعامية محكوم عليه بالموت، فهو محصور في الزمان والمكان"، وواصلت الدكتورة حديثها "يمكن أن نضيف أيضا أن الظاهرة المسرحية في تطور مع التيارات المسرحية العالمية الحداثية التي أخذت تقلل من شأن "الكلمة" وتترك المجال للممثل وللغة الجسد والسينوغرافيا، على غرار التجريب في المسرح العالمي، ولعل مسرحية جي بي أس GPS للمخرج محمد شرشال، راهنت على هذا الاتجاه في المسرح الجزائري، حين تخلص من أدبية النص لصالح لغة أخرى لغة الصمت والإشارة والإيماء، ولا غرو في ذلك، فقد كانت لغة الإنسان الأول، وهي أقدم لغات العالم، فوصلت الرسالة إلى المشاهد عن طريق لغة الصمت".
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)