الجزائر

المخرج السينمائي العالمي كوستا غفراس ل “المساء“:‏ الإنسان هو محور أعمالي وبين يديه مستقبل العالم



كوستا غفراس المخرج المناضل الغني عن التعريف، اقتحم عالم السينما شاهرا سلاحه الثقافي لنصرة القضايا العادلة والوقوف إلى جانب „الإنسان“، ما يزال على عهده لم يتغير فكان فيلمه الأخير“رأس المال“صرخة ضد النظام المالي العالمي الذي أغرق الإنسانية في بحر من الانقسامات وخلق هوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء.„المساء“التقت بكوستا غفراس عقب مشاركته في مهرجان الجزائر السينمائي الدولي، „دورة الفيلم الملتزم“بفيلمه الأخير“رأس المال“وتكريمه أيضا وطرحت عليه بعض الأسئلة حول عمله الأخير ورؤيته للإنسان وكذا عن حبه العميق للجزائر، البلد الذي احتضن تصوير فيلمه الشهير“زاد“فكان هذا الحوار.
تناولت في فيلمك الأخير „رأس المال“، النظام المالي العالمي وبعضًا من ملامحه التي أدّت إلى أزمة اقتصادية عالمية وأحدثت الكثير من الهزات الاجتماعية. من المسؤول في اعتقادك عن ذلك، الدولة „الكيان الرسمي“، أم الاقتصادي“الإنسان“ في حد ذاته؟
المسؤول عن كل مشكلة تحدث في العالم هو الإنسان في حدّ ذاته، لأنّه الوحيد الذي يمكن أن يضع قواعد رائعة لإدارة الأمور إلى الأفضل، مثلما باستطاعته أيضا اتخاذ قرار القيام بحرب مدمرة أو أن يغش أو يحدث الفساد ولهذا يجب استغلال الأفعال الحسنة للفرد ومحاربه السيئة منها، وفي هذا السياق تطرقت إلى النظام المالي الذي يشكّل خطرا كبيرا على معيشة الأغلبية من الناس ولا يعتبر جيدا إلّا بالنسبة للقلة القليلة منهم.

ونحن نعيش واقعا اقتصاديا معقدا تبحر فيه أفلاك عديدة كالسلطات الحكومية والشركات متعددة الجنسيات، كيف يمكن حماية المواطن البسيط من غطرسة هذا النظام؟
أولا يجب الإقرار بوجود واقع اقتصادي جديد يستوجب إيجاد قواعد جديدة لتسييره، بدلا من القعود والشكوى من الظلم والفوضى واللاّعدل ولهذا يجب أن يقوم رجال السياسية بوضع هذه القواعد، وأعتقد أنهم يستطيعون فعل ذلك فقط تلزمهم الشجاعة والقدرة على اتخّاذ القرارات الصائبة.

في حال استمرار الأمور على حالها، هل يسير العالم نحو انتحار جماعي؟
أكيد، إذا استمرت الأوضاع على حالها، سيسيرالعالم نحو انتحار جماعي فالأغنياء يزدادون ثراءا والفقراء يزدادون فقرا، أمّا الطبقة المتوسطة والتي كانت تُعرف بأنها تمثّل استقرار الدول وحتى تحقيق السلم العالمي، ماذا يحدث لها؟ هي الآن في حال تقلص كبير ولهذا يجب العودة إلى الأساسيات، أي في توسيع الطبقة المتوسطة والتقليص من نسبة الفقر في العالم.

ولكن رغم وجود اجتماع عالمي نسبي حول الدفاع عن قضايا مهمة مثل محاربة الاحتباس الحراري، إّلا أنّ هناك من يستغل مثل هذه المواقف لكسب المال، كيف يمكن الفصل بين صاحب قضية نبيلة وصاحب المصلحة الذاتية؟
أعتقد أنه لإصلاح الأمور، يجب وضع قواعد جديدة، فمثلما استطعنا تحديد قواعد بسيطة مثل سير السيارات على الطريق وأشياء من هذا القبيل، يمكن أن نسن قوانين ونؤسّس قواعد في جميع الأمور، وإلاّ لسرنا مباشرة إلى أمور غير متوقعة، بل إلى نهايات سلبية حقا.

إذا كنا ندرك الحلول فلماذا لا نطبقها؟
لا تطبق الحلول لغياب إرادة سياسية في ذلك، نحن ننتخب رجالا ويتلقون أجورهم ولكنهم لا يطبقون السياسات اللازمة في تحقيق مصلحة الشعب، ولهذا يجب علينا أن نختار الرجال الذين يمكنهم اتخاذ قرارات جريئة.

