''لا أستغرب تذمر القضاة ولكني مندهش لعدم انتفاضتهم طوال السنوات الماضية'' إلغاء الطوارئ ورفع التجريم عن أفعال التسيير، واستحداث إقامات مؤمّنة للمتهمين بالإرهاب، واحتجاج القضاة، قضايا طرحتها الخبر على المحامي والناشط السياسي مقران آيت العربي، أثـناء مقابلة جرت بمكتبه قبالة المحكمة العليا.
رفع حالة الطوارئ بالنسبة للمواطن العادي هو التخلص من الحواجز الأمنية، هل فعلا ذلك هو معناه الحقيقي؟
حالة الطوارئ واحد من الإجراءات الاستثـنائية المنصوص عليها في الدستور، إذ تسمح بتقليص الحريات العامة الفردية والجماعية نظرا لوجود ظروف خاصة، وتستمر إلى غاية زوال هذه الظروف. وعندما تستمر لمدة أكثـر من سنة، تصبح نظاما سياسيا. ورفع حالة الطوارئ معناه الرجوع إلى تطبيق القانون العام في كل الحالات. أما قضية وضع الحواجز الأمنية في مداخل المدن وداخلها، فلا علاقة لها بحالة الطوارئ، ما دام القانون يسمح للشرطة والدرك بوضع نقاط مراقبة في أي مكان بالتراب الوطني. وإذا كانت هذه الحواجز تعرقل المرور وتثـير انزعاج الناس وتحدث متاعب للمسافرين، فهي لا تمس بالحريات الفردية والجماعية مادامت حرية المرور مضمونة.
هل مجرد رفع حالة الطوارئ يعني أن كل القيود على الحريات ألغيت؟
من الناحية القانونية البحتة، يعني ذلك رفع القيود على الحريات. ولكن من ناحية الممارسة، لسنا في دولة القانون، لأن البلاد يحكمها نظام شمولي. ومن ثـمة، فالمسألة تتعلق بمدى احترام القانون من طرف السلطات العمومية، ومدى احترم الدستور. ويفترض أننا بمجرد رفع حالة الطوارئ، سنعود إلى الحياة العادية. وإذا تعاطينا مع الموضوع عمليا، نلاحظ مثـلا أن ما يسمى الحجز التحفظي الذي يخضع له الأشخاص في مراكز الشرطة والدرك لمدة معيّنة، فإن هؤلاء يخضعون للضغط والعنف والإكراه، إن لم نقل التعذيب في إطار حالة الطوارئ، وهي ممارسة مطبقة حتى بعد إلغاء حالة الطوارئ. إذن، القضية لا تتعلق بالمنظومة القانونية، بل القضية سياسية بالدرجة الأولى.
وكخلاصة لهذا السؤال، ينبغي أن نذهب إلى ما هو أهم من رفع حالة الطوارئ، وهو السعي من أجل إقامة دولة قانون تضمن حقوق المواطنين. ويقودني هذا الموضوع إلى رفض السلطة اعتماد أحزاب رغم وجود قانون عضوي يسمح بالتنظيم الحزبي، فهذا القرار انتهاك للدستور ولحقوق المواطنين، ولا يمكن لأية سلطة أن تأمر بوقف العمل بقانون.
أدرجت قرارات مجلس الوزراء الأخيرة جزئية جديدة في قانون الإجراءات الجزائية هي الإقامة المؤمَّنة للمتهمين بالإرهاب. ماذا تعني؟
هناك ثـلاثـة أوامر اتخذها مجلس الوزراء. الأول يتعلق بإلغاء حالة الطوارئ، والثـاني بتعديل المادة 125 من قانون الإجراءات الجزائية التي تسمح لقاضي التحقيق باللجوء إلى المراقبة القضائية بدلا من الحبس. وقد قدر الرئيس أن تدابير المراقبة القضائية بالنسبة للإرهابيين غير كافية، فاستحدث عنصرا جديدا هو الإقامة المؤمَّنة. لكن الأمر الرئاسي لا يحدد معنى الإقامة المؤمَّنة ولا مكانها، بل يحيل الأمر إلى نصوص لاحقة. والأمر الثـالث يتعلق بتسخير الجيش خارج الحالات الاستثـنائية، ويعني ذلك أننا لسنا بحاجة إلى حالة طوارئ ولا حالة حصار للجوء إلى الجيش، إذ هناك قانون صدر في 1991 يسمح بتسخير الجيش بغرض استتباب النظام العام، وثـمة إضافة جديدة هي إمكانية تسخير الجيش لمحاربة الإرهاب والتخريب. والعمل التخريبي هنا لا يطبق عليه النص القانوني، إلا إذا كان مرتبطا بالإرهاب.
