عمر التلمسانى (مرشد الإخوان من 1973 - 1986) هو مهندس إعادة بناء جماعة الإخوان بعد أن مزّقوا كل ممزق خلال فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر. خلافاً لغيره من مرشدى الجماعة تمتع «التلمسانى» بمجموعة من السمات الفردية التى مكّنته من جمع شتات الجماعة بعد رحلة التيه خلال فترة الستينات، ووضع الخطط ووفر الأدوات التى مكنت الجماعة من التمدّد بصورة ربما تكون قد فاقت توقعاته خلال فترتى السبعينات والثمانينات. وفر له الرئيس السادات فرصة نادرة لكى يطل منها على المصريين عبر شاشة التليفزيون عندما دخل معه فى حوار بثته قناة التليفزيون المصرى الأولى (حينذاك لم يكن هناك سوى قناتين للبث التليفزيونى: الأولى والثانية).
بدأ المشهد بالرئيس السادات، وهو يعاتب «التلمسانى» على ما يكتبه فى مجلة الدعوة حول التأكيد على شرعية جماعة الإخوان، وأن المخابرات الأمريكية تحرّض النظام فى مصر على التخلص من الإخوان والجماعات الإسلامية، ثم أعطى «السادات» الكلمة لـ«التلمسانى»، يومها نفى عمر التلمسانى وجود أى علاقة أو تعاون من أى نوع بين الإخوان والشيوعيين، مؤكداً أن الإخوان لا يتآمرون على الدولة، وقال يومها عبارته الشهيرة: «سيادتك اتهمتنى وأنت رئيس الدولة.. لو أن غيرك اتهمنى لرفعت الأمر إليك.. إنما اليوم إلى من أرفعه؟.. أرفع أمرى إلى الله»!. وهى عبارة حفظها المصريون وردّدوها حينذاك وتعرّفوا من خلالها على شخصية «التلمسانى»، والفضل فى ذلك يعود إلى «السادات»!. امتاز «التلمسانى» بمجموعة من الخصال ميّزته عن غيره من مرشدى الجماعة، خصوصاً ممن أعقبوه. كان هادئ الطباع، قليل الكلام، يتمتع بقدر واضح من الثبات الانفعالى، وكان ماهراً فى بناء حججه -حتى لو بدت شكلية- وبمقدوره أن يُقنع بها خصمه. استفاد من خبرته كمحامٍ، فعرف كيف يصيب أهدافه بسهولة ويسر. كما استفاد أيضاً من تجربته فى العمل داخل الجماعة، وكان أمهر الإخوان قدرة على المراوغة والالتفاف حين يريد، استغل فرصة الظهور التى منحها له السادات واستثمرها فى دعم شعبيته الشخصية وشعبية الجماعة. ومن اللافت أن «التلمسانى» ليس مصرياً صرفاً، بل ينتمى بأصوله إلى مدينة «تلمسان» الجزائرية. وكثيراً ما كان الإخوان يذكرون هذه المعلومة لتأكيد رؤيتهم الشاملة للإسلام، وللتبيان العملى لإيمانهم بالمقولة الشاذة التى سكها سيد قطب: «جنسية المسلم عقيدته». أذكر أننى التقيت فى حوارات صحفية متنوعة مع عمر التلمسانى فى بواكير تجربتى المهنية (أوائل الثمانينات). وكان ذلك فى مقر مجلة «الدعوة» بميدان التوفيقية. وكان يجلس حينها فى غرفة متواضعة بسيطة الأثاث، وتؤكد ملامحه جذوره الجزائرية، وتتصدّر وجهه لحية بيضاء خفيفة، بالغ فى تهذيبها.
كان أول سؤال سألته له يتعلق بعنف وتشدّد الإسلاميين فى التعامل مع المجتمع، خصوصاً أن دم الشهيد السادات لم يكن قد برد فى قبره بعد، فأجابنى -كعادته- بتأكيد أن الإسلام يرفض العنف تماماً، وأن الجماعة تركت العنف منذ سنين طويلة، وأن الدعوة الحقة لا بد أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، كما يقول القرآن الكريم، وأن العذر الوحيد للعنف الذى يتبناه البعض هو عمليات التعذيب التى وقعت للإسلاميين فى سجون الستينات، وإهدار حقوق الإنسان بصورة لم يعرفها التاريخ من قبل، وقال إن الإخوان لا يؤمنون بالعنف، بل بالعمل السياسى السلمى!.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/05/2019
مضاف من طرف : tlemcen2011
صاحب المقال : د. محمود خليل
المصدر : elwatannews.com