الآلاف في مظاهرة حضرها السياسيون وغابت عنها السياسة
حبست ورڤلة أنفاسها في انتظار موعد الخميس، اليوم الذي توعد فيه آلاف البطالين من سكان الجنوب، بتنظيم مسيرة مليونية، احتجاجا على أوضاعهم المأساوية مع رحلة طلب العمل خاصة في شركات البترول.
عاش الجزائريون على وقع حالة الترقب خوفا من أي انزلاق ستشهده هذه التظاهرة، بعد أن راجت كثيرا من الإشاعات عن مقاصد غير بريئة من تنظيمها، وانبرت القنوات الفضائية الخاصة في نقل تفاصيل المسيرة أولا بأول، بينما تسمر الكثير من الجزائريين أمام شاشات الكمبيوتر لمتابعة جديد المسيرة عبر الفيسبوك.
بيد أن المتظاهرين الذين غصت بهم ساحة الاستقلال، قبالة مقر بلدية ورڤلة، وناهز عددهم العشرة آلاف، وفق التقديرات المقدمة، فاجأوا الجميع بانضباط كبير، وبشعارات تعبر عن نضج سياسي ووعي اجتماعي منقطع النظير، لا يعكس أن عددا كبيرا منهم قليلو الحيلة، دون شهادات عالية أو مؤهلات كبيرة، لا يملكون من الإمكانيات أو الوسائل ما يملكه غيرهم، من أحزاب أو جمعيات تنشط على الساحة منذ سنوات، ومع ذلك استطاعوا بفضل عزيمتهم إيصال رسالتهم كاملة إلى المسؤولين.
سقطت كل دعاوى التحذير والتخويف من مسيرة أبناء الجنوب في الماء، ورد المتظاهرون بطريقتهم الخاصة على من اتهمهم بأنهم بيادق لأطراف أجنبية تسعى لضرب الاستقرار في الجزائر، كما رددت في حقهم لويزة حنون، زعيمة حزب العمال، التي نالها ما نالها من شعارات المتظاهرين الرافضين لما اعتبروه مغالطات يحملها خطابها عنهم.
أراد المتظاهرون البرهنة، للجميع على وطنيتهم العالية وحسهم العالي والمرهف، حينما يتعلق الأمر بالمسائل الكبرى التي لا تقبل المساومة، وذلك ما عكسه ترديدهم للنشيد الوطني الذي بدأوا به وقفتهم الاحتجاجية، في رسالة إلى الجزائريين الخائفين من انزلاق الأوضاع في هذا المناخ الدولي والإقليمي المحتقن، مفادها أنهم حريصون أيضا على بلادهم وعلى وحدة ترابها، وليس أدل على ذلك اختيارهم لساحة الاستقلال، التي انتفضت ذات يوم من سنة 1958 ضد الاحتلال الفرنسي رفضا لريح مسموم كان ينفثه بين الجزائريين، لجس نبضهم حول مؤامرته لفصل صحراء الجزائر عن شمالها.
عادة ما تخرج التجمعات الكبرى ذات الطابع الاحتجاجي عن النص، وتكون عرضة للمزايدات وراكبي الموجات، حتى في أعرق الدول ديمقراطية ورقيا.. حدث ذلك في بريطانيا يوم خرج الطلاب قبل عامين احتجاجا على زيادة نفقات الدراسة، وتحولوا إلى العنف، لكن مسيرة ورڤلة، عاكست تلك التوقعات، واحتفظت بهدوئها ورزانتها وتوازنها من وقت انطلاقها فجر يوم الخميس، إلى أن انفضت بعد أن أرخى الليل سدوله على المكان، وساعدها في ذلك تعامل قوات الأمن، الذي كان مثاليا بشهادة الجميع، ففضلوا التموقع بعيداً عن التظاهرة، تنفيذاً لتعليمات من مديرية الأمن في العاصمة بعدم التعرض للمتظاهرين خشية انفلات الوضع.
الشعارات المرفوعة التي زينت التظاهرة، حملت في طياتها الهم الوطني، ورفضت أن تكون ترجمة لواقع الجنوب فقط، فهذا شيخ يرفع شعار “أعدموا قتلة الأطفال" وهو نداء توحد الجزائريون من أقصى البلاد إلى أقصاها في رفعه، وذاك رفع شعار “الشمال والجنوب … الجزائر في القلوب"، وآخرون علّقوا لافتة كبيرة فوق مدخل البلدية كُتب عليها “الوحدة الوطنية خط أحمر" وأخرى “لا للفتن في أرض الوطن".
ولم يغب السياسيون عن المسيرة فشوهد عدد من النواب، وسعى بعضهم إلى الوصول إلى ورڤلة ولم يتمكن من ذلك، ولكن غابت السياسة عن الحاضرين، فلم ترفع شعارات سياسية، ولما حاول البعض إطلاق صيحات “الشعب يريد إسقاط حكومة سلال"، لم يتجاوب الحاضرون، واستعاضوا عنها بشعارات مدوية قال فيها العاطلون عن العمل “الشعب يريد إسقاط الفساد".
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/03/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد سيدمو
المصدر : www.elbilad.net