لا تزال المجتمعات العربية عموما و المجتمع الجزائري خصوصا يعيد صياغة اشكاليته السياسية و الاجتماعية و البيداغوجية- التعليمية إلى منظومة الفقه الديني معتقدا بوجود الحل و الخلاص النهائي ، تسيطر سلطة الفقيه عن باقي الأصوات النخبوية التي تحاول إعادة قراءة مجموعة من المفاهيم و إدراج بعض القيم الحداثية و فتح حوارات و نقاشات تعالج فيها أوضاع المجتمع فكريا و سياسيا و تنظيميا . على مر الوقت باتت تشبه ممارسة السلطة الدينية اليوم عبر الأحزاب الإسلامية والجمعيات الدينية المحافظة عمل المراقباتي–الوقائي يحرم كل النقاشات المجتمعية التي تدار حول محاور قد لا توافق تلك الرؤى وجهة نظر المؤسسة الدينية و تقيم حواجز و موانع جاهزة أمام تقدم أي صياغة قد تخالف قواعدها و آراءها .نظم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أيام مغاربية تناول فيها وضعية المرأة في شمال إفريقيا، ضمت الندوات حضور كل من بلدان تونس و المغرب و الجزائر ، عرض خلالها الضيوف أهم الرهانات و التحديات التي يشهدها واقع المرأة اليوم مغاربيا و إقليميا.
جدد السيد محسن بلعباس رئيس الحزب في خطابه الختامي الدعوى إلى المساواة بين الرجل و المرأة ، من صور تلك المساواة مسألة مساواة في الميراث بين الرجل و المرأة . في الحقيقة دعوة الارسيدي ليست جديدة و لا بدعة مستحدثة بل مبدأ المساواة يشكل الأرضية الفكرية و الأيديولوجية للحزب و اللائحة مطلبية ناضل من أجلها منذ بدايته العمل السياسي الشرعي ، يعكس تصور الحزب لمسألة المساواة تبنيه البعد المواطناتي كمعيار أساسي في بناء الدولة الحديثة ، و نقطة مرجعية في رسم العلاقات المجتمعية التي تربط بين الأفراد و الجماعات و الدولة ، فكرة المواطنة التي تتجاوز الجنس و الدين و المذهب و الاقرار بالحقوق الفردية و الجماعية للمواطن الجزائري دون تمييز. و أي تمييز على اساس الدين أو الجنس هو صورة من صور الخضوع و الهيمنة سواء الدينية- الطائفية أو الذكورية على حساب المسألة الحقوقية المواطناتية .
جاءت ردة فعل التيار الاسلامي كالعادة، الاندفاع و الحماس و الخصومة و الشتيمة ، سائرة على درب سلوك الأنظمة البوليسية و الشمولية التي تستخدم التشويه و الاتهام بالعمالة و التخوين، الطرف الاسلاماوي بارع في استعمال الخطابي العدائي-الدعائي في تقويض الخصوم كالتفسيق و التكفير و نأخذ عينة من المفردات التي جاءت في تغريده رئيس حزب إسلامي في وصف خصومه الاخرين : المستغربون ، اذيال الاستعمار ….
بدل ما يشكل الخطاب الإسلامي بديلا عن منظومة الفقه التي يقر عبر بعض النصوص و الخطابات بأقدميتها يقف عاجزا و يعتمد كليا على تلك المنظومة في تأطير تصوراته الحياتية و السياسية و القانونية و بات حبيس منظومة اجتهاد عقيمة غير قادرة على أي طرح تجديدي –عقلاني- وسطي يتعامل مع الواقعية و التحولات المجتمعية و الانسانية وفق رؤية أكثر وعيا و قبولا .
إن خصوصية النص الديني تحمل التنوع و التعدد في القراءة و هي قادرة على الاستجابة إلى المتغيرات و التحولات التي تفرضها الحركية التاريخية الانسانية شرط إحداث تجديد في الرؤية و الاعتماد على مناهج معرفية تفوقت فيها المنظومة المعرفية أخرى . إن ظاهرة تعدد المدارس الفقهية شكلت نقطة إيجابية في التاريخ الاسلامي و إن كان التقبل و التسامح مع التنوع المذهبي كان هناك المنع و القمع و الرفض في التنوع العقائدي و السياسي و هذا من المفارقات المبهمة في التاريخ الاسلامي .