السلطات تقول إنها أصدرت قرارا يمنع المسيرات في العاصمة. من هي الجهة صاحبة القرار: رئيس الحكومة أم وزير الداخلية أم الوالي؟
قرار 2001 الذي جاء بعد مسيرة 14 جوان التي نظمتها حركة العروش، اتخذته حكومة علي بن فليس. ولا يوجد لهذا القرار أي أثـر في الجريدة الرسمية، ومن ثـمة فهو لا يعدو أن يكون تصرفا اهتدت إليه الحكومة. وكل ما لا ينشر في الجريدة الرسمية من قرارات حكومية يعتبر تصرفا لا أكثـر ولا أقل، وليس له أية قيمة قانونية. وفي الأنظمة الديمقراطية، تخضع المسيرات والتجمعات السلمية لنظام التصريح وليس الترخيص. أما النظام الشمولي، فيمنع كل شيء، ثـم بعدها ترخص لمن تشاء.
أعطى بوتفليقة تعليمات برفع التجريم عن أفعال التسيير، وهو ما تم اللجوء إليه عند تعديل قانون العقوبات في .2001 ولكن قانون الوقاية من الفساد 2006 فرضه من جديد. لماذا هذا التذبذب في الرؤية لهذه القضية؟
أنا أتساءل إن كانت هناك إرادة سياسية في عدم تجنيح فعل التسيير، لأنه قبل 2001 كان القانون يعاقب على سوء التسيير، وهو شيء ذاتي بحكم أنه لا يمكن تحديد العناصر التي تمكّننا من الحكم على فعل بأنه تسيير سيء. وأمام الضجة التي أثـيرت حول الحكم على أبرياء بسبب سوء التسيير، جاءت مادة جديدة بدلا عن هذا المفهوم، تتعلق بالتبديد. ومع ذلك، لا يمكن للقاضي أن يحدّد ما هو المال المبدّد في التسيير، لأن مجلس إدارة المؤسسة هو من يقرّر إن كان هناك تبديد وتوجد وسائل تأديبية لردعه، وليس للقاضي أن يتدخل في الميدان. ثـم أضيف للقانون مفهوم إبرام عقود بطريقة مخالفة للتشريع والتنظيم. وقد حدث أن أدانت المحاكم أشخاصا بناء على تعليمات داخلية صدرت من مدير عام شركة، والتي اعتبروها تدخلا ضمن التنظيم، بينما التنظيم يكون لسلطة عمومية حسب أبجديات القانون. أما ما يصدر عن مدير عام شركة من تعليمات، فيبقى داخل المؤسسة وصالحا لمجلس التأديب فقط. ولكن، للأسف، تأخذها المحاكم بعين الاعتبار وتبني عليها أحكامها.
ومن ثـمة، إن كانت هناك رغبة في رفع التجريم، لنترك التسيير للمسيّرين ونترك القضاء للمحاكم، ونفصل بين ما يدخل ضمن التسيير وما يدخل ضمن الجرائم وهو الرشوة، وتحويل أموال عمومية واستعمال أموال المؤسسة لأغراض شخصية.
تشهد صفوف القضاة حركة تذمر ضد المفتش العام لوزارة العدل. كيف تلقيتم هذا الاحتجاج غير المسبوق؟
لا أريد التحدث عن شخص معيّن، إنما أتحدث عن مهام المفتشية العامة لوزارة العدل المحدّدة بنص قانوني. فللمفتشية العامة مهام تجاوزها بعض المفتشين بكيفية صارخة، وصلت حد محاسبة القاضي على الطريقة التي حكم بها، وحد مطالبة قاضي التحقيق عن سبب إصداره أمرا بانتفاء وجه الدعوى، وغير ذلك من الأعمال القضائية التي لا تدخل ضمن صلاحيات المفتشية التي يفترض أنها تختص بتسيير المرفق العمومي إداريا. أما الجوانب القانونية والقضائية، فهي من صلاحيات الهيئات العليا. وحقيقة، هناك تجاوزات خطيرة، وبلغ الأمر ببعض المفتشين إلى حد إجراء مواجهة بين قاض ومتقاض، ووجدت في ملف جنائي محاضر الاستماع إلى قضاة من طرف المفتشية، وهذه المحاضر يفترض أن تبقى داخلية ولا تدرج في الملفات الجنائية. بل بعض المفتشين هم من يقرّرون عزل القضاة، والوزارة توقع فقط على قرار العزل. وإن كنت لا أستغرب تذمر القضاة، فأنا مندهش لصبرهم على ما تعرّضوا له طوال السنوات الماضية، ولماذا لم ينتفضوا من قبل، لمطالبة الوزارة بفرض احترام القانون الذي يحدّد مهام المفتشية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/02/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: حوار حميد يس
المصدر : www.elkhabar.com