دائما تتحدّث عن الإنسان في أعمالك وبالأخص جانبه المعتم والمعقد، مثل شخصية فيلم „الساطور“ التي تحولت من رجل عاد إلى قاتل، هل تريد من ذلك إثبات عدم قدرتنا على التنبؤ بتصرفات الإنسان أو حتى بتصرفاتنا الخاصة ؟
هذا صحيح حيث أتناول في أعمالي ازدواجية الإنسان، فالإنسان هو ذلك الذي يستطيع أن يفعل الأحسن والأسوأ أيضا ومع ذلك يمكن أن نوّجه الإنسان نحو الفعل الحميد من خلال تربية أطفالنا وتثقيفهم، فالتربية الحسنة سلاحنا والثقافة مضمارنا نحو حياة مليئة بالأمل، نعم من الضروري فتح مدارس كثيرة والاهتمام بشبابنا، هؤلاء الذين أصبحوا منغمسين في ركنهم ويمارسون ألعاب الفيديو وياليتها كانت ألعابا تربوية مفيدة، بل تتطرق في أغلب الأحيان إلى عمليات القتل والتدمير، وهنا أدق ناقوس الخطر بالنسبة للشركات التي تنجز مثل هذا النوع من الألعاب بحثا عن المال وضاربة عرض الحائط بكلّ ما يفيد الشباب.

هل تعتقد أن لكلّ جيل سينما خاصة به، أم أنّ الفن السابع له ضوابطه الخاصة وثوابته التي لا تتغير؟
لكلّ جيل قواعده الخاصة، فهو الذي يقوم بخلق قواعد جديدة وهو ما أعتبره أمرا رائعا إذ أننا لا يجب أن نعيش وفق قواعد ثابتة والسينما هي الأخرى عرفت تغيرات كثيرة، فبدأت صامتة ثم ناطقة واليوم دخلت عالم الرقمي من بابه الواسع وهكذا يمكن للشباب أن يصنعوا أفلاما بتقنية الرقمي ولن يكلفهم ذلك الكثير من المال، فقط يجب توفر المواهب والأفكار وهكذا يمكن لهذا الجيل أن يمارس الفن السابع بسهولة وبطريقة مختلفة، فالرقمي يشكّل حقا ثورة حقيقية للسينما.

وهل تروق لك أفلام الخيال العلمي المصنوعة بتقنية الرقمي أيضا؟ أليست بعيدة عن سينما كوستا غفراس؟
الفن السابع عالم واسع جدا ويضمّ كلّ التيارات السينمائية، ولهذا أطالب بتدريس السينما في المدارس مثل الموسيقى والأدب حتى يتعلم الشباب اختيار الصور المناسبة له والتي تحيط به في كل مكان، فعالمنا اليوم مليء بالصور ولهذا يجب أن يكون الشباب واعين في انتقاء الصورالتي يستفيد منها، وأن يتساءل عما يوجد وراءها وكذا عن هوية من يريد أن يبيعها له وإلّا لجرفه التيار ولهذا من الضروري أن يتعلّم الشباب اختيار الصور المناسبة له والموجودة في الحياة والسينما والتلفزيون.

ما هو العنوان الذي يمكن أن تضعه تعبيرا لحبك للجزائر؟
في قلبي الكثير من المحبة للجزائر، فهو بلد انطلق من الصفر لأنّ فرنسا حينما خرجت منه لم تترك وراءها بنية، فكان على الجزائر أن تبني نفسها بنفسها واستطاعت أن تحقّق تطوّرا رائعا منذ خمسين سنة من الاستقلال، وأذكر أنني زرت الجزائر سنوات قليلة بعد استقلالها واكتشفت أن لها سينما وطنية تجول في العالم وتتحصل على جوائز دولية، واليوم حينما نرى الانجازات التي حققتها نسعد لذلك فهي بلد حديث وانطلق من الصفر ولا ننسى أنّ التطور الذي حققته أوروبا، جاء بعد قرون من الزمن، صحيح أن بعض النّاس لا يشعرون بقيمة هذه الانجازات، وصحيح أيضا وجود أمور سلبية وظلم ولاعدل ولكن هناك الكثير من الأمورالجميلة وبالأخص ذلك الكفاح المتواصل لحياة أفضل، وسيأتي اليوم الذي ستصبح فيه الجزائر من أكبر الدول الإفريقية.

ما هو تصوّرك لما يسمى ب"الربيع العربي“؟
أعتقد أنّ „الربيع العربي“ثورة مهمة مثل ثورة الجزائر ضد المستعمر الفرنسي، طبعا، ليست نفس الشيء ولكنّها جاءت بغرض التحرّر، إلّا أنّني متأكّد من الحضور المستمر للقوى المحافظة في الدول العربية وكذا من عدم تغيرها وستحاول العودة ولو بالدم، ولهذا فالكفاح من أجل التحرّر لن يكون سهلا ويجب أن يتواصل إلى تحقيق الهدف المنشود.

في العادة، تخرج وتكتب الأفلام ولكن في فيلم „حضرة العقيد“والذي يتناول قضية التعذيب في فترة الاحتلال الفرنسي بالجزائر، قمت فقط بكتابة السيناريو؟
نعم أذكر أن مخرجا شابا وهو لورون هاربيي، جاءني بسيناريو فيلم „حضرة العقيد“ فقلت له أنّ القصة جميلة فقط ولكن السيناريو سيئ واقترحت أن أعيد كتابة السيناريو مجانا وأن أنتجه فوافق، وكانت النتيجة هذا الفيلم، وكان من دواعي سروري أن أخرج الفيلم بدلا من الاقتصار على كتابته، ولو حدث ذلك لكان سيكون مختلفا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)