نذكر على سبيل المثال جهود رمزين من دعاة الحقل الإسلامي السياسي عملا على إحداث قفزة نوعية في فهم روح النص و ليس تفسير النص نصيا و سطحيا . عمل حسن الترابي الزعيم الإسلامي السوداني إلى إعادة تأسيس منظومة أصولية تخضع النص المقدس إلى رؤية أكثر عمقا تنزع منه صفة القداسة المطلقة على المتغير في النص و يقصد الفقه و أنماط الحكم و السياسة و إبقاء القدسية في الثابت النص و هو الالوهية و الربوبية لكن الداعية الإسلامي حسن الترابي عانى من التهميش على الصعيد السياسي و العزلة على الصعيد الدعوي الديني عبر تصنيفه أنه من طائفة القرآنيين و قد ذهب علماء الحجاز إلى وصفه بالعلماني أكثر و أخطر من علماني الغرب و التغريب.
الوجه الأخر الذي اشتغل على تجديد أصول الدين هو الدكتور المغربي أحمد ريسوني ، الذي اعتمد فيها على المدرسة الشاطبية المغاربية و حاول استحداث عبرها معايير جديدة في الاجتهاد و إعادة النظر في المنظومة الفقهية القديمة لكن مبادرات الدكتور الريسوني تبقى جهود شخصية و فردية لم ترتقي إلى العمل المؤسساتي أو الاكاديمي الجامعي كي يعطى لها دفع و قوة ممكن لها أن تشكل أرضية و مرجعية للعقل الاسلامي الحاضر.
مجهودات أخرى عملت على تجديد قواعد الاجتهاد كالمعهد الإسلامي للدكتور العراقي طه جابر العلواني عبر ما سمي بمشروع إسلامية المعرفة الذي تحول إلى مشروع إسلامية المناهج الغربية و أضحى العمل نقذي تفكيكي بدل التأصيل و التأسيس لكن أعتقد ان المعهد وليد مشروع ميت عبر استقطابه كوادر من المعارضة السياسية ذات التوجه الاسلامي أبقت حبيسة تكوينها الديني –الدعوي بدل الطرح الجامعي و المعرفي .
في الأخير لابد من الإشارة إلى أن العقل الاسلامي شكل اشكالية استعصت على العلماء و المفكرين تفكيكه أو إحداث تغييرات داخل منظوماته السلفية النصوصية بدأ من جمال الدين الأفغاني ، محمد عبده ، رفاعة الطهطاوي ، رشيد رضا ، طه حسين ، أحمد أمين إلى محمد أركون و عبد الله العروي و الجابري ، لقد اشتغلت تلك النخب على العقول كانت فيها الاجساد ضحية السيطرة العسكرية العثمانية ثم الاستغلال و الاستعمار الفرنسي-البريطاني و الأوروبي و في الأخير تحت قبضة الدول الوطنية الشمولية و لم تشهد نهضة صناعية تعيد ترتيب أولوياتها الحياتية و تبقى المجتمعات تعيش المتخيل و يوتوبيا الدولة العمرية العادلة .
كل هذا الحديث المطول الفلسفي يرفع الستار عن طبيعة و ماهية ردة فعل التيارات الدينية في الجزائر إزاء المواقف و السجلات المطروحة قصد إيجاد مخرج لحالة الانسداد السياسي و الاجتماعي و الحقوقي و عليها تجاوز الكثير من العقبات الذهنية الرجعية في تأسيس وعي سياسي مستقيم قائم على التكامل في الطرح الديمقراطي- الحقوقي و ليس الايمان ببعض الكتاب و الكفر بالبعض الأخر، هناك أيضا نقطة أساسية عليها الفصل بين الفكر السياسي القائم على الفكرة الخلافة التي تعني التكليف الالهي في تنفيد أحكام الله في خلقه و عباده و بين مفهوم الدولة المدنية التي يفترض النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية دفع المضار، فالمسؤولية الأولى هي نبوية و قد انقطع الوحي و الهدف الثاني هي وظيفة الإنسان .
بقلم عمر لشموت
[email protected]
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/09/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مولود صياد
المصدر : www.elhiwaronline.com